قبل شهور من انتخابات المجلس التأسيسي في ليبيا والمقرر عقدها في يونيو المقبل، لاتزال أجواء العنف والانفلات الأمني تهيمن علي البلاد. وأعلنت وزارة الداخلية الليبية أن اشتباكات عنيفة دارت بين مسلحين من مدينتي مصراتة والزنتان في منطقة شاطئ السعدي قرب وسط العاصمة طرابلس. وكانت ميليشيات الزنتان قد حاولت الاستيلاء علي منزل فاخر علي الشاطئ في مدينة طرابلس يستخدم ثكنة عسكرية لميليشيا من مصراتة. وكان مقاتلون قد اقتحموا المنزل بعدما جاءوا علي متن شاحنات صغيرة تحمل مدافع مضادة للطائرات. هشاشة الوضع الأمني وشهدت مدينة بني وليد مؤخراً اشتباكات موسعة بعد أن طردت قوات قبلية محلية يتهمها الثوار بموالاة القذافي كتائب من الثوار السابقين. فقام مقاتلون مسلحون من مدن أخري بمهاجمتها بنية استعادتها من الموالين للنظام السابق. وقامت الكتائب الثورية باحتجاز آلاف الأشخاص في سجون سرية. وأعربت الأممالمتحدة عن قلقها من وجود الكتائب الثورية في ليبيا وعدم تمكن الحكومة من السيطرة عليها. وطالبت الأممالمتحدة بأن تكون جميع مراكز الاعتقال تحت إشراف حكومة طرابلس، وعبرت عن قلقها بخصوص اعتقال الكتائب الثورية لعدد كبير من رعايا أفريقيا شبه الصحراوية. وقال وزير الدفاع الليبي أسامة الجويلي إن المدينة باتت تحت سيطرة الحكومة الليبية، وأضاف "تمت معالجة المشكلة. كانت مشكلة داخلية. المعارك لم تكن بين الثوار وأنصار القذافي بل بين مجموعتين من الشبان، إحداهما اللواء 28 مايو التابع لوزارة الدفاع الليبية. وتشير هذه الأحداث إلي هشاشة الوضع الأمني في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي حيث لا تزال قوات الشرطة تحت التأسيس وغير قادرة علي مواجهة الكتائب المسلحة المنتشرة في البلاد. وأشارت تقارير حقوقية إلي أن حوادث تعذيب وانتهاكات واسعة ارتكبت من أفراد ميليشيات غير تابعة للحكومة الجديدة ضد ليبيين علي خلفية اتهامهم بالتعاون مع نظام القذافي. كما وردت تقارير عن احتجاجات متزايدة ضد المجلس الانتقالي الليبي من قبل كتائب متنافسة تتصارع علي النفوذ السياسي يقدر حجمها بنحو 200 ألف شخص مسلح. اتهامات للمجلس الانتقالي بالإضافة إلي مشكلة الكتائب المسلحة، يعاني المجلس الانتقالي الليبي من عدم تحقيق الشرعية والاعتراف في الداخل بنفس القدر الذي حققه في المجتمع الدولي. وهناك عدة اتهامات موجهة للمجلس من الثوار من حيث عضويته وتمثيله غير العادل للمناطق الليبية. وكانت عدة احتجاجات ضد المجلس الانتقالي قام بها ثوار قد عبرت هن هذه الاتهامات، وقام متظاهرون بالاعتصام مطالبين السلطات بشفافية أكبر وباستبعاد الأشخاص الذين تعاونوا مع النظام السابق. كما تعرض مقر المجلس لعملية اقتحام في الحادي والعشرين من يناير الماضي عندما ألقي متظاهرون قنابل يدوية علي مقر المجلس في بنغازي ثم اقتحموه وأضرموا النيران في واجهته، وطالبوا أعضاء المجلس بالاستقالة. ورفع المحتجون شعار "الشعب يريد تصحيح مسار الثورة". وكان الهجوم علي مبني المجلس قد تم بعد أن تجمع نحو 1500 شخص بينهم مقاتلون سابقون جرحوا خلال الثورة للتعبير عن احتجاجاتهم والتي من بينها عدم تحقيق مطالب المصابين وأسر الضحايا وإهمال المجلس لأمرهم، وعدم اهتمام الحكومة الانتقالية بحل مشكلاتهم حتي الآن. وتعقيباً علي ذلك الهجوم، قال المجلس الانتقالي في بيان "إن أي اعتداء أو مساس بالمجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو مساس بمصالح وسيادة الشعب الليبي وثورته المجيدة المنتصرة. إن المجلس الوطني الانتقالي هو السلطة السياسية العليا والشرعية في ليبيا بشكل مؤقت وإلي حين الانتهاء من انتخابات المؤتمر الوطني العام وتسليم السلطة له لإتمام مهام المرحلة الانتقالية". ويتهدد الوضع الأمني في ليبيا أيضاً كون الجيش الوطني ضعيفاً وغير قادر علي حماية البلاد. وهو الأمر الذي ربما بثير تساؤلات حول إمكانية تدخل المجتمع الدولي مرة أخري في ليبيا لضمان الاستقرار الداخلي ولتأمين إنتاج النفط. فليبيا تصدر 1.3 مليون برميل من النفط يومياً إلي بلدان جنوب أوروبا التي سيتعين عليها بحلول يوليو المقبل إيجاد بدائل عن 400 ألف برميل يومياً من النفط الإيراني. الخوف من حرب أهلية وعلي صعيد آخر، رفض المجلس الوطني الانتقالي الليبي استقالة نائب رئيسه عبدالحفيظ غوقة التي قدمها في الثاني والعشرين من يناير الماضي بعد تزايد الدعوات الي استقالته وتعرضه للهجوم من قبل طلاب في جامعة بنغازي. وكان غوقة قد برر تقديم استقالته بأنها للمصلحة الوطنية، وقال "بعد انتهاء حرب التحرير، بدأت تسيطر أجواء من الحقد لا تخدم المصلحة الوطنية. المهم هو الحفاظ علي المجلس الوطني الانتقالي. لا نريد لبلادنا أن تنزلق إلي الفوضي لأن هذه المرحلة حاسمة، ولا تقل دقة عن المرحلة التي سبقتها". وحذر رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، مصطفي عبدالجليل، من حرب أهلية في ليبيا في حال استقالة المجلس، واتهم "اياد خفية" بالوقوف خلف أعمال العنف الاخيرة. وقام عبدالرحيم الكيب، رئيس الحكومة الانتقالية، أثناء مشاركته في الاحتفال بافتتاح مركز المؤتمرات الجديد الذي تم تدشينه بمقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بدعوة المشاركين في أعمال القمة ال18 للاتحاد الأفريقي إلي عقد مؤتمر أمني إقليمي للتصدي لانتشار الأسلحة علي يد أنصار القذافي. وكان محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي السابق التابع للمجلس الوطني الانتقالي قد قام بعدة محاولات بعد سقوط نظام القذافي لإنهاء مظاهر التسلح في طرابلس، غير أن محاولاته باءت بالفشل مما أدي إلي استقالته من منصبه. ويوجد في طرابلس عدة مجموعات مسلحة، منها مجموعة بلحاج، وهو إسلامي تدرب في معسكرات طالبان في أفغانستان، ومجموعة ناكر وهو مهندس إلكترونيات سابق، هذا بالإضافة إلي ميليشيات من خارج العاصمة تضم مقاتلين من الزنتان ومصراتة. كما توجد مجموعة أخري من المقاتلين من شرق البلاد، المعقل الأصلي للتمرد ضد القذافي وهم موالون للمجلس الانتقالي. ولا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد الكتائب المسلحة في ليبيا، غير أنه يقدر عددها بنحو 18 كتيبة. ويقول عبد الله ناكر رئيس مجلس ثوار طرابلس "لدينا مشهد عبثي، أي مجموعة بسيطة من 10 أشخاص لديها اسم وأجندة، لكن السرايا الحقيقية معروفة وموجودة في طرابلس، ثمة مسميات كثيرة لا حصر لها". قانون الانتخابات الجديد وأقر المجلس الوطني الانتقالي صيغة معدلة من قانون الانتخابات الجديد في البلاد، سيجري بموجبه انتخاب المجلس التأسيسي في يونيو المقبل. وتضمنت الصيغة المعدلة إسقاط حصة 10% كانت مخصصة للنساء في مسودته الأولي. ووفق نص القانون سيتم تخصيص ثلثي مقاعد المجلس المائتين لقوائم السياسة بينما تم تخصيص 64 مقعداً للمستقلين. ويمنع القانون الجديد الليبيين الذين يحملون جنسية مزدوجة، وكل من تمتع بامتيازات في ظل نظام القذافي من الترشح لخوض الانتخابات. كما تشترط مسودة القانون الجديد ألا يقل عمر المرشح في الانتخابات عن 25 سنة، وحدد الحد الأدني لعمر من يسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات ب 18 سنة. كما يمنع القانون الجديد كل من كانت له صلة بحركة اللجان الثورية التي كانت تعتبر في السابق العمود الفقري للنظام الجماهيري منذ عام 1977 وكذلك كل من شارك ضد الثورة الليبية التي اندلعت في السابع عشر من شهر فبراير من العام الماضي من الترشح للانتخابات أو لمناصب قيادية. وكان مصطفي عبدالجليل رئيس المجلس الوطني قد أرجأ التصديق علي مشروع القانون بسبب الأزمة التي شهدها المجلس. وأجري المجلس تصويتا علي القانون بغياب نحو نصف أعضائه حيث تمت الموافقة علي القانون بحضور 36 عضوا من بين إجمالي عدد أعضاء المجلس البالغ عددهم 61 عضواً. وعبر الأعضاء الذين رفضوا التصويت علي مشروع القانون عن استيائهم منه واتهم بعضهم قانون الانتخابات الجديد بأنه يعبر عن موالاة المجلس لجماعة الإخوان المسلمين حيث ان بنوده تخدم مصالح الإسلاميين فقط خاصة تخصيص ثلثي مقاعد المجلس لقوائم الأحزاب السياسية وعدم تحديد أي نسبة للمرأة. كما أعلن تشكيل اللجنة الانتخابية المكلفة بالاشراف علي الانتخابات برئاسة عثمان القاجيجي وتضم 17 قاضياً ومحامياً وناشطاً في مجال حقوق الإنسان وخبراء في القانون وممثلون عن النساء والشباب. علي الرغم من أن الأجواء السياسية تشير إلي المضي نحو هدف انتخاب المجلس التأسيسي، إلا أن ليبيا تشهد حالة من التخبط والانفلات الأمني بسبب ازدياد نفوذ الكتائب المسلحة وتصارعها فيما بينها. وتتضارب الآراء حول دور الكتائب المسلحة بين من يقول انها لابد أن تسلم السلاح وتنضم للجيش الوطني، وبين من يقول انه لا يزال من المبكر نزع سلاح هذه الكتائب. ويشير وزير الدفاع أسامة جويلي إلي أن الثوار المسلحين يقومون بحفظ الأمن. أما رئيس الحكومة الانتقالية، عبدالرحيم الكيب، فيشير إلي أن الثوار قاموا بدورهم ويتحتم عليهم الآن التفاهم مع النظام الجديد ونزع السلاح، وأضاف "ليس لدي شك في وطنية الثوار وتفهمهم لمصلحة لبلاد العليا والضرورات التي تحتم اتخاذ هذا القرار، المسألة فقط مسألة وقت لا أكثر، وعندما يتم تفعيل برنامج الحكومة لاستيعابهم في مؤسسات الجيش والشرطة لن تكون هناك أي حاجة لبقاء الثوار في العاصمة".