تواجه الجزيرة القبرصية الصغيرة أسوأ أزمة مالية لها منذ عقود كما وصف رئيسها "نيكوس أناستاسياديس"، وقد تكون "القشة التي تقصم ظهر البعير" بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يعاني من تداعيات أزمة الديون في "اليونان". وعليه، فقد تزايدت حالة الغضب الشعبي بين المواطنين في "قبرص"، منذ الإعلان مطلع الأسبوع الجاري أن مجموعة الاتحاد الأوروبي ستفرض ضريبة استثنائية تصل إلى 9.9% على جميع الودائع المصرفية في "قبرص"، مقابل حصول البلاد على قرض بقيمة 10 مليارات يورو لإنقاذها من الإفلاس.
يأتي ذلك فيما توصل صندوق الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي يوم السبت الماضي، إلى اتفاق بشأن خطة إنقاذ "قبرص" بقيمة 10 مليار يورو، مقابل دفع جميع عملاء البنوك ضريبة لمرة واحدة على الودائع.
أزمة طاحنة وتعيش القارة العجوز أزمة مالية طاحنة منذ أزمة الديون الأوروبية وتداعياتها في "اليونان" و"أسبانيا"، ثم تأتي الأزمة المالية الراهنة التي تجوب جزيرة "قبرص" الصغيرة الآن، مهددة باحتمالية انهيار النظام الاقتصادي في أوروبا وتداعيات هذه الأزمة عالمياً في ظل العولمة الرأسمالية العالمية.
والغريب أن تحركات البنك الأوروبي في مواجهة هذه الأزمة - جاءت مغايرة لما عهد عنه من قبل بحمايته للودائع، حيث أقرت المفاوضات التي عقدت في "بروكسيل" بين مسئولي البنك الأوروبي ومندوبي الحكومة القبرصية، خطة للإنقاذ المالي تقوم على إقراض الحكومة لمبلغ 10 مليار يورو، مقابل فرض ضريبة على الودائع تصل إلى 9.9 %.
وينتظر إقرار خطة الإنقاذ المالي موافقة البرلمان فى "قبرص" كشرط أساسي لاعتمادها بشكل رسمي، حيث تمثل الموافقة على خطة الإنقاذ الأمل الوحيد لإنقاذ البلاد من الإفلاس، كما صرح بذلك الرئيس القبرصي.
وفي المقابل عبر قادة المعارضة والمدخرين (بمن فيهم غير القبارصة)، عن غضبهم من الخطة المقترحة التي تنتظر موافقة البرلمان عليها لتصبح سارية.
وسعى رئيس الوزراء اليوناني "أنتونيس ساماراس" إلى تشجيع المواطنين القبارصة، مؤكداً أن الأزمة المالية التي تواجه الدولة "الجزيرة" سيتم التغلب عليها قريباً.
ويتوقع أن يخسر مودعون أجانب مثل الروس والبريطانيين الكثير من الأموال بسبب هذه الضريبة، كما أدانت "موسكو" فرض الضريبة معتبرة أنه نوع من أنواع مصادرة الأموال، وقال "ديميتري بيسكوف" - المتحدث باسم الرئيس الروسي -: "بالنسبة لإمكانية فرض ضريبة في "قبرص" على الودائع المالية، فإن الرئيس "بوتين" يقول: إنه إذا أقر هذا القرار، فإنه سيكون غير عادل، وغير احترافي، وشديد الخطورة".
غضب شعبي وسادت حالة من الغضب الشعبي للمواطنين القبارصة، بعد الإعلان عن اتفاق الحكومة مع الاتحاد الأوروبي على خطة الإنقاذ بقيمة 10 مليارات يورو، كحد أقصى تتضمن فرض ضريبة استثنائية غير مسبوقة على الودائع المصرفية.
وبذل الرئيس القبرصي "نيكوس أناستاسيادس" - الذي لا تتعدى فترة ولايته ثلاثة أسابيع حتى بعد انتخابه في فبراير الماضي - قصارى جهده للتخفيف من حالة الصدمة والغضب إثر موافقة حكومته على الخطة، والتقى بقادة الأحزاب قبل اجتماعات مماثلة مع رؤساء المصارف العاملة في الجزيرة، وأصدر أيضاً بياناً أكد فيه أن خطة الإنقاذ "المؤلمة" ستجنب البلاد السيناريو الأسوأ، ألا وهو "الإفلاس".
وقال وزير المالية القبرصي "مايكل ساريس"، على خلفية المحادثات التي جرت في "بروكسل"، حيث وضعت خطة الإنقاذ المالي الأوروبية ل"قبرص": "أتمنى لو أنني لم أكن الوزير الذي يفعل ذلك" ، وأضاف: "كان من الممكن فقدان أموال أكثر في حالة إفلاس النظام المصرفي أو البلاد في الواقع"، واستطرد قائلاً: آمل أن تكون الضريبة وخطة الإنقاذ إيذاناً ببداية جديدة ل"قبرص".
تداعيات مختلفة واختلفت التداعيات التي واجهت الأزمة المالية في "قبرص" على جميع المؤشرات المالية وأسعار صرف اليورو، مقابل العملات الأخرى وأهمها الدولار والين الياباني.
وقد يعيد قرار ضريبة الودائع البنكية في "قبرص" إلى الأذهان الأزمة الأوروبية وانتقالها عبر العدوى المالية من دولة أوروبية إلى أخرى، وانعكس ذلك بالأساس على سعر صرف اليورو الذي انخفض مقابل الين الياباني إلى أدنى مستوياته في ثلاثة أسابيع عند 1.2882 دولار.
أما الضحية الثانية لهذه الأزمة فهي انتشار تجنب المخاطرة لدى المستثمرين بعد تراجعها إلى حد كبير، ليزيد الإقبال على عملات الملاذ الآمن وهي الدولار والين الياباني، في حين انخفضت الأسهم الأسيوية في أولى جلسات هذا الأسبوع نتيجة عزوف المستثمرين عن المخاطرة.
وتثور مخاوف خبراء النفط بشأن أثر سلامة اقتصاد منطقة اليورو على أسعار النفط العالمية، بعدما انخفض سعر خام "برنت" مسجلاً 92,35 دولاراً للبرميل.
وتشير التقديرات أنه وفقاً للأزمة الحالية التي تعيشها "قبرص" ستواجه بدون خطة للإنقاذ العجز عن السداد، وستقوض ثقة المستثمرين في منطقة اليورو، التي عززها وعد البنك المركزي الأوروبي العام الماضي، ببذل ما تستطيع بذله من أجل تعزيز اليورو.
فيما صرحت وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني: إن الضريبة غير المتكررة على الودائع المصرفية في "قبرص"، ستكون لها عواقب سلبية بالنسبة للمودعين والدائنين، مشيرة إلى تزايد مخاطر هروب رأس المال من دول أخرى تتعرض لأزمة اليورو، متوقعة أن يكون تأثير العدوى محدوداً في سوق السندات, معلنة أنه تم تفادي خطر إجراء عملية إعادة هيكلة للديون مثلما حدث في "اليونان"، حيث أجبر حاملو السندات على التنازل عن جزء كبير من رأسمالهم.
الانسحاب والمفاوضات وفى حالة رفض البرلمان القبرصي لخطة الإنقاذ المالي، فهناك طريقان: الأول أسوأ لمنطقة الاتحاد الأوروبى بالكامل، وهو انسحاب قبرص من الاتحاد مما سوف يسبب أزمة كبيرة لمستقبل الاتحاد الأوروبي، ففي ظل ما تساهم به قبرص فى حدود 0.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالى فى أوروبا، لا يتوقف تأثير الانسحاب عند حجم المشاركة القبرصية الضعيفة بالناتج المحلي، لكن سوف يؤثر بالتبعية على دول تتعرض لنفس الظروف ولاسيما أسبانيا وإيطاليا؛ مما يهدد كيان الاتحاد الأوروبى بالكامل بالانهيار.
والطريق الثاني: الدخول في مفاوضات جديدة مع الاتحاد الأوروبى؛ لإقرار خطة أكثر مرونة لمواجهة خطر الإفلاس، خاصة بالبعد عن إقرار أي ضرائب على الودائع البنكية.
وفي النهاية تثار التساؤلات حول مدى قدرة القارة العجوز على مواجهة تلك التحديات الاقتصادية المتتالية؟ وهل ستتغير خريطة النظام الاقتصادي العالمي؟ كل هذه الأسئلة يجب أن تحددها الأيام القادمة وتتحكم بها السياسات الاقتصادية، إما إلى طوق نجاة أو الهاوية الاقتصادية.