جدد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان دعوات لقيام عصيان مدني جديد في 19 ديسمبر الجاري، في ذكرى إعلان استقلال السودان. وأصبح نظام الإنقاذ في السودان بقيادة الرئيس عمر البشير في وضع يحسد عليه، حيث الحصار من كل الجوانب، نتيجة اقتصاد منهار وخزائن خاوية، إضافة إلى تهاوي سعر العملة الوطنية أمام الدولار، وهو ما أدى لتزايد السخط العام لدى قطاعات عريضة باتت ترى أن النظام الحاكم يحمله نتائج فشله الاقتصادي والسياسي، من دون أن يكون هناك أمل في تحسن الأوضاع أو تغييرها ما تسبب في احتقان شعبي كبير. و أعلنت أحزاب معارضة وحركات مسلحة في السودان تأييدها ودعهما للحراك الجماهيري، وتم الإعلان عن مبادرة "عصينا" التي كانت أحد مخرجات العصيان المدني الأول الشهر الماضي ، وهي عبارة عن كيان يضم حركات شبابية مثل حركة "التغيير الآن" وبعض قطاعات المجتمع المدني، وأيدتها أحزاب سياسية والكثير من مكونات العملية السياسية في السودان ، بهدف تصعيد المواجهة مع الحكومة وإثبات إمكانية إنجاز عمل مشترك وتشكيل تحدي حقيقي لشرعية النظام على اعتبار أن العملية السياسية في السودان أصبحت مجمدة نتيجة فشل الحوار وتوقف المفاوضات التي كانت تجري في أديس أبابا بسبب تنصل الرئيس عمر البشير من خارطة الطريق التي أقرتها اجتماعات إثيوبيا- حسب الناشطة السودانية رشا عوض. ورغم محاولات البشير التقليل من أهمية العصيان المدني السابق حين قال: إنه "فاشل مليون في المئة" ، إلا أن "عوض" ترى في فكرة الإجراءات القاسية التي تم اتخاذها من قبل الحكومة ضد الأفراد والكيانات التي شاركت في العصيان دليلا على انزعاج النظام منها ، حيث تم التعامل الأمني مع كل من ثبت أنه شارك في العصيان ، وتم فصل موظفين وأساتذة جامعات من عملهم ، وأغلقت بعض الصحف والوسائل الإعلامية التي اهتمت بتغطية العصيان . وشكلت الدعوة للعصيان المدني – رغم اختلاف التقييم بشأن نجاحه أو فشله- علامة استفهام مهمة حول الهدف منها ، وهل المقصود هو الإطاحة بشخص الرئيس عمر البشير ، أم انهاء حكم الحركة الإسلامية في السودان والتي استمرت سنوات عديدة، أم أن المقصود هو تراجع الحكومة السودانية عن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي تسببت في معاناة قطاعات كبيرة من الشعب السوداني ؟ وأشار مراقبون إلى أن هناك بعدًا آخر لحالة الحراك الشعبوي الحاصلة في الخرطوم ، وهو صراع الأجنحة داخل النظام السوداني وحزب المؤتمر الوطني الحاكم ، مشيرين إلى أن صداما متوقعا داخل الحزب الإسلامي في الفترة القادمة نتيجة ارتفاع حالة الغضب من بعض سياسات البشير التي كان آخرها الإطاحة بعناصر محسوبة على الحركة الإسلامية واستعاضها بعناصر أمنية وعسكرية لتشديد القبضة الأمنية على البلاد وهو ما أوقعها في مشاكل كثيرة مع قطاعات سودانية عريضة . كانت عناصر من داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان قد انشقت عنه اعتراضًا على بعض السياسات التي تتبعها حكومة البشير وكونوا ما يعرف بحركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين أحد قيادات الحزب ، بالإضافة إلى مواقف الصادق المهدي رئيس حزب الأمة ومجموعة الراحل حسن الترابي ، وكلهم يختلفون مع حزب المؤتمر الوطني بقيادة البشير في ملفات عدة وطريقة التعامل مع القضايا الخلافية في السودان. فكرة التحركات الخفية داخل النظام الحاكم بالسودان من أجل الانقلاب على الرئيس عمر البشير ، تكرسها تصريحات وبيانات من أحزاب سياسية لفتت إلى ضرورة إعلان من يقف وراء الدعوة للعصيان المدني عن نفسه حتى يمكن التنسيق معهم والعمل على إنجاح تلك الخطوة من خلال ما أسموه ب"التغيير الثوري التراكمي" وإمكانية التعاون بين جميع الفصائل والحركات السودانية بمختلف إيديولوجيتهم من أجل الإطاحة بالنظام السوداني . حيدر ابراهيم المحلل السياسي السوداني أكد أن مشاركة الإسلاميين ضرورية وأن الجميع يدرك الآن ضرورة تنحية الخلافات من أجل الوصول الآمن ، معتبرا أنه لايمكن نجاح أية تحركات بدون مشاركة الإسلاميين لأنهم يملكون مفاتيح كل القطاعات والمؤسسات والتعاون معهم ضرورى لتفكيك النظام البشير. ونفذ سودانيون في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي عصيانا مدنيا، أحدث صدى في الشارع السوداني. وينتظر أن يصل الوسيط الأفريقي، ثامبو امبيكي إلى الخرطوم أواخر الشهر الحالي في محاولة لتحريك جمود التفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة، فضلًا عن المعارضة السلمية، للوصول لاتفاق من أجل ضم تلك القوى لعملية الحوار الوطني. ووفق سفير الاتحاد الإفريقي في الخرطوم محمود كان فإن امبيكي سيصل الخرطوم في زيارة تستمر ثلاثة أيام يلتقي خلالها الرئيس السوداني عمر البشير لبحث القضايا العالقة في إطار خارطة الطريق الإفريقية بعد تعليق المفاوضات الأخيرة في أديس أبابا، والاستماع إلى رؤية ومقترحات الحكومة فيما يتعلق بالدفع بعملية السلام، مشيراً إلى أن زيارة امبيكي تأتي في إطار جهود الاتحاد الإفريقي لإحلال السلام الشامل في السودان، وأن الرئيس النيجيري السابق عبدالسلام أبوبكر سيرافق امبيكي خلال الزيارة وسيلتقي أيضاً عدداً من الأطراف السودانية الأخرى. وجددت الحركة الشعبية قطاع الشمال في بيان، موقفها بتجميد المفاوضات والاتصالات السياسية مع الحكومة، مشترطة أن تكون القضايا الإنسانية قبل السياسة، في استمرار استخدام الحكومة للطعام كسلاح ورفضها السماح بفتح الممرات الإنسانية واستمرار القصف الجوي والمدفعي ضد المدنيين على حد قولها.