يعد منصور رشيد الكيخيا احد أبزر معارضي الزعيم الليبي السابق معمر القذافي الذي اختفى في القاهرة سنة 1993، رمزاً لقضية المختفين قسريًا فى الوطن العربى وحول العالم، وكان قبل اختطافه من أبرز الدعاة لأهمية توفير ضمانات لحماية كافة الأشخاص من الاختفاء القسرى منذ نهاية عقد الثمانينيات. وفي الذكرى الحادية والسبعين لميلاده نظمت ليبيا حفل تأبين أمس تكريما لذكرى منصور الكيخيا احد ابزر معارضي العقيد القذافي الذي اختفى في القاهرة سنة 1993 وعثر على جثته في العاصمة الليبية في فيلا تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية للزعيم السابق منتصف تشرين الاول / كتوبر. وسيدفن الجثمان اليوم الاثنين في مسقط راس الكيخيا ببنغازي شرق ليبيا حيث سيدفن بمشاركة مسئولين من مختلف مؤسسات السلطة في ليبيا وحشد من المواطنين ومنظمات المجتمع المدني الى جانب اسرته.
الاحتفاظ بالجثة
واعلنت وزارة الخارجية الليبية في بيان ان "نظام الطغيان اختطف المعارض منصور رشيد الكيخيا، ثم قتله وأخفى جثمانه ولم يدفنه مما يدل على أنه كان يخشاه ميتا اكثر مما كان يخشاه حيا".
وقال شقيقه محمود الكيخيا :"عثرنا على جثة شقيقي منصور الذي تم اختطافه من العاصمة المصرية القاهرة في العام 1993 على أيدي أجهزة نظام القذافي، في ثلاجة بفيلا تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية في العهد السابق بطرابلس قبل حوالي شهر ونصف".
واضاف محمود ان "تحليل الحمض النووي (دي. إن. إيه) اثبت ان الجثة التي تم العثور عليها تتطابق مع اشقاء وابناء منصور الكيخيا".
واختفى منصور الكيخيا في القاهرة سنة 1993 واتهمت اجهزة الاستخبارت الليبية بخطفه كما اتهم النظام المصري بالتورط في ذلك. لكن اختفاء المعارض ظل لغزا لقلة الادلة.
وقال محمد المفتي صهر منصور الكيخيا الذي شارك في التعرف على جثته :"تعرفت عليه من الوهلة الأولى على الرغم من ان طول فترة وجود جثمانه بالثلاجة غيرت ملامح وجهه وتفاصيلها إلا أن طوله وقامته وتجاعيد جمجمته أرجعت إلي صورة منصور على الفور".
وأضاف المفتي وهو جراح ومؤرخ ترشح لتولي رئاسة الحكومة الانتقالية "على ما يبدو أن الوفاة طبيعية كون أن منصور دخل مريضا للسجن ووضع في زنزانة صغيرة ولم يكن قادرا على تحمله على مدى أربع سنوات خاصة وأن نظره ضعيف وإن كانت هناك شكوك بقتله بطريقة ما من قبل النظام المنهار".
لكن محمود الكيخيا استبعد فرضية الوفاة الطبيعية وذلك "لوجود طعنة في صدر منصور" مؤكدا انه ينتظر تقريرا شرعيا جديدا لتوضيح ظروف الوفاة.
وأشار المفتي إلى أنه زار الزنزانة التي وضع بها منصور قائلا :"إنه وضع في تلك الزنزانة الصغيرة الحاوية على مرحاض بداخلها، بمنطقة المربعات بأطراف مزرعة القذافي في طريق المطار في مبنى يسع ل12 زنزانة فقط خصصت على ما يبدو لأكثر الشخصيات أهمية في تلك الفترة".
واكد المفتي ان "معلومات أدلى بها عبدالله السنوسي" قائد الاستخبارات السابق في عهد القذافي والذي تعتقله السلطات الجديدة حاليا، أفادت بأن "مشعوذي القذافي طلبوا منه عدم دفن الجثة كي لا يلاقي نفس المصير".
تحقيق أهدافه
وشارك في حفل التأبين الذي نظمته أمس وزارة الخارجية الليبية محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام وأعضاء المؤتمر بالإضافة إلى علي زيدان، رئيس الحكومة الانتقالية وأعضائها، ومحمد فائق رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ووزير الإعلام المصري الأسبق، وممثلين عن عدد من منظمات ومؤسسات المجتمع المدني.
وأكد المقريف رئيس المؤتمر الوطني أن الكيخيا، الذي وصفته السلطات الليبية بأنه مناضل وشهيد، تصدى لنظام القذافي المنهار وسخر حياته من أجل خدمة وطنه، لافتا إلى أن روح الكيخيا التي ترفرف حولنا ستكون أكثر سعادة وغبطة عندما ترانا أوفياء للقيم والمبادئ السامية التي ناضل من أجلها. واستهل حفل التأبين بالوقوف دقيقة صمت وقراءة سورة الفاتحة ترحما على روح الكيخيا، كما تم عرض فيلم وثائقي عن مسيرة حياته والمراحل النضالية له ضد نظام القذافي.
من جهته، أشاد رئيس الوزراء الليبي الدكتور علي زيدان بالمواقف الإنسانية للكيخيا، وبأدائه المتميز خلال فترة عمله كسياسي وحقوقي ليبي دافع عن قضايا الحرية وحقوق الإنسان في بلاده على مدى ربع قرن من الزمان. وقال زيدان: "نلتقي اليوم هنا في طرابلس وقد تحقق لمنصور ما كان يصبو إليه، فقد انطلقت في السابع عشر من فبراير / شباط الثورة الليبية من ميدان المحكمة قريبا من مرابع طفولته لتعم ليبيا وليتحقق هذا اليوم الذي نعيش فيه".
قضية لن تموت
وفي الوقت نفسه أكد بعض أعضاء عائلة الكيخيا ومن بينهم شقيقه محمود لصحيفة "الشرق الأوسط" عبر الهاتف أن العائلة بصدد ملاحقة من أقدموا على التورط في خطف منصور ثم قتله على ما يبدو في العاصمة الليبية بعد احتجازه لسنوات.
وقال محمود :"هذه قضية لن تموت، صحيح أننا دفنا رفات أخي لكننا أيضا سنواصل العمل لكشف كل الملابسات التي أحاطت باختفائه ومقتله ولن نتهاون في الحصول على الحقيقة الكاملة". وأوضح أن عائلة الكيخيا بصدد القيام بزيارة وشيكة للقاهرة لمتابعة ملف القضية وإجراء اتصالات مع السلطات المصرية في هذا الإطار.
معارض محنك
ومنصور الكيخيا هو سياسي ومعارض ليبي محنك لنظام القذافي مواليد بنغازي - اختفى في القاهرة سنة 1993 تم خطفه وتسليمه لنظام القذافي - كان رجل قانون مميز كان المدافع عن حقوق السجناء في بداية السبعينات - كما كان يعمل بوزارة الخارجية أثناء فترة حكم القذافي وكان يمارس عمله باستقلالية تامة ويحتفظ بآرائه في أغلب القضايا .
وبعد إعلانه معارضته لنظام القذافي رفض التعاون مع أحد لكي يحتفظ باستقلالية الرأي الوطني لديه حيث قال :"إنّ صراعنا مع النّظام في ليبيا يجب ألاّ يدفعنا إلى التّحالف مع أي جهات مشبوهة ” - فشارك في تأسيس المنظّمة العربيّة لحقوق الإنسان، ومنظّمة التّضامن اللّيبيّة ، وهذه المنظّمات وخصوصا المنظّمة العربية لحقوق الإنسان العربيّة ساهمت في تطوير الوعي الحقوقي للشّعب العربي التي أفرزت ظواهر إيجابيّة على المدى البعيد والقريب.
كما كانت فاجعة حرب تشاد لها أثر كبير في وجدانه و خصوصا بعد استغلال بعض الجهات لهؤلاء الجنود لا لخدمة الوطن بل لخدمة أغراض شخصية فقال بصوت مدر "قضيّة تشاد خطيرة جدّا .. والأخوة الذين ذهبوا إلى هناك وقعوا في خطأ فادح ، ومفروض أن نتضامن مع بلدنا لا أن نتّخذ موقفا يشكّك بحقوقنا".
ومن أقواله :"إذا كنّا حقا نؤمن بالديمقراطيّة الحقيقيّة فيجب أن نكون ديمقراطيين فيما بيننا في الخارج.. لأننا لا نستطيع أن نبني الدّيمقراطيّة في البلد بأشخاص غير ديمقراطيين". وكانت لمنصور ثوابت نابعة من تراث الأمة وحضارتها لا يحيد عنها، وسياسات قابلة للنّقاش والتغييّر .
مناصب دبلوماسية وتدرج في مناصب رسمية مهمة في السلك الدبلوماسي، وعيّن في منصب الممثل الدائم لليبيا في الأممالمتحدة بين أعوام 1975 و1980، ثم استقال بعد ذلك وانضم إلى صفوف المعارضة الليبية.
وأعلن استقالته ومعارضته لنظام القذافي احتجاجا على سياسات التصفية الجسدية، التي يمارسها النظام الليبي آنذاك عبر اللجان الثورية، إضافة إلى احتجاجه على مقتل زملائه من قيادات البعث.
وانتخب منصور الكيخيا أمينا عاما للتحالف الوطني الليبي المعارض الذي أسسه عام 1986، وأرسى قواعد للحوار الديمقراطي للمعارضة الوطنية، ودعاها إلى تنسيق جهودها وتقسيم الأدوار فيما بينها لمواجهة النظام.
كما قاد برنامج عمل أزعج النظام الذي تخوف من الدور الفاعل للكيخيا ونتائجه محليا وعربيا ودوليا، واختفى في ظروف غامضة أثناء مشاركته في اجتماع مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1993.
وقد عمل الكيخيا في بنغازي سفيرا في باريس والجزائر ثم عين مندوب ليبيا في الأممالمتحدة سنة 1965.
وعينه القذافي وزيرا للخارجية سنة 1972 وبعد ثماني سنوات عاد إلى مهامه في الاممالمتحدة وانشق عن القذافي وانضم إلى المعارضة للدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان. وترأس منصور المعارضة الليبية في الخارج في قمة عنفوان نظام القذافي، ورفض كل الإغراءات والتهديدات التي تعرض لها للقبول بالتعاون مع نظام القذافي أو التصالح معه.
وشن القذافي خلال عقد التسعينات حملة تصفية طالت الكثير من معارضيه في الدول العربية والغربية، وكان يصف هؤلاء بأنهم "كلاب ضالة". مواد متعلقة: 1. السنوسي يعترف بقتل وزير الخارجية الليبى الأسبق منصور الكيخيا 2. المصرية لحقوق الإنسان تطالب بالتحقيق فى مقتل المعارض الليبي منصور الكيخيا 3. شقيق الكيخيا: تعرفنا على جثة أخي بعد 19 عاما من اختفائه