وأين هى تلك المرأة التى تهب نفسها وعمرها للرجل الذى أحبته . ولا تتوقف عن العطاء الحقيقى المخلص له . حتى آخر أنفاسها فى الحياة ؟
نعم كانت هناك مثل هذه المرأة . وهى السيدة خديجة أولى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهن إلى نفسه وقلبه .
" تحت شمس الفكر " روى توفيق الحكيم قصة الحب النبيلة التى ربطت بين محمد سيد الخلق والسيدة خديجة . قبلها لم يتحرك قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإمرأة قط . عاش حتى الخامسة والعشرين من عمره لا يعرف اللهو أو النساء . وكأنه كان يشعر فى قرارة نفسه بمصيره العظيم . والرسالة الأعظم التى تنتظره .
كانت خديجة ذات مال وتجارة . تبعث بها إلى الشام وتستأجر من أجلها الرجال . وأرسلت محمداً فى تجارتها فعاد رابحاً ضعف ما كانت تربح . أليس هو الأمين المجتهد . وقد شهد بذلك غلامها " ميسرة" الذى رافقته فى الرحلة ؟
وفتح الله على قلب خديجة بحب قوى عظيم تجاه محمد الفقير اليتيم . وهى كانت قد رفضت الزواج من أكرم رجال قريش وأعظمهم شرفاً . لكنها أرسلت تابعتها " نفيسة" تعرض عليه يدها . ويتزوجها محمد .
ومن البداية اصبح الزوج قرة عين زوجته . التى وقفت معه بقلبها تسانده وتؤيده بكل الاخلاص . قبيل بداية الوحى يعود إلى بيته فى حالة روع شديد وهو يرتجف .
- يستنجد بها : دثرونى .. دثرونى !
فتهرع إليه تدثره .
• وتسأله فى لهفة : رحمة بى .. خبرنى بأمرك !
- فيقول لها : انى إذ خلوت إلى نفسى سمعت نداء خلفى يقول " يا محمد .. يا محمد ".. فانطلقت هارباً وأنا ارى ضوءاً وأسمع صوتاً .. وانى لأخشى أن أكون كاهناً يا خديجة .. ووالله ما أبغضت بغض هذه الصنام شيئاً قط ولا الكهان .
• فترد خديجة وهى تهون عليه : هون عليك .. والله ما يخزيك الله أبداً ..ان الله لا يفعل ذلك بك أبداً .. انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدى الأمانة وإن خلقك كريم .
هكذا كانت الزوجة المحبة أول من آمنت بزوجها وصدقته . ولم تفعل كما فعل قومه الذين كذبوه وسفهوه وسبوه واضطهدوه ورموا التراب على رأسه !
هكذا كان الحب الكبير ..
ويروى الحكيم كيف عندما علم أعداء محمد بقرب وفاة خديجة انتابهم فرح الشماتة.
• وقال أبو لهب لأصحاب : عما قليل تذهب تلك التى كانت تشد أذره وتعز شأنه !
وماتت خديجة لكن حب الرسول صلى الله عليه وسلم لها لم يمت أبداً . ظلت حتى آخر عمره فى مكانها فى لؤلؤة قلبه . وحين أرادت زوجته عائشة وكانت بعد ذلك أحب امرأة إلى قلبه . حين أرادت ذات يوم أن تمارس دلالها عليه .
- قالت له : الست خير النساء عندك ؟\
• رد عليها فى الحال : وخديجة ؟
- قالت عاشئة : ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين هلكت فى الدهر . وقد أبدلك الله خيراً منها ؟!
وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة غضباً شديداً .
فهب منصرفاً تاركاً المكان .
* وهو يقول لعائشة : والله ما ابدلنى الله خيراً منها . آمنت بى حين كذبنى الناس . وواستنى بمالها حين حرمنى الناس .
وبقيت عائشة مذهولة ومغتاظة فى مكانها .
- وهى تهمس لنفسها : لكأنه ليس فى الأرض إلا خديجة !
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه