اتفق خبراء الاقتصاد الذين شاركوا في ندوة أمس بمعرض فيصل للكتاب والتي جاءت بعنوان "اقتصاديات الفساد" أن الفساد في مصر ممنهجاً، وكان يتم في عهد النظام السابق تحت غطاء قانوني يصعب اكتشافه حيث يتم صياغة التشريعات والقوانين لتسهل عمليات الفساد، مطالبين الحكومة المصرية والرئيس المنتخب باسترداد الأموال المنهوبة عبر طرق ونقاط محددة ذكرها المشاركون في الندوة، لافتين إلى أنه يمكن استرداد الأموال المنهوبة إذا توافرت الإرادة السياسية لفعل ذلك. في البداية تحدثت دكتورة سلوى العنتري مدير عام قطاع البحوث بالبنك الأهلي عن الفساد بقطاع البنوك قائلة أن فساد البنوك أحد أوجه الفساد الاقتصادى وينظر له على أنه أكبر أوجه الفساد المالي، لأن البنوك تتعامل مع أموال الشعب، لافتة إلى أنه لا يمكن في مصر إشهار إفلاس بنك لأن هناك قناعة لدى المودعين أن إذا حدث ذلك فسيقوم الجميع بسحب ودائعه من البنوك وسيحدث ذعر مالي عام، وتكون النتيجة التي درج عليها النظام المصرفي هي إنقاذ ذلك البنك المتعثر وتحميل خسائره الضخمة على بنك آخر مثلما حدث مع بنك مصر الذي تحمل خسائر بنك اكستريور، كذلك البنك الأهلي تحمل خسائر بنك المهندس حيث كان 98% من ديون هذا البنك قروض متعثرة، وهو تعبير دال على وجود الفساد بداخله وليس مجرد سوء إدارة، وفى النهاية الشعب هو الذى يتحمل عبء الخسائر التى تحدث من فساد البنوك.
وأرجعت العنتري السبب الأساسي لفساد البنوك إلى تزاوج رأس المال مع السلطة، الأمر الذي فجر قضايا الفساد الكبيرة في الجهاز المصرفي، حيث كان ساسة بارزون أعضاء في مجالس إدارات البنوك ولهم كلمة مسموعة في مسألة منح القروض، فمثلاً كان جمال مبارك عضواً في البنك الإفريقي ممثلاً عن البنك المركزي، وتناولت العنتري بالذكر قضية نواب القروض التي استمدت شهرتها من تداخل عدة بنوك في الأمر، وكان أصحاب القروض نواب في مجلس الشعب، لذلك سميت بقضية نواب القروض، منحت تلك القروض دون تحديد غرض للقرض، أو ودون توقيع على مستندات القرض أو معرفة برامج السداد، وكانت النتيجة الحصول على قروض دون وجه حق.
وتحدثت العنتري عن مبدأ المصالحة قائلة أن هناك مادة فى القانون تنص على إمكانية التصالح مع العميل فى حالة السداد حتى لو كان هناك حكم نهائي، وتعجبت العنتري من التصالح مع المسئول الفاسد الذي سهل ذلك للعميل وتسبب فى ضياع المال العام كيف يوقف الحكم اتجاهه.
وعن كيفية تهريب الأموال للخارج قالت أن معظم الأموال خرجت عن طريق النشاط الطبيعي للشركات، كما ان بعضها لم يدخل البلد من الأصل، وأدانت العنتري كذلك عدم خضوع البنك المركزي لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، مطالبة مجلس الشعب بالحفاظ على أموال المودعين.
تحدث الخبير الاقتصادي د. عبد الخالق فاروق عن الأموال المنهوبة فى مصر والمشكلات التى تواجه كيفية استردادها، قائلاً ان أشهر القطاعات التي اشتهرت بالفساد هي قطاعات المقاولات والمؤسسات الصحفية، والبنوك وتجراة الآثار غير المشروعة، كذلك إفساد النظام التعليمي وتدهور النظام الصحي، بالإضافة إلى عمولات وتجارة السلاح، وخصخصة الشركات وقد بيع نصف هذه الشركات بحوالى 50 مليار جنيه ووزعت بين شخصيات كبيرة، والبورصة لعبت دورا أساسيا في عمليات غسيل الأموال وهذا سنعرفه إذا تم التحقيق فيها بشكل جدى.
يواصل فاروق: نعلم يقيناً أن أول صفقة سلاح تقاضى عنها اللواء طيار محمد حسني مبارك عمولة كانت عام 1972 من صفقة الميراج الليبية، ثم بدأ في إنشاء الشركة المصرية الأمريكية لخدمات النقل مقرها أمريكا، قامت بعمليات مشروعة وغير مشروعة لنقل أسلحة لمتمردي افغانستان ونيكاراجوا، والعمولات عن ذلك ضخمة. وتابع فاروق أن جرائم الفساد فى النظام السابق كانت مغطاة بأطر قانونية من خلال قرارات الجمعيات العمومية والتربح من الوظيفة العامة ونقوم كخبراء اقتصاد بحصر هذه المؤسسات ونحاول التعرف على مدى قرب نفوذ المسئولين من النظام السابق، ونتعرف على نسبة العمولات من واقع القضايا وطرق التعامل بين الراشى والمرتشى.
وتحدث فاروق عن عمليات تهريب الأموال قائلاً أن هناك وسائل كثيرة مثل انشاء شركات خارج مصر، وإنشاء عدد كبير من الشركات لرجال الأعمال، لأن تعدد الشركات يسهل عملية غسيل الأموال ومن ثم يصعب التعقب، وكشف فاروق عن سيطرة رموز النظام السابق على الجهاز المصرفى منذ عام 2000 فقد كان كل رؤساء وقيادات الجهات المصرفية من قيادات لجنة السياسات و التابعين للنظام، وقد تمت عمليات تحويل الاموال وتهريبها على ايدى خبراء ، ومن طرق التهريب ايضا الحصول على جنسية دولة اخرى فمعظم العصابات التى تدير هذه العمليات لها جنسيات أخرى، وأخيرا استخدام عدد كبير جد امن حسابات فى بنوك كثيرة ، والخروج من المطارات الخاصة. أما عن استرداد الأموال المنهوبة قال فاروق لدينا عدة مشكلات بعضها ذات طبيعة دولية، وإقليمية فالعصابات التي كانت تدير الفساد في الداخل لهم شركاء في دول الخليح العربي ودول جنوب شرق آسيا، كذلك يتوقف الاسترداد على طبيعة النظام القانوني والقضاء الدولى وهل توجد اتفاقيات ثنائية ام لا، قائلاً أن الأموال المنهوبة تقدر ب 500 مليون دولار، ومن المشكلات التى تقابلنا أيضا في استرداد الأموال كما يقول فاروق إفساد هيئة الرقابة الادارية فهى تحتاج إلى تطهير أولا، مطالباً مجلس الشعب القادم أن يغير المنظومة التشريعية التى تساعد على الفساد وتسهله، و يجب اجراء مجموعة من الخطوات المتكاملة والمتزامنة لاسترداد لاموال مثل انشاء هيئة لمكافحة الفساد واجراء تغييرات وتطهير واسع فى الهيئات الرقابية والضغط على الحكومات الخارجية.
من جانبه تحدث خالد على عن الغطاء القانونى للفاسد، حيث حيث يتم صياغة التشريعات والقوانين لتسهل عمليات الفساد، وقيمة الثورة برأيه تتحقق حين تنجح بتحقيق التوزيع العادل للأموال ورفع الظلم والقهر الاجتماعى عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة، كذلك حين تنجح فى مكافحة الفساد، مؤكداً أن كل ما يقال الآن عن إفلاس الاقتصاد غير حقيقى.
وضرب علي أمثلة على نهب الأموال في مصر مثل أرض العياط وأرض الشركة المصرية الكويتية 11 الف فدان أخذوا بوضع اليد وسعر المتر بأربعة قروش ونصف، وأشار خالد إلى أوجه فساد أخرى وطرق لنهب اموال الشعب مثل ان ان كل جهاز به صندوق للرسوم مثل رسوم استخراج وتجديد البطاقة أو الرخصة او اى رسوم كل هذا لايدخل الدولة وانما يوضع فى الصناديق وتخرج الفلوس من هذه الصناديق لجيوب المسئولين، ولذلك يجب اخضاع هذه الصناديق لرقابة الجهاز المركزى واخيرا فالقضية المصيرية فى مصر هى قضية محاربة الفساد. من جانبه قال نادر الفرجاني مدير الندوة أن الحديث عن الفساد لا يعني الفساد المالي فقط، لأن الفساد السياسى قد يكون أشد ضرراًً، والوقاية من الفساد تقتضى تغييرا فى البنية الاساسية للبلاد ونأمل ان يكون ذلك موجودا فى الدستور والامر لا يقتصر على ذلك وانما يمتد لجوانب اخرى كالقوانين التى كانت موجودة وتؤسس للفساد، فالثورة نجحت فى اسقاط رأس النظام فقط ولكن بنيته مازالت قائمة، بالإضافة إلى النصوص القانونية والدستورية يجب أن تكون هناك مؤسسات فعالة وكفؤ لاكتشاف الفساد عندما يقع والاجهزة التى تكافح الفساد يجب ان تكون مستقلة استقلالا تاما، قائلاً أن الأموال المنهوبة من مصر كثيرة ويجب استردراها ومن يقول أن مصر فقيرة ويجب اللجوء إلى الاقتراض نجيب عليه بأنه بدلاً اللجوء إلى الاقتراض والديون علينا استرداد أموالنا المنهوبة.