اختلف المشهد السياسى تماماً بعد 24 شهراً من اندلاع ثورة يناير 2011 والأطاحة بالرئيس السابق .. الاختلاف لا يرجع إلى أن فصيلاً من المعارضة لمبارك " الأخوان" وصلوا للحكم وتحول من قاموا بالثورة إلى "كومبارس " ولكن التباين يكمن فى أن الفريقين "التيار الأسلامى والشباب" هجروا وحدتهم وتماسكهم وانصهارهم فى بوتقة واحدة بالثورة الأولى ، وأنحي كل فريق باللائمة على الأخر فى مسئوليته عن الدماء التى تسيل الأن انهاراً والحرائق والعنف والبلطجة والسرقات واقتحام السجون فى صورة أشد عنفاً مما جرى فى الثورة الأولى ...
الفارق الثانى أن الرئيس السابق وأركان حكمه ووزير داخليته صدرت ضددهم أحكام بالسجن لمسئوليتهم عن قتل الثوار وأشياء أخرى ، بينما د.مرسى وجماعته وميلشيات الأخوان لم يمسهم أحد بسوء مع أنهم مسئولون بنفس درجة النظام الديكتاتورى لمبارك – وربما أكثر – عن مصرع الثوار بمعدل فاق كثيراً معدلات الثورة الأولى ...
الثورة الأصلية فى 2011 وحدت الأسلاميين والثوار ضد الديكتاتور ونظامه الأمنى وبلطجيته .. الأن الثائرون فى القاهرة والأسكندرية والسويس وبور سعيد والأسماعلية وجوههم غير ملتحيه، وعقولهم غير متأسلمه، وقلوبهم غاضبة على شعارهم الذى سقط " عيش، حرية ، عدالة إجتماعية " ....
فى 2011 سارع الثوار إلى تنظيف ميدان التحرير وعلاج المرضى وزرع الأشجار وتنظيف القرى ..وبعد عامين رفض نفس الشباب الدعوة التى أطلقها الأخوان لزرع مليون شجرة وعلاج مليون مريض وتعمير الف قرية .. الثوار رأوا فيها مزايدة مفضوحة من نظام مستنسخ من الحزب الوطنى خاصة ً وأن الأسلاميين يواجهون أختباراً قاسياً بعد ثلاثة أشهر فى الانتخابات البرلمانية .. وهكذا الأخوان يكثرون من الوعود قبل أى أنتخابات ..
الشباب الأن خائف من التيارات السلفية والأسلامية التى نزعت "قناع" مواجهة الديكتاتور فى "الثورة الأم" لترتدى نفس "القناع" الأن للدفاع عن سلطة قفزوا إليها وساروا بها إلى المجهول برعاية سائق لم يقود دراجة فى حياته ونصبوه مسئولاً عن "قطار النهضة" ..
الشباب لا يمكنهم نسيان منظر الميلشيات المسلحة "الملتحية" وهى تفتك بهم أمام الأتحادية حماية للرئيس وفى التحرير حماية للدستور وتحاصر المحكمة الدستورية تأييداً لقرارات د. مرسى "الألهيه" .. ونفس الحرس الأخوانى هو بطل معركة العباسية ضد الجيش والأعتداء على حزب الوفد ومحاصرة قسم الدقى ، كل هذا والنظام الأسلامى لم يزل وليداً يحبو بعد سته أشهر فماذا سيفعل فينا بعد سته أعوام .؟.
لم يقدم الأخوان أياً من أتباعهم للمحاكمة – بأستناء حارس خيرت الشاطر لحيازه سلاح غير مرخص- بتهمه سفك دماء المصريين ولم نسمع عن إجراءات أتخذت للقبض على ميلشيات الاتحادية أو مدينة الأنتاج الأعلامى او الفرقة "95 إخوان" المتهمة فى موقعة الجمل والتى أشار إليها تقرير لجنة تقصى الحقائق الثانية التى شكلها الإخوان ! .
وهكذا قسمت دماء الضحايا الساخنة المصريين بين من يرون أن حقوق الشهداء ضاعت لغياب العدالة وبين من يعتقدون أنهم ليسوا مسئولين عنها وأنما المعارضة العميلة الليبرالية الكافرة ..
ومن ثم وئدت الحرية تحت شعار "بما لا يخالف شرع الله " وكانت غلطة الأخوان الكبرى أنهم حفروا "خندقاً عميقاً" بين المصرى الأخوانى الطيب .. والمصرى الشرير الذى يخالف شرع الله ! ..
ونتيجة لهذا الأنقسام هناك شعور عام لدى المصريين منذ الاطاحة بمبارك وهو أن شيئاً لم يتغير فى القرارات الاستثنائية .. وإذا كان صحيحاً أن د.مرسى بحكم مسئولياته أضطر لأتخاذ وسائل قانونية لمنع تفاقم العنف وسقوط ضحايا جدد ، فانه مسئول أيضاً –كبقية المواطنيين- عن تقديم نموذج صالح يحترم مؤسسات الدولة ولا يتجاوزها ..
أن هيبه الرئيس – ومن ثم الدولة – لا يصح أن تكون عرضه للتراجع كل حين إما لتوقيت خاطئ أو خطاب مهتز أو حسابات غير دقيقة للأزمة ..
لذا كانت دعوة الرئيس مرسى لمواطنيه باحترام القانون وعدم التعدى على المؤسسات دعوة باهته من رجل لم يحترم القانون أبداً .. وأعلن حالة الطوارئ بالمخالفة للدستور الذى طرحه وينص علي عدم فرض الطواري إلا بعد موافقة أغلبية البرلمان، بل وخالف كل تعهداته وتصريحاته قبل وبعد أنتخابه وحنث بوعوده .. طبعاً والحال كهذا لا يمكن أن تجف دماء الشهداء بخطاب فيه تهديد ووعيد أو ببيان رئاسة الجمهورية الذى لحقه بعد 48 ساعة بإعلان تراجع تدريجى عن كل ما جاء فى خطاب 27 يناير بما فى ذلك تشكيل لجان لتغيير الدستور ورفع حظر التجول بعد مراجعة الأحوال الامنية .. ألم يكن من الأجدى اللجوء لهذا المنحى من البداية؟ .. وللأسف فان تراجع الرئاسة جاء كالعادة فى توقيت خاطئ وأخشى أن تتصاعد مطالب المعترضين ويزداد ضغط الشارع مع التباطؤ فى إعادة حق الشهداء والقصاص لهم ..
وفى الواقع فان الدماء التى سالت أوضحت أن أهل الحكم فى مصر فى واد ، والناس فى واد أخر .. القضية الرئيسية أن مؤسسة الرئاسة ما زالت تعتقد أن "صندوق الأنتخابات " أهم" من توابيت الجنازات " .. البقاء فى السلطة له الأولوية على وقف نزيف الدم .. من ثم فأن شرعية الأنتخابات سقطت أمام حرمة الدم وجلال الموت اللذين يتضاءل أمامهما أى شئ حتى لو كان الرئيس منتخباً وحزبه يملك الاغلبية .. الناس تموت والرئاسة تدرس أقتراحاً للكتاتنى بإعادة تنظيم قانون الأنتخابات !! الشهداء فى خط القناة يتساقطون ويزيدون عن أربعين بينما عصام العريان القيادى الأخوانى ينعى أثنين من مجاهدى "حماس" أستشهدوا فى مواجهات مع إسرائيل رثاهم بحرقه لأنهم فرع العشيرة فى "غزة " !! وطبعاً زاد هذا من احتقان مدن السويس وبور سعيد والإسماعيلية .
تخوين المعارضة والفلول والأعلام لن ينقذ رقبة النظام أو يهدئ الشارع .. الحل الوحيد الأعتراف بالأخطاء بدلاً من إلقاء التهم جزافاً ..
مؤسسة الرئاسة تعتقد أن هناك مؤامرة للاطاحة بالرئيس أو أن غياب قانون لتنظيم التظاهر هو الذى دفع الناس للمسيرات والعنف والأحتجاج .. وفات على الجهابذة أن يسألوا أنفسهم ما الذى دفع المصريين للعنف ؟ أليس الغضب واليأس ! أن الدعوة للحوار الوطنى حتى وأن خلصت النوايا جاءت متأخرة لأن الشارع يتحرك أسرع من الأخوان ومن جبهة الأنقاذ الوطنى.
الأخوان مسئولون عن إطلاق وعود لم تنفذ وتخبط فى قرارات ثم التراجع عنها وتحصين الرئيس ضد المساءلة والمحاكمة والطعن على قراراته .. الادهى أن المصريين شعروا أن دمهم رخيص من سيناء حتى أسيوط والبدرشين .. فمثلاً لم تطلب الرئاسة من "حماس" تسليم الأربعة متهمين فى تنظيم الجهاد الذين خططوا لقتل 16 جندياً من حرس الحدود المصريين فى رمضان الماضى وكانت أسماؤهم مع الجثث السبعة للمهاجميين الذين قتلتهم إسرائيل وسلمتهم لنا .. ولم تحاكم الرئاسة ميلشيات الأخوان الذين قتلوا الشباب وعذبوهم وضربوهم فى أحداث الأتحادية ! لقد كانت أخطر أخطاء النظام أنه وضع الشرطة مرة أخرى فى مواجهة مع الشعب فسالت دماء الجانبين ، بعد ان كاد الامن يستعيد ثقة الناس فيه ..
بل أن المصيبة أن الشرطة أنقسمت على نفسها وطرد ضباط الأمن المركزى "وزيرهم" اللواء محمد إبراهيم من جنازة زميلهم الشهيد فى سابقة لم تحدث من قبل ! البعض يقول ان هذا مخطط إخوانى لحرق الشرطة تمهيداً لإلغائها وإنشاء حرس ثورى مثل حماس وإيران يحمى مكتسبات الشعب ! مع إننا نعرف ماذا فعل الحرس الثورى الإيرانى فى موسوى ورافسنجانى معارضى نجاد فى إنتخابات 2009 ، وماذا فعلت مليشيات "حماس" فى قتل من ينشق عنهم حتى لو كان معتصماً بمسجد ! .
وفى النهاية أقول أن المصريين أسقطوا رئيساً أعتقدوا أنه ديكتاتور وكان مسلحاً بأقوى جهاز قمعى وحزب له الأغلبية ، و د.مرسى يمكنه تجنب هذا المصير بالأبتعاد عن توجيهات المرشد ونصائح الأخوان الذين أثبتت التجارب أنهم مع أستمرار سفك الدماء سيورطونه فى حرب أهلية أو تقسيم مصر كالعراق والسودان ، ويضعيون إنجازه الأكبر وهو أنه "أول رئيس منتخب " منذ 7 ألاف عام !!
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه