شهد الأردن خلال عام 2011 انجازات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية استهدفت إحداث نقلة نوعية تنعكس على حياة مواطنيه في خضم عام حافل على المستوى الداخلي والإقليمي والعالمي كانت أبرز معالمه ثورات الربيع العربي والتي هبت رياحها على دول عربية عدة وألقت بظلالها على دول أخرى من بينها الأردن. ولم تكن تأثيرات الربيع العربي ببعيدة عن الأردن خلال العام الجاري حيث يشهد ومنذ منتصف شهر يناير الماضي تظاهرات أسبوعية تطالب بالإصلاح الشامل في البلاد سواء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تطال المواطن الأردني الذي يرزخ تحت نيران أوضاع اقتصادية صعبة وغلاء الأسعار وانتشار البطالة والفساد والتي أثقلت كاهل السواد الأعظم من الأردنيين. التعديلات الدستورية ولعل التعديلات الدستورية وتشكيل لجان الحوار الوطني المختصة بوضع توصيات حول القوانين الناظمة للحريات العامة وفي مقدمتها قانونا الانتخاب والأحزاب إضافة إلى أطر التشريعات والقوانين الاقتصادية أهم ملامح العام الجاري في الأردن والذي كان بلا منازع عام تعزيز مسيرة الإصلاح الشامل بكل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتمكن الأردن بفضل قيادة الملك عبد الله الثاني من تدعيم وتعزيز مكانته على جميع الأصعدة وتأكيد حضوره الريادي في العالم، كما كان لجولاته في دول العالم المختلفة الأثر الكبير في تعزيز العلاقات بين المملكة وهذه الدول خاصة في المجالات الاقتصادية. وأكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة أن المرحلة المقبلة من مسيرة الدولة الأردنية هي مرحلة التشريع والقوانين للمضي قدما في مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكانت قناعته أن الربيع العربي بدأ ليس بسبب السياسة، بل بسبب الاقتصاد والفقر والبطالة.
حكومة الخصاونة وتواجه الحكومة الأردنية الحالية برئاسة الدكتور عون الخصاونة كسابقتها من الحكومات تحديات اقتصادية كبرى حيث تشكو الموازنة العامة من عجز كبير من حيث القيمة المطلقة والهيكلية، كما أن الحساب الجاري أصبح مقلقا ويهدد احتياطيات الأردن من العملات الأجنبية.
ورأى المراقبون أن مواصلة الإصلاح والتحديث وتنفيذ استحقاقات هذه المرحلة ستكون في مقدمة أولويات حكومة الخصاونة وهو ما يفسر اختيار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للخصاونة وهو قاض دولي لتشكيل الحكومة الجديدة في شهر أكتوبر الماضي خلفا لحكومة سابقه الدكتور معروف البخيت نظرا لما يتمتع به من قبول وخبرة قانونية ومكانة عالمية وهو أيضا أحد الشخصيات الأردنية المرموقة التي حازت على حضور واحترام دوليين مميزين حيث وصفه العاهل الأردني بأنه " قاضي نزيه ذو سجل ناصع وهو الشخص المناسب تماما الذي يستطيع أن يسير بنا نحو انتخابات وطنية بالسرعة الممكنة".
كما أطلق الخصاونة جملة من التصريحات المطمئنة منها أن الإصلاح والتغيير والنزاهة والإنصاف والعدل هي عناوين تحرك حكومته، وأن الدول ينبغي أن تبنى على هذا الأساس، وأن مهمته ستكون التأسيس للوضع الدستوري الجديد في البلاد بحيث تحكم وزارة باسم الأغلبية البرلمانية وأن مفتاح الديمقراطية يكمن في عدم تزوير الانتخابات وأنه سيعمل على اجتثاث الفساد ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة وأن احترام الناس واجب وأي حكم لا يستقيم بالقمع وإنما بالحوار كما أن إزالة الاحتقان في الشارع من أهم واجبات حكومته.
خريطة الإصلاح السياسي وحرص العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على رسم خارطة طريق واضحة للإصلاح السياسي والاجتماعي في الأردن، في خطاب تكليف الحكومة الجديدة وأن هناك رؤية استشرافية للمستقبل واحتياجاته وهي رؤية ليست وليدة الساعة أو الظروف الراهنة بل رؤية مستقبلية ظل يطرحها على الحكومات المتعاقبة مرة تلو أخرى بإصرار وثبات ورقابة مباشرة منه شخصيا بعضها تحقق وبعضها تم قطع أشواط فيه وبعضها تعثر لكن أياً من هذه الأهداف لم يسقط ولم يتغير.
الرسالة الواضحة والإرادة السياسية العليا من جانب القيادة الأردنية كانت واضحة في كيفية الحفاظ على سلامة الأردن واستمراره، وكيف يتم تواصل بناءه وتحديثه وإطلاق طاقاته الكامنة مع توفير المناخ السياسي والاقتصادي والقانوني الذي يحقق ذلك، إلى جانب تجنيب البلاد الهزات التي يشهدها الإقليم وتداعيات اضطراب المنطقة دون التخلي عن دوره وتمسكه بحقوقه وواجباته في خدمة قضاياه العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
الأردن والتحديات وتشهد المنطقة العربية أحداثا زادت التحديات التي تواجه الأردن الرامية إلى توطيد أركان الاستقرار الاقتصادي حيث انعكست سلباً على تدفق الاستثمارات والسياحة وأدت إلى تفاقم العجز وارتفاع نسب الدين في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وكلف الحماية الاجتماعية لدى عدد من دول المنطقة.
ويوجد إجماع بين المسئولين وصانعي القرار والباحثين على أنواع التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الأردني، فهي محصورة بالعجز المزمن في موازنة الدولة والمديونية والعجز في الميزان التجاري وارتفاع معدلات البطالة والفقر وارتفاع معدلات التضخم في كثير من السنوات إذا ما قورنت بمعدلات النمو الاقتصادي.
الأردن ومجلس التعاون وجاء إعلان قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمة تشاورية في العاصمة السعودية "الرياض" في شهر مايو الماضي تأييد وترحيب قادة الدول الست انضمام الأردن بجانب المغرب إلى صفوف المجلس نقلة في مسيرة الأردن نحو الانضمام للتجمع الخليجي وذلك على الرغم ما تردد عن إغلاق هذا الملف مؤخرا إلا أن المملكة كانت تتطلع للانضمام للمجلس وهو ما كان سينعكس بالإيجاب على الاقتصاد الأردني، كما ستستفيد الإقتصادات الخليجية من الموارد البشرية الأردنية، ومن الفرص الاستثمارية المتاحة في الاقتصاد الأردني.
ويؤكد الأردن على الدوام اهتمامه والتزامه الثابت بالوصول بعلاقاته مع منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى أرحب آفاق الشراكة وبالتدرج في الاندماج في المجالات الاقتصادية بشكل خاص وتلك المتعلقة بالأمن القومي العربي وتعزيزه بصفة عامة، كما عبر عن تقديره لإنشاء صندوق خليجي للتنمية، يبدأ بتقديم الدعم للمشاريع التنموية في الأردن بمبلغ مليارين ونصف المليار دولار.
الملك والتظاهرات ويترقب الشارع الأردني والحراك السياسي من خلال التظاهرات التي يشهدها الأردن منذ شهر يناير الماضي بعض الإصلاحات التي بدأت تأخذ طريقها إلى التحقق حيث يبدو في الأفق أن هناك فرصة لإنجاز مشروع إصلاحي جذري في ضوء تأكيدات العاهل الأردني في أكثر من مناسبة التزامه وحرصه على تنفيذ الإصلاح الشامل في البلاد وأن الهدف النهائي من عملية الإصلاح السياسي هو الوصول للحكومات النيابية.
كما حدد الملك أولويات المرحلة المقبلة بأنها تتمثل في التأسيس لتطوير العمل السياسي نتيجة التعديلات الدستورية من خلال إنجاز قوانين الانتخاب والأحزاب والهيئة المستقلة للانتخابات والمحكمة الدستورية، إضافة لما تم إنجازه من قوانين الاجتماعات العامة ونقابة المعلمين والتشريعات المنظمة للإعلام.
ووجه العاهل الأردني الحكومة الأردنية بضرورة توفير البيئة الآمنة والمناسبة للتفاعل الديمقراطي وضمان حرية التعبير المسئول عن الرأي وضرورة تجاوز الأخطاء وترسيخ أسلوب حضاري في التعامل مع أي شكل من أشكال التعبير والاحتجاج السلمي. ولكن على الرغم من التأكيدات والالتزامات والتطمينات بشأن الجدية في تنفيذ الإصلاح الشامل في الأردن إلا أنه لم تتجسد بعد في سياسات وإجراءات تنفيذية حيث أن ما تحقق من إصلاحات رغم أهميتها- بحسب المراقبين- ليست كافية وما زال ملف الإصلاح مثقلاً بعشرات التحديات وقوى الشد العكسي التي لا تريد لمسيرة الإصلاحات في الأردن أن تنطلق. وأكد مراقبون وخبراء أن التحولات الإصلاحية الكبيرة في الأردن وإرادة الإصلاح الشامل تحتاج إلى تضافر الجهود لرسم معالم الأردن الجديد ما يتطلب أن يكون الجميع فريقا واحدا في خندق واحد هو خندق الإصلاح والتقدم والأمن الوطني بمفهومه الشامل وأن تتحمل كل القوى السياسية مسئولياتها وتشارك في عملية صنع القرار، وأن تكون المعارضة معارضة وطنية بناءة وركنا أساسيا من أركان الدولة.