اعتذر الفنان الكبير نور الشريف أمس عن حضور مائدة الحوار "ماذا يفعل السجن بالفنان؟!!"، التي كان من المقرر أن يتحدث فيها على هامش معرض الفنان محسن شعلان المقام حاليا في مركز "الجزيرة" للفنون بعنوان "القط الأسود.. رحلة سجن"، مع الفنان الكبير د. مصطفى الرزاز. استعرض الفنان محسن شعلان تفاصيل سجنه، وكيف أثر على إبداعه الفني وكان خلاصه من الإحساس بالظلم والقهر، ملقيا الضوء على الأحداث التي أثرت به قبل وبعد دخوله السجن بسبب أشهر قضية شغلت الرأي العام قبل ثورة 25 يناير، وهي سرقة لوحة "زهرة الخشخاش" للفنان فان جوخ من متحف "محمد محمود خليل وحرمه". وبدأ شعلان حديثه ولأول مرة بالإشادة بدور مديرة مكتبه الأستاذة أماني يوسف، والتي كانت تهرب له أوراقا لم يستطيع الحصول عليها من مكتبه أثناء التحفظ عليه أثناء التحقيق في القضية، وكانت تلك الأوراق سببا في إيضاح الأمور أثناء التحقيق لصالح الفنان شعلان، الذي قال أن أماني كانت تعرض نفسها لبطش النظام البائد بإخفاء الأوراق التي تقدمها له كي تفيده في القضية. كما أشاد بالمحامي سمير صبري الذي استطاع أن يثير القضية إعلاميا. مؤكدا أن أول يومين في الحجز كانا الأسوأ؛ لأنه قضاهما في قسم "الدقي" الذي يأتي إليه يوميا أشخاصا جدد منهم السكارى والمتشاجرين وغيرهم؛ ولذلك اعتبر السجن أهون عليه، وبالرغم من ذلك كان يرسم في الزنزانة ولم ينم كباقي المحجوزين. مشيرا إلى أن أبنه أحمد صاحب فكرة الرسم في الزنزانة؛ حيث استطاع أن يوثق المشهد الذي يعيشه كنوع من إدانة اللحظة، محاولا قراءة ذاته في هذا الوقت. وقال للجمهور الذي احتشد لسماعه في قاعة المؤتمرات بالمركز التي امتلأت على غير العادة: "تأملت الحيطان بشغبطاتها ورسومها التي عبر من خلالها أشخاص غير متخصصين عن حالهم، تأكيدا على أهمية الفن في حياة الإنسان، واعتراف بأن الفن أهم وسيلة تعبير عند البشر، وكانت هذه الفترة تسعة عشر يوما، ثم ترحلت إلى سجن "طره" بسبب مقال نشرته بعنوان "حديث البلاوي"، وتحدثت عن ذلك وقتها الإعلامية منى الشاذلي، وأصبح من الصعب وقتها الكتابة للصحف؛ فكان هذا حافزا كي أكتب كتابا كاملا عن قصتي أعمل حاليا على مراجعته كي ينشر". واصل شعلان حديثه: "حكم علي بثلاث سنوات كحكم بدائي وخرجت من السجن للاستئناف بعد شهرين، فرسمت عشر لوحات زيتية، وقامت بعدها الثورة ورسمت ثلاث أعمال عنها، اللوحة الأولى تمثل رجلا يجلس على كرسي مرشوق بالأرض يخرج منه نباتات. ورسمت في اللوحة الثانية رجل ثائر أصيبت عينه. وفي اللوحة الثالثة رسمت طبق طعام يحوي شوكة وسكينة. بعد ذلك دخلت السجن في مرحلة النقد عام ونصف وهم الأصعب؛ لأن انتظار الحكم بالسجن أصعب من السجن نفسه، وكنت أثق وقتها أنهم يريدون سجني". وأكد شعلان أنه تمت معاقبته في هذه القضية منفردا بالسجن، على الرغم من إدانة الكثيرين في هذه القضية، كمسئولي المتاحف الذين لم يعاقبوا!!. وتساءل: "هل كنت مكلف بحامية لوحة؟! ومن سيحمي باقي المتاحف إذا؟!!. منددا بعهد الوزراء في تلك الفترة، التي وصفها بأنه ومثله كانوا البديل لحمايتهم من السجن، بخلاف تلك الفترة التي نعيشها وأصبح فيها الوزير رجلا عاديا يقوم بوظيفته و"يشد من الجاكت". موضحا أنه كان رئيسا ناجحا لقطاع الفنون التشكيلية، وقدم أفكارا جديدة لإيمانه بالتغيير، وكان جزاءه السجن!!، لكنه اكتشف أن هذا السجن كان منحة استمتع بخوضها؛ معللا ذلك بأن الفنان يبحث أحيانا على مثير يحفزه على الإبداع، وسلب الحرية شيء مختلف يؤثر بالكاد على المبدعين. كيف كان السجن؟ وقام شعلان خلال الندوة بوصف زنزانته للجمهور، وقال أنها كانت عبارة عن صحن كبير، يعلوه قضبان حديدية بها فتحة مستطيلة يظهر من خلالها السماء، تستفزهم العصافير بنزولهم من هذه الفتحة كيفما يشاءون لالتقاط الطعام، ثم يخرجون منها بحرية. وكانت تلك الفترة التي يقضوها في هذا الصحن تشعرهم بالفراغ الكبير حيث كانوا يدخلونها في السابعة صباحا، ويخرجون منها في الخامسة مساءا؛ مما دفع شعلان لتعلم لعب "الدومينو" من أيمن أباظة. أما عن القط الأسود فقال شعلان أنه اختاره كتيمة لمعرضه دون أن يشعر؛ حيث حمله الشر والفال السيئ؛ حيث أنه عندما دخل إلى السجن وجد قط أسود ينظر إليه فانتبه لهذا جيدا، وبعد ذلك أصبح القط ثلاثة قطط سوداء، واعتبر أن هذه مفارقة غريبة لأنه لم يجد قط واحد ملون وأكد له ذلك مأمور السجن!!. وكان هذا القط يتبعه في سجنه وكأنه يد خفيه تسير بجانبه في مساره، فأصبح هو الرمز الذي تناوله في معرضه. وواصل شعلان حكايته بأنه بعد شهرين من الحبس أراد إقامة معرض لكن المحامي منعه لأنه اعتبر أعماله مستفزة؛ فحزن لأنه لا يستطيع إطلاق فنه ولا صوته. ودخل السجن بعد ذلك ورسم باقي لوحات المعرض الملونة. وفي افتتاح هذا المعرض شعر بأنه تم تعويضه عن الفترة التي عاشها في السجن بوجود حشد من الفنانين بجانبه. واعتبر شعلان أن اختياره القيام بالعمل العام طوال حياته خطأ، وهذا على الرغم من رضائه عما أنجزه في مشواره. موضحا أنه ضل الطريق لأنه خلق في الأساس من أجل الإبداع، مستشهدا بما كان يرسمه قبل دخوله السجل من أشخاص مختنقين برابطة عنقهم وهذا رمز لتقييد الوظيفة. وأنهى شعلان حديثه بجملة: "غبي من يريد سجن فنان لقهره؛ لأنه يقوم بسن قلم لا قصفه".