تحليل:إبراهيم غالي..مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط: أخيراً أسدل الستار على أول انتخابات رئاسية مصرية تجري بعد ثورة 25 يناير، لتبدأ مرحلة العمل الحقيقي والجاد من مختلف القوى والتيارات السياسية لبناء مصر جديدة لا ترفع فقط شعارات الثورة (حرية، عيش، عدالة اجتماعية) بل تعمل بكل ما أوتي من قوة من أجل تطبيقها على أرض الواقع. فقد أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية بعد حصوله على 13,230,131 صوت مقابل 380,347, 12 لمنافسه الفريق أحمد شفيق، بنسبة 51,73%, للأول و 48,72 % للثاني. وجاءت نسبة المشاركة أعلى من الجولة الأولى للانتخابات والتي لم تزد عن 46%، لتبلغ 51,73 %في جولة الإعادة.
إن إعلان فوز الدكتور مرسي أول رئيس مصري منتخب في مرحلة ما بعد الثورة له, العديد من الدلالات الإيجابية لعل أولها أن شعب مصر جرب للمرة الأولى في تاريخه, اختيار رئيسه بل وعدم معرفة الفائز إلا من خلال صندوق الانتخابات فقط. وثانيها أنه لا يجوز في كل الأحوال اتهام مؤسسة القضاء بتفضيل مرشح أو برنامج على آخر، فمؤسسة القضاء المصري الشامخة أثبتت جدارتها باحترام كل المصريين بمختلف أطيافهم.
وثالثا يبقى الأبرز أن الدكتور مرسي هو أول رئيس ذو خلفية مدنية كاملة يتولى رئاسة مصر منذ ثورة 1952، وهو ما ينفي الرأي القائل بأن ثورة 25 يناير ما هي إلا امتداد لثورة 52، إذ أصبح يقيناً أن الأمر مختلف، بعد ما أثبت المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية احترامه الكامل لاختيار ورغبة غالبية الشعب المصري. وسوف يسجل التاريخ أن أول رئيس مدني يحكم مصر قد جاء للسلطة في ظل إدارة المجلس العسكري لشئون البلاد، بل وسيسجل التاريخ أيضاً أن هذا الرئيس الذي انتخب في ظل قيادة المجلس العسكري ينتمي أصلا إلى مرشح جماعة الإخوان المسلمين. و من جانب آخر، لابد وأن يفرح الشعب المصري باختياره، سواء من انتخب مرسي أو شفيق، أو حتى من اعترض عليهما سوياً، وهي فرحة مستحقة يعود الفضل فيها إلى شهداء ثورة 25 يناير، ففي كل الديمقراطيات الكبرى يلاحظ أن فوز أحد المرشحين على الآخر يكون بفروق قليلة، وما على الأقلية إلا أن تحترم اختيار الأغلبية، وما على الرئيس, إلا أن يصير مسئولاً أولاً في الدولة يسعى لتحقيق رغبات كافة المواطنين. من هنا يصح القول بضرورة تجاوز حالة الاستقطاب السياسي الحاد التي رافقت انتخابات الرئاسة، لاسيما وأن فوز الدكتور مرسي هدأ كثيرا من مخاوف الكثير من المصريين حول تردي الوضع الأمني؛ وهو الأمر الذي يجب على حزب الحرية والعدالة وأنصار الدكتور مرسي استيعابه جيداً، فالمطالب الأخرى التي يتظاهر من أجلها مناصرو الرئيس الجديد في ميادين مصر يجب أن تكون عبر التعبير السلمي وخوض مفاوضات سياسية ومساومات مع مختلف القوى، فضلاً عن الأطر القانونية الشرعية المتاحة.
ودون الدخول في تفاصيل توزيع الكتل التصويتية على كل من المرشحين، مرسي وشفيق، فلابد من تذكر أن كليهما قد حصل على ما يقارب سبعة مليون صوت إضافي في الجولة الثانية، وهو ما يعني وجود حوالي 14 مليون ناخب مصري لم ينتخب أي منهما في الجولة الأولى, والمؤكد أن أصوات الدكتور مرسي إنما جاءت من قبل قوى ثورية ومدنية وشعبية رأت في فوز الفريق شفيق عودة للنظام القديم. ويدرك حزب الحرية والعدالة هذا الأمر جيداً؛ الأمر الذي يفتح باباً رحباً لتوافق سياسي بين الدكتور مرسي وبين غالبية القوى السياسية الوطنية الأخرى, ولذا يبدو قرار استقالة الدكتور مرسي من جماعة الإخوان المسلمين ومن حزب الحرية والعدالة عاملاً يبعث على الطمأنينة، خاصة مع إعلانه عقب الفوز بأنه سوف يكون خادماً لكل المصريين.
ويزيد من درجة التفاؤل أن القوى الوطنية الأخرى، الثورية والمدنية، ستكون شريكاً للدكتور مرسي في الحكم، حيث تتوافق هذه الأطراف على تشكيل حكومة ائتلافية تضم مختلف التيارات السياسية، وربما يكون رئيس هذه الحكومة هو الدكتور محمد البرادعي. وتعزز نتيجة الانتخابات الرئاسية أيضا فرص أعادة التوازن المنشود بين مختلف القوى من جانب، وتفتح الطريق أمام نقل السلطة التنفيذية في 30 يونيو من جانب آخر.
فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة يحتفظ بالسلطات التشريعية، منعاً لازدواجية السلطة أو حصول فرع من السلطة على صلاحيات فرع آخر، وهذا أمر مؤقت لا يؤثر كثيراً على نقل السلطة لحين وضع الدستور الجديد وإجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب خلال ستة أشهر من الآن. ومن ثم يجوز القول إن القوى الأساسية في مصر اليوم تشارك بقدر ما في إدارة شئون الدولة، فالإخوان المسلمون حظوا بمنصب الرئاسة وسوف يشكل الرئيس مرسي الحكومة المقبلة التي لن يستأثر حزب الحرية والعدالة فيها بالوزارات السيادية، كما سيشاركه فيها رموز من التكنوقراط والقوى المدنية الأخرى، لتنتج حكومة ائتلاف وطني, فيما يبقى ما يختص بالشئون العسكرية والأمنية محل وفاق بين الرئيس المنتخب وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خاصة ما يتعلق بقرار إعلان الحرب وضبط الأوضاع الأمنية في الداخل وقت الضرورة.
إن الانتقال من نظام قديم إلى نظام جديد لا يتم بين عشية وضحاها في كل دول العالم، ولذا فإن التوازن الذي حدث في مصر في الأيام الأخيرة يعد إيجابياً في المحصلة الأخيرة، حيث لا يمكن لفصيل سياسي واحد أن يدير شئون مصر في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة.
ومع ذلك يبقى من الأهمية بمكان أن يجد أطراف اللعبة السياسية المصرية المخارج المناسبة لكيفية إدارة شئون الدولة على أسس جديدة وحشد الجماهير نحو العمل والتنمية، خاصة مع التوقعات المرتفعة لجموع الشعب المصري التواقة لحياة أفضل.
وفي هذا الصدد لابد من التوافق حول عمل الوزارات المختلفة، حيث ثمة وزراء جدد سيدخلون هذه الوزارات للمرة الأولى، ولابد أن يكون التنسيق والتكاتف هو سيد الموقف حتى تدور عجلة البناء المصرية على ركائز تحقق متطلبات الشعب.