بعد الثورة و انكسار حاجز الخوف ، اختلفت نظرة المواطن للشرطة بعد عهد مرير من الأهانة و القهر ، و ألغى شعار " الشرطة و الشعب فى خدمة الوطن " ليعود الشعار القديم " الشرطة فى خدمة الشعب " و هو ما لم يتم تحقيقه حتى الآن ، و من أجل إصلاح تلك العلاقة فكان يجب علينا العودة للتاريخ لنرصد مسار العلاقة و الخلل الحادث فيها . حمل كتاب " إغراء السلطة المطلقة .. مسار العنف فى علاقة الشرطة بالمواطن عبر التاريخ " رسالة جيدة توضح لنا ذلك؛ فهو رسالة ماجستير لبسمة عبد العزيز التى فازت بجائزة أحمد بهاء الدين للباحثين الشباب 2009 م ، و التى تتبع مسار العنف فى العلاقة لنجد أن فصول القمع تتوالى باستمرار لتشتد فى فترة و تقل فى فترة و لكنها دائما حاضرة .
ففى عهد مصر الفرعونية و فى عصر الأسرة الخامسة انتشرت تعاليم تحتمس الثالث و منها " لا تتخذ من الشعب عبيدا " و " اعلم أن هيبة الأمير فى أن يكون عادلا ، أما اذا عمل على أن يكون مصدر خوف دائم ، فإن الناس يعتقدون إنه ظالم " و كان يتميز عهده بالأمن و الرخاء .
و ننتقل لعهد رمسيس الثالث الملئ بالاضطرابات و الضعف الاقتصادى مما أدى لقيام العمال باضرابات و اعتصامات ، فذهب إليهم رئيس الشرطة للاستماع لشكواهم و أوصلها للملك ووقف بجانبهم حتى قبضوا رواتبهم المتأخرة ، و تكرر موقف الشرطة المساند و لم يستخدم العنف بحجة حفظ الأمن و الاستقرار .
و تغير الأمر فى العصور اللاحقة فنجد فى عصر البطالمة ،حدوث تداخل بين و ظيفة الجيش و الشرطة مما أحدث ارتباكا فان المحارب الذى صار شرطيا يتعامل مع المواطنين بحكم وظيفته الأولى على أنهم الأعداء الذى يجب حماية الوطن منهم !!!
أما فى العصر الرومانى فكان دور جهاز الشرطة مهمش لصالح الفرق العسكرية التى قمعت الثورات المصرية المتتالية كثورة طيبة .
و بوصولنا للعصر المملوكى نجد أن الطابع القمعى زاد خاصة فى تحصيل الضرائب و الخراج من المواطنين و ظهرت و ظيفة " المشاعلية " قاطعى الرقاب و عقوبة " التوسيط " و هو قطع الجسم لنصفين .
و ظل الأمر يزداد سوءا فى الدولة الأموية ازداد توحش الشرطة و بدءوا فى استخدام التعذيب فى جمع الضرائب و ضد الخصوم ، و كانوا ينظمون صفوف الصلاة بالسوط .
و بدأ استخدام التعذيب مع المواطنين للإعتراف بالجرائم فى العصر العباسى و أصبحت الشرطة " فرق المرتزقة حينها " جزء أساسى من صراعات السلطة .
لم تختلف الأمور كثيرا فى ظل الاحتلال الفرنسى و البريطانى فالفرنسيين مارسوا جميع أنواع التعذيب ضد المصريين ، أما عن العهد البريطانى فسنجد أن المواطن عندما يتعامل مع ظابط شرطة أو يدخل قسم كان يضرب على " قفاه " و هذة عادة حافظ عليها الظباط بشدة حتى ثورة 25 يناير ، مما جعل المواطن من وقتها يرتعب من من يرتدون الزى الرسمى للشرطة و يفر من المكان الذى يوجدون فيه . و فى فترة ثورة 1919 كانت تعاقب الشرطة الناس بشكل جماعى ليتنازلوا عن قناعتهم السياسية و فى عهد وزارة زيوار باشا أصدر منشور يبيح للشرطى أن يستوقف أى شخص و يفتشه ويسوقه للقسم ، فكان دور الشرطة الأساسى الحفاظ على السلطة القائمة . و كانت تتم حملات تأديبية للفلاحين لصالح الاقطاعيين ، و من أبرز التظاهرات مظاهرة تهتف " جعانين" اعتقل منهم حوالى 150 شخص ، وانشئ البوليس السياسى فى عهد الاحتلال. أما عن الشرطة بعد عهد عبد الناصر فتوقفت أعمال العنف ضد الفلاحين فى جمع الضرائب و ألغى البوليس السياسى ، و لكن مع ذلك شهدت فترته اعتقالات كثيرة " زوار نص الليل " لمعارضى الثورة و استخدم ضدهم التعذيب و العنف الشديد ، و لكن زال الخوف من التعامل مع الشرطى فى غير مواقف الاتهام . و من أبرز الحوادث فى عهد عبد الناصر عام 1968 اطلاق النيران على الطلبة لفض تظاهرهم ضد نتائج محاكمة قادة سلاح الطيران فى نكسة 67 ، و سياسة القتل و الإنكار بدأت فى الحقيقة من ذلك الوقت حيث أشاد وزير الداخلية بدور الشرطة و قال انه وقعت اصابات فى صفوف الشرطة لا المتظاهرين .كما حدثت حملة واسعة لتطهير جهاز الشرطة فى إطار مقاومة الفساد و الرشوة . و عن عهد السادات شهد تراجع فى استخدام العنف ضد الخصوم السياسيين و أستخدامها ضد المواطن العادى ، ففى منتصف السبعنيات ظهرت بعض حوادث تعذيب مواطنين عاديين متهمين بجنح أو قضية جنائية و كانوا يعذبوا حتى قتل بعضهم داخل الاسوار . و ظلت الأمور على هذا المنوال عندما تتصاعد موجة العنف يقوم المواطن المسالم ليحتج و يهاجم السلطة . و فى الثمانينات شهدت موجة كبيرة من الإعتقالات السياسية ، أدت لاغتيال السادات . أما عن عهد مبارك فزادت حالات التعذيب حتى أصبح رمز الشرطى القهر و البطش و عاد المواطنين لخوفهم من التعامل مع رجال الشرطة و الأقسام الذى يستقبل فيها المواطنين العاديين كالمجرمين " بالقفا " ، حتى تسربت عدة حالات تعذيب داخل أقسام الشرطة على اليوتيوب و المدونات " الإعلام الجديد " ، و من حوادث التعذيب البارزة حادثة " خالد سعيد " الذى كان من الأسباب الرئيسية فى قيام الثورة و رفع شعار الكرامة و سقط شهدائنا بعد استخدام الشرطة العنف معهم كما تعودوا و بعد انسحاب الشرطة و الإنفلات الامنى و سقوط المخلوع ، ظل المهمة الأساسية لتدخل قوات الأمن المركزى و الشرطة العسكرية هى فض المعتصمين و ظهرت لديهم وسيلة جديدة هى " فقع العيون " و " السحل فى الشارع " .