عبر حلقة جديدة من مسلسل المفاوضات الذي اتبعته الدول الغربية الكبرى مع الجمهورية الإسلامية، تكشفت معالم لعبة دولية جديدة بين إيران والغرب، نتيجة لإقامة جولة جديدة من المحادثات في " ألماتي" كبرى مدن كازاخستان. وتأتي هذه النتيجة ليومين من المفاوضات بين مجموعة دول (5 + 1) التي تترأسها مسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وبين إيران وسط ما تشهده شبه الجزيرة الكورية من تسلسل زمني متسارع للتوترات.
وعلى الرغم مما تحمله هذه المستجدات من تداعيات خاصة على المنطقة، غير أنه يتوجب التنبيه على عدم انزلاق العالم العربي في تلك اللعبة ما بين إيران والغرب والنظر فقط في المصالح العربية، إذ أنها لعبة مصالح.
لعبة دولية ومع حالة الشد والجذب التي سيطرت على تاريخ المحادثات في الملف النووي الإيراني مع الغرب وغيرها، تتبادر إلى الذهن بعض الأفكار المتعلقة بأن تلك المحاولات تأتي في إطار لعبة دولية محددة المعالم، وأن الغرب ليس في نواياه التصعيد وإنما مجرد ملء الفراغ السياسي في العالم.
فهناك إجماع على وجود إشارات ضعيفة على استعداد الطرف الإيراني لقبول العرض المقدم من القوى ال 6 في الجولة الأخيرة من المحادثات، والذي كان يقضي بفرض قيود على تخصيب اليورانيوم في مقابل تخفيف العقوبات الدولية بشكل تدريجي، ثم يتبعه مزيد من التدابير التي تعمل على بناء الثقة بين الطرفين، ليقابله موقف إيراني لا يتراجع عن المطالبة بالاعتراف بالحق النووي حتى يتم تقديم التسويات اللازمة لمواصلة المفاوضات.
ويبرر ذلك الاتجاه رأي بعض الخبراء والمراقبين أن جولات المحادثات المتكررة لم تعد تحمل عنوان النووي وحسب، بل دخلت في حيز المساومات الدولية في تحقيق المصالح الإقليمية من رفع الحظر الاقتصادي عن طهران مقابل التزامات معينة للقوى الكبرى.
تضارب المواقف وأظهرت الجمهورية الإسلامية موقفها خلال المفاوضات السابقة لحقها غير المشروط في تطوير برنامج نووي سلمي في الأغراض المدنية، متهمة القوى الدولية بغض الطرف عن دول أخرى تمتلك أسلحة نووية تستخدمها في الأغراض العسكرية، مع العلم أنها وقّعت على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية.
وعلى الجانب الآخر من المفاوضات، رفضت مجموعة دول 5+1 استمرار طهران في نشاطها نحو التطلع إلى امتلاك السلاح النووي.
وعبر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن قلقه من امتلاك إيران السلاح النووي في خلال عام، داعياً طهران إلى توقيع تسوية دبلوماسية عن طريق إتباع المفاوضات للخروج من الأزمة التي أثارها برنامجها النووي.
سيناريوهات متعددة ولا شك أن هناك ترابطاً شديداً بين ما يحدث في شبه الجزيرة الكورية، وما وصلت إليه المحادثات الأخيرة للدول الست الكبرى مع إيران على خلفية برنامجها النووي إلى طريق مسدود؛ الأمر الذي يرجح أحد السيناريوهات التالية: يتمثل السيناريو الأول في عزم الولاياتالمتحدة والغرب التصعيد العسكري وتوجيه ضربة نووية شاملة في القارة الآسيوية للتخلص من الصداع الكوري والإيراني في آنٍ واحد بعد فشل المفاوضات النووية لدول 5+1 مع طهران التي تقترب من النموذج الكوري الشمالي، مع احتمال خروج دواعي برنامجها النووي عن السلمية.
فعلى الرغم من ظهور بعض الاتجاهات الداخلية في الولاياتالمتحدة المنددة بالتوغل السياسي في صراعات وحروب كثيرة من العالم، أثبتت التقارير حجم خسائرها الفادحة والتي ترجمت نسبياً في خفض ميزانية الإنفاق العسكري، وتدل الأوضاع الحالية ارتباط الإدارة بأجندتها السابقة المتعلقة بالتوغل في صراعات القوى الكبرى من العالم ولجوئها إلى الحل العسكري.
ورغم انتفاء الاستبعاد الكامل لهذا الخيار في وقت تتعدد فيه خيارات الصراع الدولي، إلا أن مجريات الواقع تذهب بعيداً عنه لتفتح المجال أمام السيناريو الثاني المتعلق بعودة المفاوضات مع إيران في حال استمرار كوريا الشمالية في تصعيد الأزمة النووية، الأمر الذي يُجبر القوى الغربية على إعادة التفاوض مع إيران حتى لا تتعدد الجبهات في منطقة تقترب فيها جغرافيا الأزمات، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية لهذه الدول.
وقد يبقى الحال كما هو من استمرار لفرض العقوبات نتيجة تصلب الموقف الإيراني، يتبعه حلقة جديدة من مسلسل المفاوضات في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني.
ولكن في النهاية يبقى السؤال: هل تظل القارة الآسيوية مسرحاً للأحداث المتنامية على خلفية الصراع في الموازين الدولية بعدما تغيرت دفة الاهتمام الأمريكي إلى القارة الآسيوية عقب الحرب الباردة، أم أن تلك المحاولات لم تتعد مجرد لعبة دولية تتحدد نتائجها مسبقاً؟