"أين مقتنيات متحف الفنون الحرفية والشعبية؟، ولماذا لم يكشف عن مكانها منذ عدة سنوات؟ وأين كشوف جردها الأولى التي ترجع لخمسينيات القرن الماضي؟" .. تساؤلات طرحها "محيط" على مديري مراكز الحرف لمعرفة مصير مشروع متحف الفنون الحرفية والشعبية والذي أزيل قسرا من مكانه بوكالة الغوري بالقاهرة . يؤكد الناقد عز الدين نجيب مدير عام بمراكز الحرف التقليدية الأسبق ل"محيط" أن العرض المتحفي لمنتجات الحرف التقليدية والفنون الشعبية الذي كان بوكالة الغوري ويمثل جميع الأقاليم المصرية، يعود إلى أوائل النصف الأول من القرن العشرين، والتي تم جمعها في الخمسينيات من القرن الماضي في وزارة الثقافة الأولى التي كان يرأسها ثروت عكاشة، عن طريق لجنة من خبراء الفنون الشعبية طافت بأنحاء الجمهورية آنذاك لرصد كل ملامح التراث الشعبي وجمعه وتوثيقه؛ تمهيدا لإقامة متحف يليق بهذا التراث لأول مرة في مصر. وقال نجيب: مرت مراحل من الاهتمام والإهمال على هذه المقتنيات بالموقع الذي استقرت فيه أوائل الستينيات بوكالة الغوري، حتى توليت رئاسة هذا القطاع عام 1992، وحاولت كثيرا تحقيق هذا الحلم في موقع يليق بتراث الحرف التقليدية، في أحد المباني الأثرية الأخرى . يتابع : عندما فشلت محاولاتي مع هيئة الآثار بعدم اكتراث شديد من وزير الثقافة الذي كان يرأسها فاروق حسني، لم يكن أمامي إلا استخدام الحجرات الخالية بالدور الأرضي بوكالة الغوري وعددها عشرون حجرة على شكل قبو لتكون نواة لهذا المتحف، وكذلك للمحافظة بقدر المستطاع على هذه المقتنيات النفيسة. وتم تجهيز الحجرات بنوافذ العرض الزجاجية ووسائل الإضاءة المتاحة، وبقيت في موقعها طوال سنوات التسعينيات حتى غادرت منصبي في شهر أبريل عام 2000، وانقطعت بعد ذلك علاقتي بالمبنى وبكل ما فيه، حتى علمت أن المبنى بكامله قد تم تفريغه من كافة المعروضات، بل وورش الحرفيين جميعا الموجودة فيه، وهذا بمجرد أن تولى الزميل السابق محسن شعلان رئاسة الإدارة المركزية في المنصب الذي كنت أشغله . وقيل آنذاك أن مقتنيات المتحف ألقيت لفترة طويلة في ممرات المبنى دون جرد أو تجهيز مناسب لنقلها دون أن تتعرض للتلف أو الضياع، ثم نقلت بعد ذلك إلى دار النسجيات في حلوان، ومعلوماتي أنها خزنت دون جرد في مخازن دار النسجيات، ولم تتحمل أي جهه مسئولية جردها أو الحفاظ عليها، وهذا هو الباب الملكي للتبديد والنهب والإتلاف وكل ما يؤدي إلى دمار هذه الثروة، والنتيجة أن قطعة من ذاكرة مصر الثقافية والحضارية قد تم إعدامها بدم بارد، ومازال المسئولون عن هذه الجريمة طلقاء لا يجدون من يسئلهم. يواصل نجيب: والسؤال هو هل تم جرد الأعمال ومطابقتها بكشوف الجرد الأولى لأعمال المتحف؟، وهل المقتنيات الموجودة في حلوان مطابقة للتي كانت موجودة في وكالة الغوري وبنفس عددها؟؛ أنا أدعو لمطابقة المقتنيات بالكشوف الأصلية. وعن الأعمال التي كانت موجودة بالمتحف قال الدكتور عز: الأعمال التي كنت متأكد من أنها موجودة عقب مغادرتي من مبنى وكالة الغوري عام 2000 تحسب بآلاف القطع في مالا يقل عن 15 نوعا من أنواع الحرف التقليدية، وجميعها في حالة جيدة، بين منتجات خزفية، مشغولات الأزياء الشعبية، حلي ومصاغ فضي، مشغولات من الخوص والجريد، مشغولات من النسجيات بأنواعها، مشغولات نحاسية، مشغولات من التطعيم بالصدف والعاج على الأخشاب، وقطع عقود من الأحجار الكريمة، إضافة إلى عدد من المصاحف المذهبة، ومن بين هذه المقتنيات أعمال نفيسة تم صنعها في أوائل القرن الماضي من مشغولات التطعيم النادرة التي لا يوجد لها مثال في الوقت الحالي في شكل مناضد للشطرنج والطاولة وبرفانات وأدوات مكتبية، ومنحوتات خشبية رفيعة القيمة . وما أشك في وجوده الآن من حيث المبدأ هو كل المشغولات القابلة للتلف، بسبب سوء التخزين مثل مشغولات الأزياء الشعبية، ومشغولات الخوص والجريد والمنسوجات بأنواعها، أما الباقي فلم يكن هناك حسب علمي جرد لهذه المعروضات قبل نقلها من وكالة الغوري بالمطابقة مع كشوف الجرد الأصلية التي تعود إلى الستينيات من القرن الماضي، كما كان ضمن المقتنيات آلات موسيقية مثل الربابة والرغول والناي والدف والسمسمية، وعشرات الأنواع من الآلات الموسيقية التي مازال بعضها موجودا ولكن ليست كالتي كانت موجودة عند السواحلية او جنوب الصعيد في الخمسينيات من القرن الماضي على سبيل المثال؛ ولذلك فهذا يعد إعدام وجريمة قتل مع سبق الإسرار. ومن الناحية المادية المباشرة قد لا تكون هذه المقتنيات باهظة الثمن إلا في أعمال التطعيم بالصدف والأزياء والاحجار الكريمة والحلي والفضية، فشئنها ككل المنتجات الشعبية هي فقيرة في خاماتها، لكنها لا تقدر بثمن بالنسبة لقيمتها الفنية، وخاصة أن كثير منها توق إنتاجه منذ عشرات السنين. يضيف نجيب : لم اترك مسئولا في وزارة الثقافة إلا وطرحت أمامه هذه الجريمة منذ أن علمت بها منذ حوالي ثمان سنوات، ولم يحرك أحدهم ساكنا!! وهو نفس الأمر الذي ينطبق على خبيئة الغوري، التي انتهت نهاية غامضة بعد إثارتها في الصحف؛ حيث اثبتوا أن الموجود 80 قطعة، بينما الوثائق الأساسية تؤكد أن عددها 83 قطعة في حالة جيدة؛ حيث تم عرضها في متحف الفن الحديث عام 1996، علما بأن اللوحة الواحدة في هذه اللوحات يتجاوز ثمنها المليون جنية بسعر التسعينيات. من جانب آخر أشار اسماعيل ترك المشرف العام على الإدارة الهندسية في وكالة الغوري منذ عام 1998 وحتى 2000، إلى أن مقتنيات المتحف كانت من أعتق وأقدم الحرف والفنون على مدار تاريخ مصر كله ، وقد أهمل هذا المكان إهمالا شديد ، على الرغم من أن مقتنياته لا تقدر بمال؛ لأنها حرف تقليدية قديمة أوجدها من أنشأوا حي الحسين. اما الفنان محمد عطية مدير مركز الحرف التقليدية السابق منذ عام 2001 وحتى 2006 فتحدث لمحيط ( قبل وفاته مؤخرا ) أن مقتنيات المتحف تضم ثلاثة مصاحف مترجمة بلغتين، ومصحفين آخرين مطعمين بالفضة يرجعوا إلى العصر التركي القديم . وقال عطية : بعد خروجي على المعاش، علمت أن أيمن عبد المنعم مدير صندوق التنمية الثقافية الأسبق "قضى" على كل هذه المقتنيات؛ وقالوا وقتها عند إفراغ محتويات هذا المتحف أنهم سينقلوها إلى مدينة الفسطاط، ثم خرجت على المعاش ولم اعرف أين هذه المقتنيات، ولابد أن نوجه تساؤلاتنا لمدير مركز الحرف لأنه المسئول آنذاك عن تسليم المكان . وقالت ناهد رستم رئيس الإدارة المركزية لمراكز الإنتاج الفني ل"محيط" أن إدارتها تسلمت العمل بعد استلام صندوق التنمية الثقافية مركز الحرف التقليدية ونقله إلى الفسطاط بما فيه المخازن، وقالت : لم يكن عندي بيان بما اخذوه من وكالة الغوري؛ لأنهم استلموا المخازن دون أوراق أو أي مستندات، وهذا بعد إقامة مشروع متحف "الحضارة الجديد" في فترة تولي أيمن عبد المنعم إدارة صندوق التنمية الثقافية . وقالوا وقتها أنهم يريدوا اختيار مقتنيات من المتحف لعرضها في متحف الحضارة، وضمنها أعمال من الحرف التقليدية والتراثية من مراكز الحرف التقليدية والتراثية التابعة للإدارة التابعة لمراكز الإنتاج الفني، وقاموا بعمل كشف لهذه المقتنيات وتم اعتمادها من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وبناء على هذا الكشف تم تخزين هذه الأعمال بدار النسجيات. وفي الفترة السابقة قبل الثورة تم تشكيل لجنة من صندوق التنمية الثقافية لجرد الأصناف المختارة لعرضها بمتحف الحضارة المصرية بأرض الفسطاط، وهذه اللجنة قامت بتسليمهم الأعمال التي كانت مشونة في الصناديق في دار النسجيات، واستلموها وخزنوها بمعرفتهم في غرفة في مخزن بدار النسجيات ومعهم مفتاحه، لكننا لم يكن عندنا أي كشوف؛ لأن صندوق التنمية الثقافية تولى مسئولية الإدارة بأكملها بأوراقها وكشوفها وبعمالها والحرفيين الذين مازالوا منتدبين للصندوق أيضا، ونقلوها إلى الفسطاط. ولكن ما اختاره أيمن عبد المنعم واللجنة ليس من المتحف بل من صنع الحرفيين وفناني المركز. ومن جانبه أوضح طه عشماوي مدير إدارة المعارض بالإدارة المركزية لمراكز الإنتاج الفني أن أغلب الموجودين في الإدارة الحالية لم يعاصروا وجود المتحف في وكالة الغوري، وقال: ما نعرفه أن هذه المقتنيات جمعت من أجل ترميم المبنى، ووضعت في صناديق أغلقت بالشمع الأحمر في مخازن في دار النسجيات بحلوان؛ حيث اصدر الوزير الأسبق فاروق حسني قرار بأن تنتقل مقتنيات المتحف إلى متحف "الحضارة الجديد" الذي يتم إنشاؤه حاليا في مصر القديمة، ولا نعلم حالة تلك المقتنيات . وأضاف أن إدارة وكالة الغوري نزعت بالأساس من قطاع الفنون التشكيلية، وفي عهد فاروق حسني كانت تلك المخازن تحت وصاية صندوق التنمية الثقافية ، ولولا أن مقتنيات هذا المتحف تابعة لدار النسجيات لكنا لم نسمع عنها شيئا. وأيمن عبد المنعم المدير الأسبق لصندوق التنمية الثقافية ضمن من قاموا بعملية تحويل هذه المقتنيات ووضعها في صناديق كي تعرض في متحف الحضارة، و أشك بشكل شخصي في ضياع بعض هذه المقتنيات أثناء تخزينها وخصوصا أن أيمن عبد المنعم حوله شبهات كثيرة.