ما لبثت العاصفة التي أحدثها كتاب د. ثروت الخرباوى " سر المعبد " أن تهدأ قليلاً حتى هبت رياح آخري حمراء بكتاب آخر صدر لعضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين تحت عنوان " جنة الإخوان .. رحلة الخروج من الجماعة " .. الكتاب يقع في مائتي صفحة ويتحدث فيه مؤلفه سامح فايز عن رحلة انضمامه للجماعة المحظورة سلفاً كاشفاً عن خبايا وجوانب لم يتسنى بالطبع لأمثالنا من غير الأعضاء بها أن يطلع عليها ، حيث كل الأسرار كامنة في قلوب وصدور من اختصوا بالأمر وصاروا قريبين من مركز صناعة القرار أو المنتمين الدائرين في فلك المرشد وأصحابه . هؤلاء هم من استطاعوا الإحاطة بالتفاصيل الدقيقة لبرنامج الإخوان السياسي وحياتهم الشخصية ومنهم الدكتور الخرباوي ، وهو نفسه الذي كتب مقدمة الكتاب لفايز فمنحه قدراً من الأهمية وأضفي عليه مسحة من الصدق قبل أن يتأكد الصدق ذاته لصاحب الرؤية والرواية من واقع ما حكي واسترسل عبر صفحات نضحت بالغرابة والمأساة في كثير من المواضع لكونها جافت المنطق وخرجت عن سياق المعقول ، فالطبيعي أن لا يستسلم المحب العاشق الدرويش تماماً ويتماهى في ذات غيره بشكل يسلبه عقله وماهيته ويجعله تابعاً ذليلاً لشخص أو جماعة مهما كان الوعد أو الوعيد !
الإشكالية الأكثر غرابة هي تلك الصراعات والمتناقضات التي تدور داخلياً ويعاني منها الشباب المأسور خلف الأسلاك الشائكة للتنظيم السري ومع ذلك يستمرون في الطاعة ويصبحون رهن الإشارات بغية دخولهم الجنة علي اعتبار أن عصيان الجماعة والقيادات عصيان لله وهو نذير شؤم وسبب لنزول اللعنات علي العبد العاصي الخارج عن السرب ، المتمرد علي دين جماعته .. ، حيث الدمج بين الدين الإسلامي السمح المقر بالإتفاق والإختلاف وأهواء الآخرين ممن يتزعمون المشهد بكل ملامحه السياسية والدينية جاء قسرياً وعلي غير الحقيقة للترغيب حيناً والترهيب أحياناً من باب الإحتواء وإحكام القبضة وهي ممارسات دلل عليها سامح فايز في كتابه بأمثلة كثيرة ، فهو من وضع ضمن الفهرس العنوانين التاليين .. " دين الإخوان " ص19 ، ثم " مرة أخري دين الإخوان " ص63 وفي كل مرة يذكر حيثيات وأمارات لأحكامه وسردياته ووقائعه .
وفي الحقيقة أن الكاتب الذي ظل منتمياً لجماعه الإخوان المسلمين سنوات وتربي في كنف أقطابها لم يشأ أن يسيء لأي ممن علموه وروضوه وإن غلبه شعور بوطأة التجربة وقسوتها ، إلا أنه حرص تمام الحرص علي أن يكون تعليل انشقاقه عن الجماعة بعيداً عن التجريح والملامة وكيل الإتهامات ، وظل محافظاً علي شعرة معاوية في علاقته بها فلم يتعرض لأشياء شخصية ولكنه أعمل نقده وصب جام غضبه علي الجاهلية التي تدفع الناس للإنقياد عمياناً وراء المجهول بقلوب استجابت ببراءة لنداءات الخير وعقول تعطلت بسذاجة عن التفكير ، فما كانت غير النتيجة الحتمية لمن يسلم قلبه وعقله لغيره فيتحول إلي دمية في يد تبطش وتربت وتمسك بالعصا والمسبحة في آن ، فهي تختار الساعة واللحظة وتقرر المصائر نيابة عن وكلائها لدي الله !
يقول سامح فايز ما معناه إن هؤلاء بيدهم مفاتيح الجنة والنار فهم يفتون بالخير والشر والضلال والهدى ويتحزبون ويحشدون ويأمرون بالقتال وينهون عنه ، ويؤيدون الخروج علي الحاكم في موضع ويرفضونه في موضع آخر ، ليس لأسباب شرعية وإنما وفق مواءمات وحسابات يراعونها بدقة .. يقبلون الآخر مضطرين ولهم في الثقافة والفكر والأدب قولان ، الأولوية في القراءة للقرآن الكريم والآحاديث النبوية وكتب السيرة والتفاسير ، أما دون ذلك من أدب معاصر ودراسات فهو مضيعة للوقت وانسياق وراء الأهواء والغواية الشيطانية ، وبالطبع ليس للفنون من مسرح وموسيقي وسينما وفن تشكيلي محلاً للإعراب في قاموسهم الثقافي المقصور تعريفه علي ما ذكرنا وفقط !
يستخدم الكاتب سامح فايز المُنشق عن جماعة الإخوان المسلمين أسلوب الإجتزاء في كثير من العبارات للتدليل علي الإستثناءات وعدم وجود قاعدة ثابتة جديرة بالإحتكام في قوانين الجماعة فهم متغيرون في معاييرهم ولا يكيلون بمكيال واحد .. ما ينسبونه للدين في أغلب الأحيان هو منسوب لهم فأنت إن كنت في معيتهم وطوع يدهم فأنت في معية الله وملتزم بطاعته ، أما إذا جادلت وناقشت وتمسكت بالمنطق فلا خير فيك لأنك تعصي الله ورسوله وتخرج علي الجمع وتشبه العلمانيين في مبادئهم وسلوكهم ، حيث الجدل شريعتهم وسبيلهم إلي الباطل !!
صفحات وسطور إمتلأت بمواقف وطرائف مضحكات مبكيات في كتاب صاحب التجربة الثرية سامح فايز " جنة الإخوان " نكتفي منه بهذا القدر حرصاً علي عقل القاريء العزيز ، علماً بأن ما ذكرناه لا يعدو كونه ملامح وإشارات للحقيقة أو بعض ظلالها .
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أالقائمين عليه