حثنا الاسلام الحنيف علي القصاص للمقتول ، وذلك من عدل الله "فمن قتل يقتل" جزاءا بما قدمت يداه، ولكن لكون الأمر فيه دم وجزاء بالموت، وضع الاسلام ضوابط وشروط محددة للقصاص، كي لا يكون الأمر يسيرا بين الناس فيتهاونوا فيه وتحركهم أهوائهم دون تحري الحق والتأكد من القاتل أو الجاني ، حتى وإن كان الأمر يخص شعب بأكمله، فيجب أيضا تحري الدقة احتراما لحرمة الدم. وقد حدد فضيلة الشيخ حسن مأمون -رحمه الله - شروط وكيفية القصاص، وذلك عندما كان مفتيا لجمهورية مصر العربية ، والتى عرضها كما يلي :-
موجبات القصاص: أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، والأصل من ذلك الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا } الإسراء 33 ، وقوله تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا } النساء 92 ، وقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } النساء 93 .
وأما السنة - فقد روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه، وأما الإجماع - فلا خلاف بين المسلمين فى تحريم القتل بغير حق.
وقد قسم الفقهاء القتل إلى عدة أقسام منها القتل العمد الموجب للقصاص، وهو أن يتعمد ضربه فى أى موضع من جسده بآلة تفرق الأجزاء، كسلاح ومثقل ولو من حديد ومحدد من خشب أو زجاج أو حجر إلى آخره.
وموجبه الإثم كما ذكرنا أولا، والقود عينا. لقوله تعالى { كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } البقرة 178 ، وقوله تعالى { ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب } البقرة 179 ،
شروط القصاص:
وقد اشترط الفقهاء فى القصاص أربعة شروط الأول أن يكون الجانى مكلفا، والثانى أن يكون المقتول معصوما، الثالث أن يكون المجنى عليه مكافئا، أى مساويا له فى الدين والحرية والرق، سواء كان القاتل ذكرا أو أنثى، وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى، وفى هذا الشرط خلاف بين الفقهاء، فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن المسلم يقتل بالذمى وهو الراجح المفتى به فى المذهب والذى نرى الإفتاء به، الرابع أن لا يكون القاتل أبا للمقتول على خلاف بين الفقهاء فيه.
الإقرار :
وقد قرر الفقهاء أن ما أوجب القصاص فى النفس كالقتل العمد يثبت بالإقرار وبالبينة، ولا يقبل فى إثباته بالبينه إلا شهادة رجلين عدلين، فلا يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا شاهد ويمين الطالب الذى يطلب الحكم بالقصاص (ولى الدم) ولا يعلم فى هذا الحكم خلاف بين العلماء.
كما قرروا أيضا أنه لا يثبت القتل بشهادة الشهود إلا مع زوال الشبهة فى الشهادة، مثل أن يقول الشاهدان نشهد أنه ضربه فقتله أو فمات منه، وترجيح أن المتهم قتل المجنى عليه عمدا، مع سبق الإصرار يقتضى الاطمئنان إلى أن الحكم بإعدامه لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.