الإستمرار في الفوضي لا يعني إلا شيئاً وحيداً لا ثاني لة وهو سقوط الدولة ، فيبدو أن المتآمرين أبوا إلا أن يردوا علي سقوط نظام المخلوع بسقوط الدولة وخراب مصر والجلوس علي تلها فاستعادوا قوتهم ونظموا صفوفهم وضخوا أموالهم لتحقيق مآربهم والإنتقام من الثورة والثوار بعد أن ضاقت الأحبال حول أعناقهم ولم يعد أمامهم سوي التخطيط للفناء الكامل ، وللآسف وجدوا من يساعدهم ويهيأ لهم المناخ ، فالسلطة الحاكمة أفرطت في دبلوماسيتها وتدليلها لرموز الفساد بدلاً من أن تنفذ فيهم عدالة السماء بالقصاص العاجل وتقطع دابرالمؤامرات والألسنة التي تلوك الفتنة وتشي بوجود إتفاق مسبق علي هذا السيناريو الفوضوي لإثبات حاجة البلاد للضبط والربط ، ومن ثم إنتزاع الموافقة الجماعية في الإستمرار فوق سدة الحكم . هذة القراءة المبدئية لما يجري هي الأكثر منطقية في ظل المماطلة والتسويف والظن الخاطئ بأن ما تحقق من بعض الإنجازات يكفي وزيادة لإرضاء الجماهير الهادرة الثائرة في كافة أرجاء القطر المصري ، وهذا الظن لا يمت بالطبع للواقع الفعلي بأي صلة لأن ما أنجزتة الثورة لم يشف رغبة الشعب الذي عاش تحت وطأة الذل لثلاثين عاماً ولم يروي ظمأ الثوريين الشرفاء ولكنه لا يعدو كونه ماءاً مالحاً كلما شربوه إزدادوا عطشاً ، وما تتمخض عنه الأحداث اليومية ما هو إلا دليلاً دامغاً علي بيان الحقيقة المرة التي تنطوي علي الفشل الذريع في إحتواء الأزمات والمصالحة بين الشعب والجيش ، وللأسف الشديد فقد نجح مشعلوا الحرائق في تأليب الشارع السياسي ضد المجلس الأعلي للقوات المسلحة حتي باتت تسميته الإعلامية والإعلانية " بالمجلس العسكري " كناية عن الصرامة والجهامة وكل المعاني المؤدية إلي توسيع الفجوة بينة وبين الناس وهو ما ساعد علية المجلس نفسه بعدم الحسم والتردد في إتخاذ قرارات ضرورية وحتمية كان بمقدور المشير طنطاوي أن يتخذها فيطفئ النار في مهدها ويجتث جذور الفتنة الشيطانية فلا تستفحل الحرائق فتحرق الأخضر واليابس من القاهرة إلي أسوان متخذة من حادث بورسعيد المفجع مبرراً لإعلان الغضب والسخط والمجاهرة بالعداء المطلق لمن كانوا لحظة نزول الدبابات ميدان التحرير وميادين مصر الأخري أصدقاء حميميين يشار إليهم بالإعجاب والإجلال والفخر وتنتظر الملايين تصريحاتهم علي أحر من الجمر ! هذا التحول المغاير من النقيض إلي النقيض لة بالطبع أسبابة ومعطياته ولا يمكن أن يكون قد جاء من فراغ ، اللهم إذا كان فراغاً سياسياً وغياباً حقيقياً لقيادة سياسية بيدها الحل والربط ، تضع إستقرار الوطن هدفاً رئيساً ووحيداً ولا يداخلها إحساساً بالولاء للرئيس المخلوع يشوش علي قراراتها وممارساتها يجعلها محل شك ويصيبها بالإزدواجية السياسية فتعجز عن تنفيذ مطالب الثورة وتفتح هويس التساؤلات حول أسباب التقاعس والتباطؤ دون إجابات مقنعة ومرضية فتكون النتيجة إتهام صريح ببيع الثورة لصالح مبارك وسوزان وجمال وعلاء وبقية الحاشية ، وهذا إتهام لة أيضاً ما يبررة لإن النعيم المقيم الذي يعيشة رئيساً مخلوعاً بثورة شعبية في مركز طبي عالمي هو الأحدث علي الإطلاق في الشرق الأوسط لا يمكن تفسيرة بغير إتهام من هذا النوع ، ثم أن إطلاق سراح سوزان وهي الضالعة في كل جرائم زوجها والمرأة المهيمنة علي القصر في زمن حكمها والملقبة سابقاً بسيدة مصر الأولي بما ينفي وجود نساء فضليات غيرها شيئ مثير للأعصاب ومحرض علي سوء الظن ، لا سيما أنها لا تزال تجوب البلاد طولاً وعرضاً وتلتقي بزعماء الدول طمعاً في وساطتهم لإعفاء زوجها من حكم الإعدام وبراءة نجليها من التهم المنسوبة إليهما .. كل هذة الأشياء كفيلة بتولد الإحتقان والكبت وتحين أي فرصة لمد حلقات المسلسل الثوري وخلط الحق بالباطل لنعاود مجدداً مهمة البحث عن المشروع والقانوني في حزمة المطالب الشعبية ونجتهد في تحري الدقة للتمييز بين ما يستحق التأييد وما يستدعي المناهضة وهي مهمة جد صعبة فالأحداث تطالعنا يومياً بالجديد والملتبس والعصي علي الفهم . إن جُل ما تهدف إلية عناصر التخريب وأصحاب الأصابع الخفية هو ذلك الإرتباك وعدم القدرة علي الإختيار الصحيح فيما يتصل بتبني الأفكار والإنحياز للصواب ، حيث كل الجهات محل شبهة واتهام وشكوك فقد بتنا نشك في أنفسنا بعدما ذاغت أبصارنا عن اليقين فمنا من يولي وجهة شطر التحرير ومنا من يعرض عن المواجهة ويختار الفرجة إنتظاراً لما تكشف عنه الأيام القادمة ، فالقطع برؤية دقيقة تحدد ملامح المستقبل في المقبل من الأيام بات محض دجل وما يمكن التنبؤ بة ليس إلا تخمينات ومراهنات علي أفكار وخطط ومشروعات لا تزال في علم الغيب والإرتكان إليها يستدعي بلورتها بشكل واضح وتثبيتها علي أرض الواقع قبل الترويج لها حتي لا يسبب الفشل في تحقيقها صدمة لمن عقدوا عليها الآمال . لقد تقزم حُلم الجماهير بفعل الفوضي إلي أن صار الخروج من النفق المظلم أسمي الأماني وبالتالي لابد من فتح آفاق جديدة ومختلفة للحوار السياسي كي نري ترجمة فعلية لما يتم الحديث عنه من إجراءات نقل السُلطة وتحويل مصر إلي دولة مدنية وهو المطلب الجوهري والرئيسي الذي لو تحقق لهدأت الدنيا وأنطفات جذوة الغضب في ميدان التحرير وشارع محمد محمود وشارع منصور ومجلس الوزراء والشوارع الخلفية الأخري المرشحة لتكون جبهات مفتوحة بين الثوار وقوات الأمن في معارك تالية محتملة .