تعيش الحدود "السورية التركية" حاليا حالة من التوتر ربما تؤدي إلى انفجار حرب بين البلدين إذا لم يتم احتوائها بسرعة، ويأتي ذلك بعد ما سقطت أمس قذائف من الجانب السوري باتجاه قرية "اكجاكالي" التركية ، مما اسفر عن مقتل خمسة أتراك جميعهم من أسرة واحدة، الأمر الذي دفع برئيس الوزارء التركي رجب طيب اردوغان إلى الاجتماع مع كبار مستشاريه لبحث الأزمة ودراسة كيفية الرد، كما طالبت حكومته "حلف الناتو" بالرد على هذا العدوان السوري على حد وصفها.
وبدأ النظام السوري ينتقل من خطط الدفاع إلى خطط الهجوم في تعاطيه مع الأنظمة التي تريد إسقاطه وخاصة تركيا، بعد أن تأكد من دعم الروس والصينيين والإيرانيين المطلق، وتردد "حلف الناتو" في التدخل عسكريا لصالح المعارضة المسلحة على غرار ما حدث في ليبيا.
ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أذكى من أن ينجر إلى حرب مع سورية، ويقع في المصيدة التي نصبتها له دمشق بعناية فائقة، لأنه يدرك جيدا انه وحزبه سيكونان الخاسر الأكبر ومن ورائهما الشعب التركي، وبما يؤدي إلى نسف انجازاته الاقتصادية التي أدت إلى فوزه في الانتخابات أكثر من مرة، وتربعه على سدة الحكم لأكثر من عشر سنوات.
الأتراك لم يردوا على إسقاط طائرة استطلاع لهم في المياه الإقليمية السورية في يونيو/حزيران الماضي وبلعوا الأهانة لأنهم يعرفون جيدا الأهداف التي تريد سورية تحقيقها من وراء هذا العمل غير المسبوق، أي جرهم إلى الحرب، ومن المرجح إنهم، ورغم صراخهم السياسي العالي تجاه مقتل خمسة من أبنائهم سيتعاملون مع هذا الاستفزاز المتعمد مثل تعاملهم مع حادثة إسقاط طائرتهم ومقتل طياريها.
حرب أهلية
ويختلف توصيف ما يجري في سورية بين قائل إن البلاد تشهد ثورة شعبية انتقلت إلى حمل السلاح منذ مطلع الصيف الماضي، بسبب القوة المفرطة التي استخدمها النظام في قمع المحتجين السلميين المطالبين بالتغيير، وبين رواية عن مؤامرة كونية معدة مسبقا لإسقاط النظام نظرا لدوره في دعم المقاومة.
ويرى كثيرون أن الأوضاع في سورية تحولت إلى حرب أهلية بمكونات طائفية، فيما يرى آخرون أن الجيش والقوات النظامية تحارب عصابات إرهابية مسلحة، وأن الانتصار حتمي طال الأمد أم قصر.
الحقائق على الأرض تعطي لكل طرف أساسا للبناء عليه، فعدد الضحايا تجاوز 30 ألف قتيل، يقابلهم حسب المتعارف عليه نحو 300 ألف جريح.
وأعداد المعتقلين تقدرها المعارضة بعشرات الألوف، والمفقودون في ازدياد مضطرد مع دخول عصابات هدفها طلب الفدية على خط الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة، وتحجم القوات السورية في الأشهر الأخيرة عند كشف الخسائر في صفوف ضباط الجيش والأمن إلا في حالة تعرض المراكز الأمنية لتفجيرات انتحارية.
وفي الريف الشمالي من سورية تزداد أعداد الجهاديين العرب والأجانب، حسب تقارير دولية موثوقة، ويدخل هؤلاء من تركيا ولبنان وبصورة أقل من العراق والأردن، وتزداد شحنات السلاح للمجموعات المسلحة والمنشقين عن الجيش الذين لم يستطيعوا توحيد صفوفهم حتى الآن.
وتتحدث تقارير عن شحنات سلاح ترسل، ومساعدات استخباراتية للقوات التي تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد. وفي المقابل تؤكد المعارضة السورية أن مهمة القائد العسكري في حزب الله "الجهادية" علي حسين ناصيف انتهت في حمص على أيدي مجموعات من الجيش الحر، مما يثبت، حسب وجهة نظرها، تورط الحزب بمساعدة النظام عسكرياً.
وما تزال التنظيمات المعارضة المسلحة تحتجز أفرادا من حزب الله منذ أشهر، إضافة إلى 48 إيرانيا تقول إنهم من "الحرس الثوري الإيراني" فيما تؤكد الرواية الرسمية أنهم حجاج حضروا لزيارة مقام السيدة زينب، والمزارات الشيعية الأخرى في سورية.
حوت المتوسط
من يقارن بين الجيشين "التركي والسوري" من مصادر متخصصة بالتسلح ، ومنها World Fact Book الصادر سنوياً عن المخابرات الأمريكية (سي.آي.أيه) وشبيهه "جلوبال فاير باور" المعروف تقاريره باسم GFP اختصاراً، سيرى أن القتال بين البلدين سينتهي على السريع باكتساح الجيش التركي لشمال سوريا من البحر بساعات.
من سوء حظ سوريا، المالكة لجيش هو في الدرجة 35 بالعالم، أنها مجاورة لجيش تركي هو السادس قوة وبالعدد والعتاد بعد الأمريكي والروسي والصيني والهندي والبريطاني، وثاني أكبر قوة بعد الولاياتالمتحدة في حلف "الناتو"، الذي مرت العام الماضي 60 سنة على انضمامه إليه.
ولتركيا سلاح لوجستي، هو الأهم في القتال ويفوق السوري بعشرات الأضعاف، فهي قوة اقتصادية ضخمة ولها جاذبيات متنوعة، وإنتاجها القومي كان تريليون دولار العام الماضي، أي 17 مرة زيادة عن السوري البالغ 57 ملياراً، وسكانها البالغون 78 مليون نسمة هم أكثر من 3 مرات من سكان سوريا.
وأنقرة ، طبقاً لأرقام "جلوبال فاير باور" ، الذي نقلتها موقع قناة "العربية" ، هي "حوت البحر الأبيض المتوسط" بلا منافس، لأنها القوة البحرية الأكبر بين جميع الدول المطلة عليه، باستثناء فرنسا، في حين تبدو سوريا كمتخرج حديثاً من نادي تعليم على السباحة.
أما الجيش النظامي فهو في تركيا من 612 ألف جندي مع 429 ألف احتياطي، مقابل 304 آلاف نظامي و450 ألف احتياطي في سوريا التي لديها 934 طائرة، بينها 208 هليكوبترات، مقابل 1940، بينها 874 هليكوبتر في تركيا التي لجيشها البري 4.246 دبابة مقابل 4.950 في سوريا.
ولا تملك سوريا إلا 19 قطعة بحرية فقط في ترسانتها، مقابل 269 في تركيا التي لديها 8 مرافئ بحرية، مقابل 3 في سوريا. مواد متعلقة: 1. حلف الأطلسي يطلب الوقف الفوري للعدوان السوري على تركيا 2. روسيا تحث سوريا على الاعتراف بأن حادث تركيا عارض 3. "نيويورك تايمز": قصف تركيا لسوريا سيدفع الغرب للتدخل العسكري