كشف العدد التاسع من مجلة ذاكرة مصر المعاصرة، الصادرة عن مشروع ذاكرة مصر المعاصرة بمكتبة الإسكندرية، تفاصيل نادرة حول التعداد السكاني الذي أجري في نهاية عصر محمد علي في الفترة الممتدة بين عامي 1846- 1848. يبين العدد، أن الغرض من هذا المشروع الكبير لم يكن موجهًا لجمع الضرائب أو محاولة لفرض ضرائب جديدة أو لخدمة القرعة العسكرية، إنما كان لمعالجة المشكلات الإنتاجية وتقييم الموارد البشرية المصرية؛ ولعل ذلك يدحض الفكرة السائدة بأن معاهدة لندن عام 1840 قد سجلت بداية انهيار الدولة المصرية من الداخل.
ويقول الباحث سامح عيد إنه على الرغم من أن تعداد عام 1882 هو أول تعداد منشور، فإنه لم يكن بالفعل أول تعداد سكاني يتم إجراؤه في مصر؛ فقبل هذا التاريخ تمت عمليات حصر عديدة على فترات خلال هذا القرن، ولعل أهمها ما أجري في نهاية عصر محمد علي في الفترة الممتدة بين عامي 1846- 1848، فهذا التعداد يحمل بين طياته بيانات أكثر دقة من تلك التي يمكن استخراجها من كثير من التعدادات السكانية التي نشرت لاحقًا في مصر نظرًا لأنه شامل لكل أسس نظام الإحصاء الحديث.
ويؤكد أن محمد علي كان مهتمًّا بحساب النمو السكاني، وقد تبلورت هذه الرغبة القوية لدى محمد علي في فكرة إجراء مسح شامل لجميع أنحاء القطر المصري لإدارة البلاد وتدبير أمور السكان وتوفير الأدوات اللازمة لبناء اقتصاد قومي واقتصاد اجتماعي جديد، خصوصًا بعد المتغيرات الكبيرة التي فرضتها معاهدة لندن 1840، وفرمان 1841 الذي حصلت مصر بمقتضاه على استقلال قضائها الإداري.
وعن سجلات تعداد النفوس، يبين الباحث أن السجلات وجدت في دار الوثائق القومية التي تحتوي على آلاف السجلات الخاصة بتلك الفترة والسجلات الخاصة بالعمليات الإحصائية التي أجريت في الفترات التي تليها أيضًا، وإن كان أكثرها هو الخاص بتعداد عام (1846- 1848).
ويضيف أنه على الرغم من كثرة هذه السجلات فإن المجموعة الأرشيفية غير كاملة، كما أن أجزاء كثيرة من هذه السجلات قد فقدت أو تهالكت خلال الفترة الممتدة من عصر محمد علي حتى يومنا هذا، خاصة في تلك الفترة التي نقلت فيها هذه السجلات من دار المحفوظات بالقلعة إلى دار الوثائق القومية.
ويشدد الباحث على أن البيانات السكانية التفصيلية التي يقدمها تعداد النفوس في عصر محمد علي يقودنا إلى ضرورة مراجعة بعض المفاهيم التي شاعت حول هذه الفترة الهامة من التاريخ المصري والتصقت به لفترات طويلة، ولم تستند فيها على هذا المشروع الكبير الذي يعطي صورة متكاملة عن الطبيعة السكانية والنشاط الاقتصادي والنظام الإداري.