قالت مجلة " فورين بوليسي " الأمريكية أن الانتفاضات الصغيرة المتعاقبة التي تشهدها ليبيا في الآونة الأخيرة تظهر مدى ضعف وتخبط المجلس الانتقالي الليبي في قدرته على إدارة هذه الأزمات. وأوضحت المجلة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني اليوم أن المعارك الدائرة في بني وليد بليبيا بين القوات المناصرة للثورة الليبية وبين أنصار القذافي فسرها البعض على أنها انتفاضة مضادة لأنصار القذافي وهو ما نفاه المقاتلون في ليبيا وفسروا تلك المعارك بأنها كانت محاولة للقبض على متهمين بارتكاب جرائم حرب أثناء الثورة الليبية.
وقالت أن هذه الانتفاضة الصغيرة غير مهمة في حد ذاتها، ولكن تكمن أهميتها في توضيح مدى تخبط إدارة ما بعد الثورة في ليبيا، وبالرغم من أن المجلس الوطني الانتقالي هو الحاكم على مستوى البلاد إلا أن هذه الأزمة الأخيرة أظهرت أن هذا المجلس مجرد لاعب في الساحة.
وأضافت أن السلطة الحقيقية متفرقة بين مجموعة كبيرة التشكيلات العسكرية الشعبية معظمها متكتل في المجالس العسكرية الخاصة بالمدينة، وان أقوى تلك المجموعات تتمركز في بلدتي مصراتة والزنتان، واللتين شارك قادتها في تشكيل الحكومة وهما وزير الدفاع أسامة الجوالي ووزير الداخلية فوزي عبد العال.
وقالت المجلة أن هذه القوات العسكرية التي تحاسب أمام مجالس مدينتها لها شرعية أكبر من المجلس الانتقالي الذي نصب نفسه حاكما للبلاد من بنغازي وسط أحداث الثورة، ولكنه تحول مع مرور الوقت إلى "منظمة متكتمة" وغير كفؤ ويرفض الإعلان عن لائحة أعضائه أو اجتماعاته، ويرفض أيضا الإفصاح عن سجلات كيفية التصرف في عائدات البترول الضخمة بالإضافة إلى فشله في عمل تشريع للانتخابات في يونيو المقبل مما زاد من ريبة الكثير من الليبيين الذين يعتقدون أن العديد من أعضاء هذا المجلس هم من الموالين للقذافي والذين يحاولون التلاعب بالثورة للصب في مصالحهم.
وقالت المجلة أن عدم وجود مكتب إعلامي للمجلس الانتقالي يزيد من حجم المشكلة، فبدلا من هذا المكتب يتلقى الليبيون مراسيم كالإعلان عن نقل وزارتي الاقتصاد والبترول إلى بنغازي ووزارة المالية إلى مصراته عقب الاحتجاجات التي قامت ضد المجلس تتهمه فيه بعدم الشفافية والتي تصعدت لتصل إلى اقتحام مقر المجلس في بنغازي مما أسفر عن استقالة نائب رئيس المجلس بعد تعنيفه من قبل الحشود.
وأشارت المجلة إلى تزايد قوة المليشيات وتحالف مليشيات مصراتة والزنتان لتدعيم موقفهم في مقابل المجلس الانتقالي والذي ظهر أخيرا في تعيين المصراتي يوسف المنقوش قائد للجيش الليبي، ومنع أهالي زنتان في نوفمبر لرئيس المجلس العسكري لطرابلس من السفر والاشتراك في إطلاق نيران بينهم وبين حارس شخصي لعضو أخر بارز في المجلس في ديسمبر الماضي مما جعل زنتان ومصراته تتحولان ظاهريا إلى دويلات بقوات أمنية مكثفة تتحكم في أي حركة منها أو إليها.
وأجرت المجلة لقاءات مع العديد من أفراد تلك المليشيات الذين يطلقون على نفسهم اسم الحرس الوطني على غرار الجيش الوطني الذي كونه المجلس الوطني الانتقالي ولم تلحق به هذه المليشيات، وأعرب هؤلاء المقاتلون عن عدم ثقتهم في المجلس الوطني وعلى رأسهم عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري بطرابلس و المعروف عنه تعاطفه مع منظمة القاعدة.
واختتمت المجلة تقريرها أن استغراق المجلس الوطني الانتقالي الليبي في المشكلات كمشكلة بني وليد تمنعه من التخطيط المستقبلي، مشيرا إلى أن نجاح المجلس في الصمود حتى الانتخابات المزمع عقدها في الصيف المقبل سيعد انجازا، وانه إذا ما قرر تأجيل تلك الانتخابات ستكون أيامه معدودة.