وسط أجواء من التوتر الطائفي الذي تشهده الكثير من البلدان العربية، خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربي، يحتفل المسيحيون بأعياد الفصح على طريقتهم الخاصة، والمليئة بالقلق حول مستقبلهم في الشرق العربي، والخوف من تعرضهم للقتل والهجرة والتهميش. وفي منطقة الشرق الأوسط، نال ملف الفتنة الطائفية أهمية شديدة، خاصة بعد التداعيات الخطيرة التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة من تقسيم "السودان"، وتزايد أعداد المسيحيين المهاجرين من "العراق" و"فلسطين"، وتعرض البعض الآخر إلى القتل في "موريتانيا" و"الجزائر".
تحديات خطيرة حدد العديد من المحللين والمهتمين بشئون المواطنة في الوطن العربي، ملامح التحديات الأساسية التي يواجهها الأقباط في الشرق العربي، نتيجة تصاعد وتيرة العنف، دون توفر القدْر اللازم من العدالة، سواء في تحقيقات النيابة أو بمعاقبة الجناة، بالإضافة إلى عدم توفُّر الحريات الدينية.
ومن جانب آخر، يثير ملف التهميش السياسي للأقباط قلق الكثيرين في المنطقة، باستِبعادهم من كل مؤسسات صُنع القرار، وضعف تمثيلهم في المجالس النيابية، الأمر الذي ينتج عنه استِهداف الأقباط بتفريغ شُحنة الغضب الشعبي، وضُلوع أجهِزة أمْن الدولة في صُنع ما يوصف في إعلام الدولة بالفتنة الطائفية.
وفي "مصر" صاحبة أكبر تكتل مسيحي في الوطن العربى، شارك المسيحيون بشكل فعال في ثورة الخامس والعشرين من يناير على النظام البائد، ولكن لم يمر شهر على الثورة، حتى انفجرت العديد من الحوادث الطائفية التي تسببت في مشاعر غضب اجتماعي عنيف، مثل أحداث ماسبيرو التي أعادت إلى الأذهان المخاوف السابقة من وصول الإسلاميين إلى السلطة، وتعرض الأقباط للظلم ولكن بإستراتيجيات مختلفة.
واتسمت الأوضاع في "سوريا" بالحرج الشديد، نتيجة الزج بالمسيحيين في الفتنة الطائفية الدائرة في البلاد.
الموقف الغربي وفي تعليقها على وضع مسيحيي الشرق، ذكرت صحيفة "التليجراف" البريطانية أن المسيحية في طريقها للاندثار في الشرق الأوسط، بسبب زيادة الاضطهاد الموجه لها، وأن المسيحيين يواجهون عداءً كبيراً في جميع أنحاء العالم أكثر من أي ديانة أخرى.
وادعى التقرير - الذي أجراه مركز أبحاث "سيفيتاس" - أن السياسيين كانوا (بحسب وصفهم) "عمياً" عن العنف الذي تعرض له المسيحيون في أفريقيا وأسيا والشرق الأوسط، وأن التهديد الأكثر شيوعاً على المسيحيين في الخارج هي الجماعات الإسلامية المتطرفة، زاعمة أن اضطهاد المسيحيين يتم تجاهله خوفاً من تحول هذه الانتقادات إلى عنصرية.
وختم التقرير بقوله: "من الأمور المسلم بها وجود العديد من الجماعات الدينية المتشددة، ووصول نسبة المسيحيين الذين يعانون من الاضطهاد والمضايقات عند ممارسة أنشطتهم الدينية، بنحو (200) مليون مسيحي، أي ما يعادل (10%) من المسيحيين في جميع أنحاء العالم".
وفي موقف رسمي، عقد عدد من أعضاء البرلمان الأوروبى ب"بروكسل"، مؤتمرًا حول "وضع المسيحيين بعد عام من الربيع العربي"، شارك فيه العديد من الأكاديميين والمحاضرين المهتمين بشئون الأقليات ب"مصر" و"العراق" و"سوريا" و"الجزائر".
وقال عضو البرلمان الأوروبي "كونراد زيماسكي" في افتتاحية المؤتمر: "إننا سنسعى معاً من أجل إعادة تأسيس العلاقات، مع الدول التي اجتاحتها ثورات الربيع العربي بشكل حذر، نظراً إلى ما أفرزته هذه الثورات من تصاعد لتأثير التيارات الإسلامية".
وأكد "زيماسكي" أن مصدر قلق الأوروبيين حول مصير الأقلية المسيحية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخاصة "مصر"، ترجع إلى توافر معلومات تفيد بأن المسيحيين يعانون من مشاكل كثيرة، أدت إلى إصابة أكثر من (500) مسيحي ومقتل (79) على مدار عام و(4) شهور من بداية الثورة المصرية، مشيراً إلى أن الثورات العربية شهدت موجة التغيير، حيث أصبح مصير أبناء هذه الطوائف غير واضح المعالم، مطالباً النظام المصري بحل مشاكل الأقباط في أسرع وقت.
وأكد "جاك برهومين" - عضو البرلمان الأوروبي - على قناعته بأهمية تسليط الضوء على وضع الأقلية المسيحية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة في ظل تلقي إشارات مقلقة، توحي بأن ما يحدث في هذه الدول، يساهم في زيادة القمع ضد المسيحيين القاطنين هناك، لافتاً إلى رغبة الاتحاد الأوروبي في دعم هذه الثورات.
خطر داهم وعند محاولة الوقوف على المساوئ التي تحدق بمستقبل الوطن العربي في الصراع الدولي، نتيجة اشتعال ملف الفتنة الطائفية، يتوجب التأكيد على خطورة الوضع الذي يهدد (حال تدهوره المستمر) بمحاولة قوى خارجية انتهاز الفرصة لنشر الفتنة والصراع الطائفي بين مقومات النسيج العربي لتفتيتها، وفي النهاية يتثنى على الدول العربية إيجاد حلول لمشاكل المهاجرين، وتعويض المتضررين وخاصة الذين فقدوا أرضهم وبيوتهم وممتلكاتهم.
وبالتالي ومع بداية الأحداث التي شاهدها العالم العربي في العقد الحالي، أُثيرت الكثير من التساؤلات حول وضع المسيحيين بعد الثورات العربية، من أبرزها هل تحسن وضع الأقليات المسيحية؟ أين يقف المسيحيون العرب من المد الإسلامي المتنامي في الفترة الأخيرة؟ وما هي طبيعة مخاوف المسيحيين في البلاد العربية ذات التركز المسيحي، مثل "مصر" و"سوريا" و"العراق"، والتي تشهد حالياً مزيداً من الصراع والتوتر؟