كم أنت عظيم يا رب عندما شرعت لنا هذا النص القرآنى الجليل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (البقرة: 178- 179). القصاص كحكم شرعى لم يكن حديث عهد بالإسلام بل كان موجودا ومعروفا ومعمولا به قبل الإسلام والدليل على ذلك أن الله تعالى قال متحدثا عن بنى إسرائيل: "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ" (المائدة: 45). وجاءت حكمة المولى فى فرض حكم القصاص فى القتل حقنا للدماء البريئة ومنعا للفوضى والاضطرابات فى المجتمع، فتعطيل حكم القصاص من القاتل يدفع أهل المقتول إلى الانتقام بشكل عشوائى من أهل القاتل، مما يطيل أمد المعارك ويسفك الدماء بحق وبدون وجه حق، ويدخلنا فى دوامة ثأر لا تنتهى كما يحدث فى بعض قرى الصعيد. كل هذه المعانى العظيمة دارت فى ذهنى أمس عندما همّ قاضى محكمة الجنايات ونطق بأول كلمة له "إحالة أوراق" المتهمين فى مذبحة بورسعيد والتى راح ضحيتها 74 شهيدا من مشجعى النادى الأهلى وزهقت أرواحهم ظلما وعدوانا "إلى فضيلة المفتى". ورغم أن ذكر أسماء المتهمين فصل بين قول القاضى "إحالة أوراق" و"إلى فضيلة المفتى" إلا أن مشاعر الفرحة والارتياح والسكينة ملأت قلوب أهالى الشهداء فذرفوا الدموع وهتفت الحناجر "يحيا العدل" وكان آباء وأمهات الشهداء بالطبع هم أسعد الناس بهذا الحكم الذى رأوا فيه قصاصا عادلا ربط على قلوب أوجعها الظلم وغيب انتظار القصاص النوم من أعينها طيلة سنة كاملة وهى تنتظر مثل هذا الحكم الذى وصفوه ب"العادل". أخذت أقلب أوراق بعض كتب الفقه ووجدت أن هناك ثلاثة شروط للقصاص من القاتل عمدًا وهى: 1- أن يكون، القاتل عاقلا بالغًا مختارًا، فلا قصاص على القاتل المجنون أو الصبى الصغير أو المكره، لأن هؤلاء لا يصدر عنهم القتل عمدًا وعلى الصغير أو المجنون الدية. 2- أن يكون المقتول ممن لا يحل دمه، فإن كان ممن يحل دمه كالمرتد والزانى المحصن وغيرهما فلا قصاص على القاتل. 3- ألا يكون القاتل أصلا للمقتول؛ لأنه لا قصاص على الوالد إن قتل ابنه لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "ولا يقتل بالولد" الترمذى. أما القاتل المتعمد فبشره الله تعالى باللعنات فى الدنيا والعذاب الأليم فى الآخرة: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" (النساء: 93).