الاقتصاد المصرى في محنة ، وحديث الشارع المصرى غلاء الاسعار و ارتفاع سعر الدولار ، البعض لا يشعر بالتفاؤل ، ويتوقع ان ينزلق الاقتصاد لهاوية قد تحرض على ثورة الجياع ، واخرون ينظرون نحو الحلول الممكنة لعبور الازمة و بين الطرفين يقف خبراء واساتذة الاقتصاد المتخصصين ، يشرحون بالارقام الصريحة حقيقة وضعنا الاقتصادى الذى نعيشه ونعانى بسببه و نخشى تطوارته وعواقبه
الاقتصاد في الوقت الضائع !
الدكتور مختار الشريف – استاذ الاقتصاد بمعهد بحوث التنمية والمحاضر بعدد من الجامعات العالمية – يفسر الازمة الاقتصادية بطريقته فيقول : نحن الان في مصر .. نفعل كالمرأة التى مر عمر بن الخطاب على بيتها ليلا ، فوجدها تغلى الحصى في القدر ، لتوهم اطفالها انها تطبخ لهم الطعام ، وهى في الحقيقة ليس عندها شئ .. انما تريدهم ان يهدأوا حتى يغلبهم النوم دون عشاء !
حقيقة الامر ان الوضع الاقتصادى مذرى ، والاحتياطى النقدى في البنك المركزى في ادنى معدلاته ، مصر تستورد سنويا بمقدار 60 مليار دولار ، اى اننا ندفع 5 مليار دولار كل شهر في سلع مهمة لا غنى عنها ، اولها الغذاء والسلع الرأسمالية مثل الالات المنتجة وقطع الغيار والمواد الخام والادوية والسيارات والاليكترونيات وغيرها .. ومع الحفاظ على سعر الدولار الحالى يزداد التضخم وتضعف القيمة الشرائية للجنيه المصرى فينخفض مستوى معيشة المواطن تلقائيا .
حاليا مصر منطقة مخاطر اقتصاديا وفق التقدير العالمى ، وهذا معناه اننا لن نحصل بسهولة على قروض ولن نعقد صفقات الاستيراد كما في السابق لان الفائدة ستزيد والتأمين ولن تكون هناك تسهيلات كافية لشراء ما نحتاجه من الخارج.
ويساهم في تعقيد المشهد الاقتصادى اكثر ، لوائح الحكومة التى صارت تفرض على السائح الاجنبى الا يدخل مصر بمبلغ يزيد عن 10 الاف دولار .. حتى ان بعض السياح العرب مؤخرا عاد لبلاده من المطار على نفس الطائرة التى قدم فيها !.
ايضا الهجمة الشرسة على بعض كبار رجال الاعمال المصريين ترهب الاستثمار الاجنبى لان الاستثمار الداخلى الوطنى نفسه صار مهددا ، وهناك تحذيرات من التعامل مع البنوك المصرية الوطنية ، كل ذلك يحدث دون تفسير ولا احد يسيطر على نتائجه الوخيمة ..
السياسة قد تتدخل احيانا في الاساءة للمشهد الاقتصادى ، مثل الخلاف و تصفية الحسابات مع ساويرس ومن قبله احمد بهجت ، والحكومة تؤجل كل قرار الى ما بعد انتخابات البرلمان ، وصندوق النقد محجم عن اعطاء مصر قروضا كبيرة قبل ان يحدث توافق مجتمعى على الاقتراض بمشاركة المعارضه ، والمشكلة دائما ليست في القرض ولكن في قدرتنا على الاستفادة منه وحل مشاكلنا به وقدرتناا ايضا على سداده .. معدل الادخار انخفض في مصر بعد الثورة من 15% الى 13% ونحن اصلا لن نتعافى الى اذا وصل الادخار لنسبة 25% من الدخل القومى ..
هناك عجز مزمن في الموازنة والدين الداخلى والخارجى لمصر في ارتفاع .. د / إبراهيم شتا استاذ الاقتصاد الدولى والسياسة النقدية – كلية التجارة جامعة المنصورة والحاصل على دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد من جامعة ميتشجان – يكمل على ما سبق ويحلل الازمة بقوله :
من وجهة النظر الاقتصادية البحتة نلاحظ أن هناك من يريد هدم آخر عمودين اقتصاديين يحملان البيت المصري وهما:
لماذا ؟ هناك مشاكل فقط مع السعودية والكويت والامارات التي تحصل مصر منها على أكثر من نصف تحويلات العاملين بالخارج ؟
وهناك نقطة أساسية أخرى
هذين المصدرين قناه السويس وتحويلات المصريين بالخارج هي تحويلات صافية لصالح الاقتصاد المصري أي أن مصر لا تحتاج لرد هذه الأموال فهي حصيلة مواردها الطبيعية ( قناه السويس ) وعرق أبنائها ( التحويلات ).
أما من يصورون الاستثمار الأجنبي المباشر بأنه الدواء الشافي من كل داء فلهم أقول:
الاستثمار الأجنبي المباشر الذى تقوم به الشركات متعددة الجنسيات هدفه الوحيد والرئيسي هو تعظيم الأرباح لذلك فهناك ثلاثة أسباب رئيسية لكى يأتي الى دولة معينة وهى
1- معدلات أجور منخفضة :
وهى غير متوفرة في مصر إذا أدخلنا في حساباتنا معدلات الانتاجية ومعدلات الأجر بالمقارنة بالدول الأخرى المستقبلة للاستثمار الأجنبي المباشر
2- سوق محلى يستوعب الانتاج :
وهذا غير متوفر في مصر إلا في قطاعات محددة مثل الزيت والسمن والمنظفات وهى قطاعات متشبعة وتعانى من ضعف تسويق إنتاجها
وأفضل مثال على ذلك هو علبة السمن كانت 2 كجم ثم 1كجم ثم ½ كجم ربما يصل بهم الحال لبيع ملعقة سمن لكل طبخة
3- موارد طبيعية غير متاحة في مكان آخر مثل البترول. ومثل هذه الشركات الدولية لا تهتم بالاستقرار السياسي او الاجتماعي بل ربما عملت على تأجيج الصراع السياسي والاجتماعي.
وخير مثال على ذلك عدم توقف الاستثمارات الأجنبية في قطاع البترول في العراق بل وزيادتها منذ عام 2003 وكذلك الحال في حقول البترول في جنوب السودان.
وبالنظر إلى مصر نجد أن كل التركيز الآن منصب على قناة السويس والمنطقة المحيطة بها.
وبالتالي لا يمكن إغفال ما يحدث في مدن القناة عن هذا التحليل الاقتصادي
وأنا هنا لا اتهم جهة معينة فهذا ليس دوري بل هو دور الأجهزة الأمنية في الدولة المصرية فهناك من يقول أنهم الفلول وهناك من يقول إنهم الاخوان وحماس وقطر ..... الخ
ما يعنينى هو الأهمية النسبية للاستثمار الأجنبي المباشر إذا ما قورن بتحويلات المصريين العاملين بالخارج حسب البيانات المتاحة من البنك الدولي فإنه من عام 1977 وحتى عام 2010 كان إجمالي قيمة تحويلات المصريين العاملين بالخارج حوالى ضعف قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر خلال نفس الفترة بالرغم من التباين الشديد في المعاملة الاقتصادية حيث يحصل المستثمر الأجنبي على أرض ربما بالمجان وإعفاءات ضريبية .... بينما يتم التضييق على المصريين العاملين بالخارج إلى حد فرض ضريبة على تحويلاتهم والتي الغيت بحكم المحكمة الدستورية العليا كل هذه أسئلة وملاحظات اقتصادية بحته تحتاج إلى إجابة من صانع القرار السياسي والاقتصادي المصري وبصورة عاجلة .
قضية اخرى هامة هى الان محور اهتمام المصريين ورجال الاقتصاد والبنوك وهى (سعر الصرف)
ولكن كيف يتحدد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري ؟
يتحدد ذلك بالطلب والعرض على الدولار الأمريكي فى سوق الصرف المصرى.
وبصورة مبسطة يمكن ان نقول ان :
الصادرات المصرية تمثل عرض للدولار الأمريكي
والواردات المصرية تمثل طلب على الدولار الأمريكي
فمثلا عندما تصدر مصر القطن أو الأرز أو البترول فيقوم المستوردون الأجانب بدفع قيمة هذه الصادرات بالدولار الأمريكي وهذا يمثل عرض للدولار الأمريكي في السوق المصرية .
وبالعكس عندما يرغب المستوردون المصريون في استيراد القمح أو الأخشاب ( كما في حالة دمياط ) فإنهم يذهبون إلى الجهاز المصرفي المصري (البنوك ) يدفعون لهم الجنيه المصري ويطلبون الدولار الأمريكي لكى يدفعون ثمن هذه الواردات بالدولار الأمريكي وهذا يمثل الطلب على الدولار الأمريكي في السوق المصري .
وبصورة أكثر شمولا فإن كافة بنود المتحصلات (الايرادات) في ميزان المدفوعات المصري تمثل عرضا للدولار الأمريكي مثل الصادرات المصرية والايرادات من السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج وإيرادات قناة السويس ..... الخ.
وكذلك فإن كافة بنود المدفوعات في ميزان المدفوعات المصري تمثل طلبا على الدولار الأمريكي مثل الواردات من القمح والأخشاب والأجهزة الحديثة والأدوية .... الخ
وبما أن هناك خلل هيكلي (عجز مزمن) في ميزان المدفوعات المصري بسبب زيادة قيمة جملة المدفوعات عن قيمة جملة الإيرادات في ميزان المدفوعات المصري بصورة مستمرة .
فإن هناك ضغوط مستمرة على قيمة الجنيه المصري تدفعه للهبوط وهو ما يعنى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي .
والمشكلة الحالية في سوق صرف الدولار الأمريكي في مصر هي تدهور حصيلة أهم بنود الإيرادات في ميزان المدفوعات المصري وهى السياحة والصادرات ولم يتبق سوى تحويلات المصريين العاملين بالخارج وإيرادات قناه السويس مما ينتج عنه نقص شديد في عرض الدولار الأمريكي في سوق الصرف المصري .
وفى نفس الوقت فإن المدفوعات في حالة تزايد مثل الواردات وخروج الاستثمارات الأجنبية وهروب الاستثمارات الوطنية ( مثل عائلة ساويرس ) .
كل ذلك يمثل طلبا متزايدا ومستمرا على الدولار الأمريكي في سوق الصرف المصري .
ولأسباب أغلبها سياسية بحتة قام البنك المركزي المصري بالدفاع عن قيمة الجنيه المصري والمحافظة على سعره أمام الدولار الأمريكي من خلال السحب من الاحتياطي النقدي المتراكم لديه .
فحسب البيانات المتاحة لدى البنك المركزي فإن ذلك الاحتياطي قارب على 36 مليار دولار مع تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك .
ومع استمرار نقص عرض الدولار وزيادة الطلب عليه طوال عامي 2011 و2012 وحتى الآن ( حسب التحليل السابق ) فإن البنك المركزي قد استنزف هذا الاحتياطي فقط لأسباب سياسية وهى:
1- الحفاظ على الوضع السياسي أيام حكم المجلس العسكري
2 - الحفاظ على الوضع السياسي منذ حكم الرئيس محمد مرسى وحتى الانتهاء من الانتخابات التشريعية القادمة .
وبعدها (وربما قبلها) لن يستطيع البنك المركزي الدفاع عن الجنيه المصري وسوف يرتفع سعر الدولار بنسبة غير قليلة .
وإذا أضفنا إلى ذلك تطبيق قرارات الضرائب المؤجلة أيضا لما بعد الانتخابات سوف تكون الصورة أكثر قتامة .
وبعيدا عن كل هذا التحليل الاقتصادي فإن الشعب المصري يعرف جيدا ماذا ينتظره عندما يرتفع سعر الدولار الأمريكي .
حتى ان بائعة الفجل والجرجير قد رفعت منذ الآن سعرهما ، وعندما تسألها ( ليه يا حاجة ؟ ) ترد بأن السبب هو ارتفاع سعر الدولار.!!!!
حتى هى تعرف جيدا أن ارتفاع سعر الدولار سوف يرفع سعر أجره الميكروباص الذى سوف تركبه عندما تعود إلى قريتها ، وسوف يرفع سعر الدواء والملابس وغيرها .... فاصبحت من واقع خبرتها الطويلة تعرف أنه يجب عليها أن تستعد لهذا اليوم الأسود الذى سوف يرتفع فيه سعر الدولار .
• واخيرا يلخص الدكتور مختار الشريف المشهد الاقتصادى الحالى بقوله : بعد ضرب السياحة اصبحنا في ورطة حقيقية ، والبطالة من بعد الثورة شملت ملايين المصريين ..
قد لا يهتم البعض بتفاصيل السياسة او الاقتصاد في البلد الذى يعيش فيه ، لكنى اقول لهم مالا تهتم به الان هو الذى سيهتم بك عاجلا .. لان السياسة في وطنك والاقتصاد كذلك ليست مجرد مصطلحات وارقام بل هى يومك .. اكل العيش والمواصلات والغاز والماء وسعر كيلو الخضار وفرصة العمل و الامان في الشارع وحتى الهواء الذى تتنفسه يتأثر ويتلوث احيانا لاسباب اقتصادية !!! .