"الطغيان" .."الاستبداد" .. مصطلحات ترددت كثيراً في الآونة الأخيرة على جماعة الاخوان المسلمون وأسلوب اللا مبالاه الذي يتبعونه، مما يجري أمامهم من اعتصامات واحتجاجات، ومن واقع اخواني لا يسمع ولا يرى إلا ما يحلو له وما يرى فيه مصلحته. فمع كل صباح تبدأ الأقلام العربية والمصرية في الكتابات، فهناك من ينادي بالعودة للحوار، ومن يشجب الاخوان، وهناك من يرى أننا أما كيان ديكتاتوري مستبد.
ولكن وسط كل ذلك فالاخوان لا يسمعون والرئيس لن يتراجع، وفي نفس الوقت الأقلام لن تتوقف، فمازالت تواصل تحليل الموقف من جهة، وتوجيه رسائل للرئيس من جهة ثانية.
أين المصداقية؟
وفي مقال لشرح مشكلة الاخوان وما ممكن أن يصلوا إليه بطريقتهم هذه، قال الكاتب عثمان ميرغني تحت عنوان "الإخوان والدستور والطغيان" بجريدة "الشرق الأوسط": "مشكلة الإخوان أنهم فقدوا مصداقيتهم أمام قسم كبير من المصريين في ظرف أشهر معدودة بسبب مناوراتهم، وعدم التزامهم بالعهود، وإظهارهم نزعة للتسلط وفرض رؤاهم بالتحايل أو بالترهيب".
وفي توضيح لأسباب الأزمة المصرية الحالية قال الميرغني: "فأزمة الإعلان الدستوري الأخير ليست إلا فصلا من كتاب خطه الإخوان بأيديهم منذ ثورة يناير /كانون الثاني، كشفوا من خلاله ميلهم إلى الطغيان، وخسروا الكثير بسبب عدم التزامهم بما وعدوا به منذ وعدهم الشهير بعدم الترشح للرئاسة أو كلامهم عن عدم الرغبة في السيطرة على البرلمان أو الجمعية التأسيسية لوضع مسودة الدستور، وتأكيداتهم بأن يأتي مشروع هذا الدستور بالتوافق والتراضي بين مختلف مكونات الشعب وفئاته.
وأضاف الكاتب: "الأخطر من ذلك أنه بعد كل الصراع الذي فجروه بسبب مشروع الدستور، يتضح لمن يقرأ هذا المشروع أنهم لا يلتزمون في الواقع بمبادئه، وينتهكون بتصرفاتهم روحه ونصوصه التي أشرفوا على صياغتها من خلال هيمنتهم على الجمعية التأسيسية التي أعدته".
انتهاكات روح الدستور
وفي عرض موجز لما قام به الاخوان من انتهاك لروح الدستور الجديد، قال الكاتب: "فأول المبادئ التي ينص عليها مشروع الدستور في ديباجته تؤكد على أن "السيادة للشعب، صاحب الحق الوحيد في تأسيس السلطات، التي تستمد شرعيتها منه، وتخضع لإرادته، وتلتزم حدود اختصاصاتها ومسئولياتها الدستورية"، تصرفات الإخوان عصفت بهذا المبدأ في رفضهم للاستماع إلى صوت المحتجين في الميادين وخارجها، واعتراضات المنسحبين من الجمعية التأسيسية، وإصرارهم على فرض رؤيتهم وإرادتهم بعرض مشروع الدستور على الاستفتاء على الرغم من الاعتراضات والاحتجاجات ومظاهر الانقسامات التي باتت تهدد مصر وتماسكها واستقرارها، أما عن الالتزام بحدود الاختصاصات والمسئوليات الدستورية، فإن مرسي لم يلتزم حدود اختصاصاته ومسؤولياته التي حددها الإعلان الدستوري الصادر في مارس / آذار 2011 الذي أجازه الشعب في استفتاء عام، فذلك الإعلان الذي على أساسه أدى مرسي القسم حدد سلطات رئيس الجمهورية وصلاحياته في الفترة الانتقالية، ولم يكن من بينها سلطة التشريع أو إصدار إعلانات دستورية، ناهيك عن إعلان يعطي الرئيس عصمة، ويمنح قراراته حصانة، ويضع بين يديه سلطات وصلاحيات مطلقة".
وأضاف ميرغني قائلا: "والانتهاكات لروح مسودة الدستور الجديد لا تتوقف عند مقدمته، بل تستمر في بنود ومواد أخرى، خذ على سبيل المثال المبدأ الخامس في مبادئ الوثيقة والذي ينص على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، تضمن حرية الفرد، ومشروعية السلطة، وخضوع الدولة وغيرها من الأشخاص للقانون، والتزامها باستقلال القضاء، وألا يعلو أي صوت على صوت قوة الحق، ليبقى القضاء المصري شامخا صاحب رسالة سامية في حماية الدستور، وإقامة موازين العدالة، وصون الحقوق والحريات"، فهل التزم الإخوان فعلا منذ وصولهم إلى السلطة باستقلال القضاء، أو سمحوا له بأن يكون الحامي للدستور، وقدموا دليلا على أنهم يلتزمون أحكام القانون إذا كانت هذه الأحكام لا تتماشى مع رغباتهم وأهوائهم؟ التأمل في مسار الأحداث يثبت أن الإخوان عملوا جاهدين على تقويض سلطة القضاء، وحاولوا جاهدين التحايل على أحكامه وفرض رؤيتهم عليه. اتضح ذلك في محاولة مرسي نقض قرار المحكمة الدستورية وإعادة البرلمان في يوليو / تموز الماضي، ثم في محاولته الأولى الفاشلة لعزل النائب العام التي أدت إلى مواجهة مع القضاء اضطر معها الرئيس للتراجع مؤقتا، ثم نفذ القرار مع الإعلان الدستوري الذي فجر الأزمة الحالية".
واسترسل الكاتب في مقاله الاخطاء التي تم الوقوع فيها عقب الاعلان الدستوري، والانتهاء السريع من مسودة الدستور.
وفي ختام مقاله قال :"مشروع الدستور يحتوي على لغة فضفاضة في بعض المواد تفتح الباب أمام التأويلات، وتثير المخاوف، لكنه فيما يتعلق بالقضاء يقدم شعارات لا تتطابق مع واقع الممارسات، وما يتردد من شعارات في مظاهرات الإخوان، وهو أمر مثير للقلق، لأن استقلال القضاء واحترامه يفترض أن يكونا من أهم ركائز الحكم وضماناته في الفصل بين السلطات".
ووضع في الختام تساؤلا هاما إنما يكون هو سبب تواصل الاعتصام بميدان التحرير حتى الآن فقال: "السؤال هو: إذا كان الإخوان لا يلتزمون بمشروع الدستور الذي صاغوه، ويتحايلون على بعض نصوصه أو يحاولون بها هدم مبدأ الفصل بين السلطات، فكيف يريدون من المصريين قبوله وتأييده، بل كيف يأملون أن تعرف مصر هدوءا أو استقرارا؟".
آلية كلاسيكية وفي عرض آخر للآلية التي يستخدمها الاخوان في إدارة البلاد، كان للكاتب عبدالله اسكندررؤية خاصة عرضها في عموده بجريدة "الحياة" اللندنية، تحت عنوان "آلية كلاسيكية لحكم استبدادي"، حيث قال في بداية مقاله: "لا يفضي الجدل التقني الذي نسمعه ونقرأه في شأن الأزمة بين جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، عبر قرارات الرئيس محمد مرسي، وبين السلطة القضائية المتمسكة باستقلالها عن السلطة التنفيذية، إلى جوهر المشكلة الحالية، إذ تتيح الظروف والنصوص كل أشكال التفسيرات، بما يضيّع هذا الجوهر".
وحول الوسائل الإخوانية التي يستخدمونها قال إسكندر: "يستخدم الرئيس المصري، ومعه أنصاره الإسلاميون، صيغة أولوية "حماية الثورة" من أجل تبرير قراراته وإجراءاته، وفي هذا المفهوم المطاط والقابل لكل أنواع الاجتهادات، يمرر كل ما يمكن أن يخدم الإسلاميين في الحكم، بدءاً من النصوص الدستورية والقانونية وصولاً إلى إبعاد المسئولين "المعادين" في مفاصل الحكم.
"ماكينة إخوانية" وأوضح الكاتب قائلا: "أي أن ماكينة "الإخوان"، وبدعم من السلفيين الذين لا يملكون سوى الوقوف خلف الجماعة، وضعت نصب عينيها المصلحة السياسية الحزبية منذ اليوم الأول لحركة الاحتجاج على النظام السابق، واعتمدت تكتيكات تحالف وشراكة مع القوى الأخرى، بحسب ما يخدم هذه المصلحة، فتارة تحالف "الإخوان" مع القوى المدنية المحتشدة في الميادين عندما كانت تريد الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وطوراً كانت تدعم هذا المجلس عندما كانت شعارات القوى المدنية تتجاوز المصلحة "الإخوانية"".
وأضاف الكاتب: "تميزت هذه الماكينة بالتقلب والتلون، بحسب المصلحة "الإخوانية" فحسب، من دون أن تأخذ في الاعتبار كيفية تأسيس نظام جديد يلبي طموحات جميع المصريين، بمن فيهم الذين كانوا وقود الثورة من قوى وشخصيات في المجتمع المدني".
واكد الكاتب في مقاله: "الماكينة الإخوانية تعتمد خطاً متصاعداً في سعيها إلى الاستئثار بالحكم وتسخيره في خدمة استراتيجيتها من جهة، والتصدي للقوى المجتمعية الأخرى عبر الأدوات الدستورية وإنهاء دورها في المعارضة".
وفي تفسير واقعي للكاتب، قال: "ولأن المشروع لا يزال في بدايته ويلقى صدى ومعارضة لا تزال قادرة على التحرك في الشارع، فهو يحتاج إلى قوى مضادة تسير في الشارع أيضاً، وليس مثل تنظيم حديدي مثل "الإخوان" يستطيع أن يجيش الأعضاء والأنصار ودفعهم إلى الشارع من أجل مواجهة القوى المعارضة، لتتحول تظاهرات شعبية إخوانية إلى رديف لمساعي السيطرة على الحكم، لا بل نوع من ميليشيا تتصدى لمعارضي "الإخوان" في الشارع، ما دامت الجماعة غير قادرة حتى الآن على استخدام أدوات الحكم في هذه المهمة".
واختتم الكاتب مقاله مؤكداً: "هكذا، يعمد "الإخوان"، تحت شعار حماية الثورة، إلى الزحف على الحكم من الداخل شيئاً فشيئاً، وذلك عبر أساليب ملتوية ومضللة للقوى المدنية، مقرونة بشعبوية تنحو أكثر فأكثر نحو العنف".
وأضاف: "هذه الآلية التي يستخدمها "الإخوان" في مصر هي آلية كلاسيكية اعتمدتها قبلهم حركات استبدادية في سعيها إلى الحكم المطلق، وتجربة "الإخوان" في مصر تعيد إلى الأذهان تجارب كثيرة من أشهرها تجربة النازيين في ألمانيا والفاشيين في إيطاليا، والخمينيين في العصر الحديث، وهذا هو جوهر المشكلة في مصر حالياً".
الجيش بثكناته ووسط هذه الأزمة وذلك الصراع، كان لبعض المصريين رغبة في عودة الجيش مرة أخرى إلى الشارع، وحول هذه الرغبة ، توقف الكاتب المصري عماد الدين أديب، عند الجيش ومعاناته في المرحلة الانتقالية، فتحت عنوان "الجيش في مصر" بجريدة "الشرق اللندنية توقف الكاتب وعرض وفسر شعور الجيش بعد خروجه من ثكناته.
فبدأ أديب مقاله قائلا: "من يراهن على انقلاب عسكري في مصر الآن لا يفهم حقيقة العناصر الحاكمة للجيش المصري اليوم".
وأضاف: "هذا الجيش عاش منذ أن أسسه محمد علي باشا الكبير جيشا محترفا له تاريخ وطني، منذ عهد الفراعنة يقتصر دوره بالدرجة الأولى على حماية البلاد والعباد من العدو الخارجي".
وفي عرض لتاريخ الجيش قال أديب: "كان تاريخ الجيش هو تاريخ الولاء للشرعية، إلا في حالتين في التاريخ المعاصر، الأولى حينما ثار على الملك فاروق وأجبره على التخلي عن الحكم لصالح ابنه الوليد - حينئذ - الأمير أحمد فؤاد، والثانية حينما طلب المجلس الأعلى للقوات المسلحة من قائده الأعلى ورئيس الجمهورية - حينئذ - الرئيس حسني مبارك التخلي عن السلطة لصالح المؤسسة العسكرية".
وأكد الكاتب: "في الحالتين خرج الجيش عن قسم الولاء للحاكم من أجل "قسم أكبر وأهم وهو الولاء للوطن" - على حد وصف أحد كبار المؤرخين العسكريين المعاصرين".
ولفت الكاتب قائلا: "اليوم قرر جيش مصر من خلال قيادته الالتزام بمجموعة من المبادئ الحاكمة يمكن إجمالها على النحو التالي:
1 إن الجيش مؤسسة مملوكة للشعب ولاؤها الأول والأخير للشعب.
2 إن المظلة التي تحرك أي موقف من مواقف المؤسسة العسكرية هي الشرعية القانونية.
3 إن الجيش لا يسعى إلى الخروج كما سبق من ثكناته لأن تلك كانت تجربة مكلفة للغاية على طاقة وسمعة ونفسية جنوده وضباطه.
وما زال الجيش يشعر "بالجرح الإنساني" لأن البعض لم يقدر له حجم العطاء الذي أعطاه للوطن، حتى جاء الزمن الذي يسمع فيه جندي وضابط الجيش المصري الحارس لأمن البلاد بأذنيه "يسقط يسقط حكم العسكر".
4 الجيش قام بأكثر من 38 مناورة عسكرية بالذخيرة الحية لكافة أسلحته على كافة الأراضي المصرية تأكيدا لإعطائه أولوية الفعل للفعل العسكري الاحترافي.
5 إن جيش مصر يرصد باهتمام ما يدور على حدوده القريبة في السودان وليبيا وغزة وهو يتابع أيضا أي تهديدات ممكنة لمضيق هرمز وحرية الملاحة في قناة السويس.
وبعد وصف دقيق لما عاشه الجيش من وجه نظر الكاتب، أضاف مؤكدأ أن الجيش المصري يتابع بدقة متناهية التحركات والتدريبات العسكرية الإيرانية ومشروعاتها التي تستهدف المنطقة.
وأختتم أديب مقاله مؤكداً: "هذا كله يؤدي إلى إدراك أن جيش مصر استفاد من تجربة الفترة الانتقالية المؤلمة بما لها وبما عليها، وهو يحاول تجنيب نفسه الدخول في صراع القوى في البلاد، لأنه يدرك أن النزول للشارع هذه المرة سيكون "بعقد ومهر جديدين"".
وكان هذا عرض لبعض مقتطفات من مقالات الكتاب العربية، حول رؤيتهم للمشهد المصري والاحتدام المطروح على الساحة السياسية.