الإسلاميون بشتى فصائلهم وعلى تفاوت بينهم كانوا هم أصحاب النصيب الأوفر من قمع النظام البائد وكانت الشرطة هي اليد الباطشة في مواجهتتهم فقد اعتقل أكثر من خمسين ألف من الإسلاميين لفترات طويلة يصل بعضها إلى العشرين عاما ومتوسطها عشرة أعوام كانوا فيها بمعزل عن العالم الخارجي وحرموا فيها من ابسط الحقوق فلم يتمكن الطلاب من أداء امتحاناتهم ولم يسمح لهم بزيارة اسرهم حتى أن احد المعتقلين والذي ترك ابنه رضيعا حينما اعتقل وبعد انقضاء ثمانية أعوام كانت المرة الأولى التي يرى فيها ابنه فإذا بابنه يناديه ويقول له (ازيك ياعمو) فلم يتمالك الأب نفسه من شدة البكاء . وقد مات منهم المئات فى المعتقلات نتيجة التعذيب من جانب والإهمال وعدم وجود أى رعاية صحية من جانب آخر وقد صدرت ضد العشرات منهم أحكاما جائرة بالإعدام من المحاكم الإستثنائية وتم تنفيذها وأيضا قد تم تصفية قرابة الثلاثة آلاف من أعضاء الجماعة الإسلامية بالزراعات بدم بارد حيث كان يلقى القبض عليهم من منازلهم ثم تصطحبهم قوات الأمن إلى المزارع وتقوم بقتلهم وتدعي أنهم إرهابيون كانوا يحملون السلاح وأنه تم قتلهم فى معركة بين الطرفين .
وليت الأمر قد توقف عند ذلك بل إن يد الأذى قد امتدت إلى اهاليهم فقد كانت قوات الشرطة تداهم منازلهم بصورة مستمرة فتروع الأطفال والنساء بل وتعتقلهم في الكثير من الأحيان وأسوق هذه القصة للتدليل على ما كانت تقترفه الشرطة من جرائم تتنافي مع أبسط حقوق الإنسانية فى حق أسر الإسلاميين حتى الأطفال الرضع منهم.
فقد ذهبت قوات الشرطة للقبض على أحد المطلوبين في قضية اغتيال اللواء الشيمى بمركز أبو تيج ولم يكن موجودا بالمنزل فتم القاء القبض على كل الموجودين بالمنزل واصطحابهم إلى قسم الشرطة وكان من بينهم والدته والتي كانت تحمل على ذراعيها توأم لها لم يكملا عامهما الأول ومع تكدس غرفة الحجز بالعشرات من المقبوض عليهم وعدم وجود منافذ للتهوية .
وكان ذلك فى شهور الصيف الملتهبة لم يحتمل الرضيعان هذا الجو فأصيبا بالاختناق وظلت الأم تصرخ وتستغيث وتتوسل ومن بالحجز جميعا يرجون الضابط أن يخرج الأم وطفليها لا لتذهب إلى بيتها ولكن لتجلس أمام باب الحجز فى الهواء رحمة بالأطفال الرضع ولكنه لم يستجب حتى لفظ احدهما أنفاسه ومات على ذراع أمه وأمام من في الحجز جميعا ومازال شهود هذه الواقعة أحياء يرزقون ولو أردت أن أسرد الوقائع والقصص لما كفتنى صفحات وصفحات ولكن هذا لمجرد التدليل والتذكير بما لقيه الإسلاميون ومالحق بهم من ضرر وأذى يفوق الحد والوصف.
وكان المتصور من الجميع أن يكون الإسلاميون هم أول يسعى للإنتقام من الشرطة والفتك بأفرادها عند قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير ولكن ماحدث هو العكس تماما حيث كون الإسلاميون دروعا بشرية لحماية اقسام الشرطة وحتى مباني جهاز أمن الدولة التي كانوا يعذبون فيها ومات فيها من مات منهم تحت وطأة التعذيب.
ويتكرر المشهد اليوم مع ماتتعرض له الشرطة من هجوم حاد وعنيف واستعمال للعنف ضد أفرادها ومنشأتها من القوى التى تدعي الثورية والتي تسعى إلى إيجاد وخلق الثارات بينها وبين الشرطة لتبرر بها ماتقوم به من تخريب وعدوان على أجهزة وأفراد الأمن فإذا بالإسلاميين وهم أصحاب الثارات الحقيقة مع الشرطة يكونون هم المدافعون عن حق أفرادها في الدفاع عن أنفسهم طبقا للقانون ضد عدوان وتجاوز البلطجية والخارجين عن القانون
وقد أثار هذا الموقف من أبناء التيار الإسلامي استغراب وتعجب الكثيرين وقد ترجم ذلك في صورة .
سؤال طرح على عشرات المرات لماذا تدافعون عن الشرطة وأنتم أكثر من أوذى منها ومازلتم تعانون من آثار بطشها وفتكها بكم حتى اليوم وستظلون تعانون منه طوال عمركم ؟
وللإجابة على هذا التساؤل لابد من إيضاح عدة نقاط على غاية من الأهمية ليفهم من يهاجمون الإسلاميين بسبب هذا الموقف طبيعة الأمر بالنسبة لنا وكيف نزن ونقيم الأمور وأهم هذه النقاط هو مايلي:
أولا :أننا حين خرجنا للعمل والدعوة للإسلام وللوقوف في وجه النظام البائد والجهر بقولة الحق ومحاولة دفع الظلم عن أنفسنا وعن شعبنا الكريم قد فعلنا ذلك ابتغاء لمرضاة الله تعالى وقد عقدنا عزمنا على أن نحتسب كل مانلقاه في هذا الطريق عند الله عز وجل أيا كان هذا الذى سنلقاه حتى ولو كان هو التضحية بأرواحنا وأموالنا وأهلينا .
ثانيا :أننا حينما نتخذ موقفا فإنما نتخذه للدفاع عما نعتقد أنه الحق والصواب فليس لدينا مواقف مسبقة ضد أحد لمجرد إنتمائه الدينى أو الفكرى أو السياسى والحق الذى نراه هو أن القانون يجب أن يطبق على الجميع على حد سواء فأفراد الشرطة هم مواطنون مصريون يقومون بواجبهم فى حفظ الأمن وحمايته وفق القانون فمن تجاوز منهم وتعدى حدود عمله وجب محاسبته على ما ارتكبه وفق القواعد القانوية المنظمة لذلك أما من كان منهم قائما بوظيفته في حماية أمن الوطن والمواطنين دون تجاوز فلا مجال لمساءلته بل يجب مساءلة ومحاسبة من يقومون بالإعتداء والتعدى عليه وعلى منشآت الدولة و الممتلكات العامة والخاصة فنحن نسعى لإقامة دولة القانون التي يكون المواطنون فيها جميعا على قدم المساواة.
ثالثا : أننا نلتزم بمنهج الإسلام العظيم ألا تزر وازرة وزر أخرى فالشرطة كغيرها من أجهزة الدولة فيها المخلصون الشرفاء وفيها الفاسدون المجرمون فلا يصح ولا يجوز شرعا ولا قانونا ولا عرفا أن يؤخذ البرئ بذنب المسئ وأن يعمم العقاب على الجميع بسبب خطأ او حتي جريمة بعضهم فالمجرم هو الذي يعاقب على جريمته وحتى فى هذه الحالة فإنه لابد أن يتم ذلك وفق القانون والنظام وليس بالبلطجة والعدوان .
رابعا :أن الجريمة التي تقع إنما تقع من أفراد يجب محاسبتهم ومعاقبتهم أما المنشآت فإنها لم ترتكب جرما ولم تقترف ذنبا فمن يحاول أن يتعدى على منشآت الدولة التي هى ملك للشعب في الأساس هو مجرم يعتدى على حقوق الأخرين فقد يترتب على احراقه للمنشأة ضياع حقوق على أصحابها وإفلات مجرمين بجرائمهم بسبب ضياع الادلة ولا يبرر له ذلك أنه قد وقع عليه ظلم فالخطأ لا يبرر الخطأ فالقانون يعطيه حقه الذى له ويأخذ منه الحق الذي عليه وإلا فسوف تسود شريعة الغاب .
خامسا :أننا وإن كان قد وقع علينا الظلم وأننا أصحاب حق ولكننا قد تربينا وتعلمنا من ديننا أن نعلى المصلحة العامة على المصلحة الخاصة فمصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد ومصلحة الوطن مقدمة على مصلحة الجماعة فإن كان سعينا لأخذ حقوقنا وتحقيق مصالحنا سوف يؤثر بالسلب على مصلحة مصر وعلى مصالح الشعب المصرى فلتكن مصلحة مصر أولا ولا ضير في أن نؤخر مصالحنا الخاصة أو نضعها تحت أقدامنا إن اقتضى الأمر فمصلحة الوطن أولا.
فنحن إذ نتكلم اليوم عن حق أفراد الشرطة فى الدفاع عن أنفسهم وعن منشآت الدولة ومؤسساتها وفق القانون أمام الهجمة المنظمة على أمن واستقرار مصر إنما ندافع عن وطننا وعن شعبنا وعن حق واضح كفلته الشريعة الاسلامية والقوانين الدولية فنحن مع الحق والعدل أينما كان وضد الظلم والعدوان اينما كان وممن كان فنحن ندافع عن الحق وننحاز للشرعيه ونعلى ونقدم المصلحة الوطنية .
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه