رحل مساء أمس الفنان الكبير بدوي بدوي سعفان، الذي عشق الريف المصري وتناوله في أغلب أعماله، عن عمر يناهز الرابعة والثمانين في قريته "سمبخت". ولد الفنان سعفان يوم 18 يناير عام 1928 في قرية "سمبخت" التي عاش بها طوال فترات حياته، وأبدع فيها جميع أعماله الفنية التي أنتجها طوال مشواره الفني، والتي تزيد عن الألفي لوحة. تخرج في كلية الفنون الجميلة قسم التصوير -جامعة حلوان - عام 1959، ثم عمل في حقل التدريس لمدة ستة وعشرون عاما. كما عمل كرئيسا لقسم التصوير في الكلية النوعية بالمنصورة. وتقلد منصب وكيل نقابة الفنانين التشكيليين بالدقهلية عام 1990. وعمل كمستشارا ثقافيا لنقابة الفنانين التشكيليين. تناول سعفان الريف المصري بكل تفاصيله، وعبر عنه بصدق شديد وبمذاق فطري في أعماله، ونالت الفلاحة المصرية نصيبا وافرا من لوحاته، فنشدها في بعض الأعمال وهي تمارس عملها، تارة تحلب الجاموسة، وتارة أخرى تساعد زوجها في الحقل، وغيرها تطعم الحيوانات والطيور. كما صورها وهي تقوم بأعمالها المنزلية، ورسمها تحمل الحيوانات الأليفة وكأنهم أطفالها. وعبر سعفان أيضا عن البيت الريفي ورسمه بتفاصيله الدقيقة، فدوما ما نجد بداخله الأرانب والماعز والطيور. بالإضافة إلى تصويره للأسرة الريفية يعملون أحيانا، وأحيانا أخرى يجلسون على منضدة الطعام البسيطة "الطابلية" ليتناولوا الغذاء. ولم يكتف سعفان بتصوير الحياة المعيشية للأسرة الريفية، لكنه تناول أيضا الأغراض التي يستخدمها الفلاح وزوجته منفردة في بعض أعماله، فنجده يرسم الفأس، الحذاء، وعاء العسل، الذرة ويضعهم في تكوين جمالي ليقوم برسمه وكأنه يرسم الطبيعة الصامتة بمكونات جديدة يختارها بنفسه من الريف المصري لتوثق لتراثنا الريفي العظيم. صور أيضا سعفان الاحتفالات الشعبية في الريف، ورسم مناظر من الحقل والمزارع الريفية. كما تناول الفلاحين وهو يزرعون في بعض الأعمال. والفنان سعفان أقام ثمانية معارض خاصة من بينها معرض بمجمع الفنون بالزمالك عام 1982، معرض بأتيليه القاهرة عام 1994 و2003، ومعرض "عاشق القرية " بقاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا عام 2004. أما آخر معرض له فكان عام 2005 في قصر "الإبداع" بالإسكندرية. وشارك في العديد من المعارض المحلية والدولية، أهمها معرض كلية الفنون الجميلة في إيطاليا عام 1958، معرض أعضاء المرسم في دمشق وحلب عام 1961، "صالون القاهرة" ومعرض "الربيع" في الخمسينات. كما شارك في بينالي الإسكندرية الثاني والثالث والرابع لدول البحر المتوسط في عام 1957، 1959، و1961.
وحصل سعفان على منحة إلى مراسم "الأقصر" في عامي 1960، و1961. كما قام بعدة زيارات داخل وخارج مصر منها زيارة لأسوان ووادي حلفا عام 1961، وزيارة للعريش وأقام معرض هناك. كما سافر سوريا وأقام معرض خاص وذلك في عام 1962، وسافر إلى ليبيا أربعة سنوات (1971- 1975)، وساهم في إقامة متحف دائم على مدى الأربع سنوات في "مصراته".
وللفنان الراحل بدوي سعفان عدة مؤلفات أهمها مؤلف عن مشوار حياته، تجربة في الفن من جزئين، وقصة من واقع الريف المصري، مشوار حياة والده الشيخ بدوى سعفان وعمه مصطفى سعفان عمده سنبخت. بالإضافة إلى مؤلفات عن تاريخ الحركة الفنية التشكيلية بالدقهلية والفنانين والرواد الذين ساهموا في هذه الحركة. وله مقالات منشورة في مجلة "الخفجى" بالسعودية في مجال الفنون التشكيلية.
وللفنان مقتنيات في متحف "الفن المصري الحديث" بالأوبرا، وفي محافظة "الدقهلية"، وإدارة "المنصورة التعليمية"، ووزارة "الخارجية". وفي الفترات الأخيرة ناشد عدد كبير من الفنانين والنقاد وزارة الثقافة بضرورة إنشاء متحف يضم أعمال الفنان الراحل بدوي سعفان لأهميتها الشديدة والمحافظة عليها كتراث مصري أصيل يجب أن يشاهده الأجيال الجديدة، بالإضافة إلى أن أعماله التي تتعدى الألفي لوحة توثق للريف المصري بكل تفاصيله وبرؤية خاصة تستحق التكريم والتخليد لذكرى هذا الفنان القدير، الذي دأب العمل بجدية وأفنى حياته في توثيق لأهم مكونات البيئة المصرية وهي الريف المصري.