تشهد مصر حالة من الارتباك والتوتر منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتتوالى الأحداث يوماً بعد يوم، ويزداد المشهد السياسي تعقيداً، خاصة في ظل تصاعد حدة التوتر بين جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة. فبعد أزمة الاستفتاء على الدستور ورفض المعارضة له في بداية الأمر، أعيد السيناريو من جديد منذ الإعلان عن الانتخابات البرلمانية القادمة، وأعلنت المعارضة عن عدم مشاركتها في تلك الانتخابات لعدم تحقيق مطالبها، فهل ستصر المعارضة على موقفها أم سيتغير وستكتمل الحلقة الأخيرة في مسلسل بناء الدولة المصرية؟
أسباب متعددة: تعددت الأسباب التي أدت إلى إعلان جبهة الإنقاذ مقاطعتها بين أسباب رئيسية وأخرى ثانوية، وتمثلت الأسباب الجوهرية المعلنة في عدم استجابة السلطة لمطالب جبهة الإنقاذ الوطنى وتتمثل هذه المطالب وفقاً لما صرحه سامح عاشور- نقيب المحامين والقيادي بجبهة الإنقاذ - في تشكيل حكومة محايدة لإدارة شئون البلاد أثناء هذه الانتخابات وإجراء حوار يؤكد استقلال القضاء وتمكين المجلس الأعلى للقضاء من اختيار نائب عام جديد، فضلاً عن تشكيل لجنة قانونية محايدة لمراجعة الدستور، وتقنين أوضاع جماعة الإخوان المسلمين.
ونظراً للتخوف من التزوير في الانتخابات أعلنت جبهة الإنقاذ عدم مشاركتها في ظل الحكومة الحالية التي ستشرف على الانتخابات، حيث يتواجد ضمن أعضائها عدد لابأس به من الوزراء التابعين لحزب الحرية والعدالة مثل وزارة الشباب ووزارة التنمية المحلية.
أما الأسباب الثانوية تتمثل في عمق العداء تجاه الإسلاميين الحاكمين على حد وصف البعض، واستمرار عدم ثقة المعارضة في العملية السياسية الوليدة، ويهدف قرار المقاطعة إلى عدم إعطاء شرعية للنظام الحالي والتهديد بمستقبل البرلمان القادم .
كما يردد البعض بأن سبب المقاطعة يرجع إلى رغبة جبهة الإنقاذ في إرباك المشهد السياسي الحالي رغبة ًفي بناء دستور جديد ومن بعدها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وقد يرجع عدم استعداد جبهة الإنقاذ لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة وراء صدور هذا القرار وخاصة بعد طلب عدد من قيادتها إلى ضرورة تأجيل الانتخابات – في وقت سابق - مراعاة للحالة السياسية التي تمر بها البلاد.
ولذلك تقوم الجبهة بخطة شعبية وتدشين حملات لجمع توقيعات إلكترونية وأخرى مباشرة في كل المحافظات لمقاطعة الانتخابات وتفعيل حركة الناس في الشارع، إضافة إلى تنظيم سلسلة من المؤتمرات الجماهيرية للجبهة، واستبدال وسائل الدعاية الانتخابية لدعوة الناخبين للمقاطعة. احتمالات العدول: وتتداول الآراء حول وجود عدة احتمالات قد تدفع جبهة الإنقاذ بالعدول عن قرارها، من بينها موافقة رئيس الجمهورية على مطالب الجبهة منفذاً شروطها أو بعض شروطها مما يدفعها للمشاركة، ولكن يبدو هذا الاحتمال صعب المنال خاصة في ظل الشروط التي تطالب بها الجبهة كإقالة النائب العام الذي صرح الرئيس بأنها ليست ضمن اختصاصاته.
ولكن من الممكن أن تستجيب الرئاسة لبعض الشروط كإقالة عدد من الوزراء ذات الصلة بإدارة الانتخابات البرلمانية، وأيضاً الاتفاق على وضع لجنة لتعديل بعض مواد الدستور فى مقابل موافقة الجبهة على هذه الإجراءات.
ويتمثل الاحتمال الثاني في مشاركة أحزاب الجبهة في الانتخابات البرلمانية القادمة دون تنفيذ قرار مقاطعتهم سعياً للحصول على مكاسب سياسية في البرلمان القادم وحرصاً على عدم إتاحة الفرصة للإسلاميين لتصدر المشهد السياسي، خاصة في ظل تضارب الأقوال حول موافقة بعض الكوادر على المشاركة في الانتخابات وعدم اقتناعها بقرار المقاطعة وإصرارها على مواجهة الإخوان المسلمين.
أما الاحتمال الثالث ينطوي في ضغط الإدارة الأمريكية على فرفاء السياسة في مصر للتوافق والاستجابة لهذا المطلب بعدما صدرت تصريحات أمريكية تحث فيها قوى المعارضة على المشاركة في الانتخابات، وتأتي هذه التصريحات في ضوء الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الجديد جون كيري لمصر.
بيد أن هذا الاحتمال قد يكون ضعيفاً للغاية فليس من الذكاء السياسي للمعارضة أن تستجيب للضغط الخارجي حتى لا تفقد مصداقيتها أمام الرأي العام المصري .
ويتمثل الاحتمال الأخير في عدول الجبهة عن موقفها وخوض الانتخابات، خاصة في ظل احتوائها على عدد كبير من الأحزاب التي تختلف في التوجهات والتصورات.
الجدير بالذكر أنه في وقت سابق أعلنت الجبهة مقاطعتها للاستفتاء على الدستور، ولكن سرعان ما تغير موقفها وأعلنت مشاركتها في الاستفتاء والتصويت بالرفض له.
وبالتالي يتوقع البعض أن تتراجع المعارضة عن قرارها وأن تسعى لتحالفات كبيرة ترجح كفتها في الانتخابات القادمة، ففي السياسة كل شيء وارد، فمع تغير الظروف يمكن أن تتغير المواقف .
ويعد الاحتمالان الأول والأخير الأقرب للتحقق، ومن خلالهما يمكن أن تحل الأزمة السياسية الحالية وأن تتم العملية الانتخابية بسلام.
تبعات القرار: ولكن في حالة استمرار قرار المقاطعة الذي أعلنته جبهة الإنقاذ، سيشهد الوضع عواقب كبيرة على ملف التقدم السياسي والاقتصادي معاً .
فقد يزيد القرار من احتمال عدم الاستقرار في المستقبل وتدمير مصداقية الديمقراطية الوليدة في البلاد، كما يدفع البلاد إلى جولة جديدة من الفوضى السياسية يزيد معها تدهور الوضع الاقتصادي، فضلاً عن احتمال سيطرة الإسلاميين على المجلس التشريعي المقبل خاصة في ظل سعى عدد من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إجراء تحالفات انتخابية فيما بينها، مثل حزب الراية تحت التأسيس، وحزب البناء والتنمية، والوطن، والإصلاح، والفضيلة، والشعب، وفي حالة فوز الإسلاميين سيستمر الوضع التشكيكى في العملية السياسية برمتها.
كما أن إعلان المقاطعة قد يدفع بعدم إتمام عملية الانتخابات من الأساس، مما يهدد اكتمال مشهد بناء الدولة المصرية، وقد يرجعنا إلى تكرار سيناريو برلمان 2010، وهو ما يهدد بالعودة إلى البداية واحتمال وجود ثورة أخرى أو على الأقل مشاهد دموية لا يتمناها المحبون لهذا الوطن. *باحث بمركز البحوث والدراسات