دق جرس الموبايل أو تعالت نغماته، ونظرت الصحفية بجريدة الأخبار إلى شاشته التي زينتها بصورة الرئيس مبارك وكان على الهاتف من الجانب الآخر من يبلغها أن تظاهرات التحرير التي من المفترض أن تخرج يوم 25يناير، قد تمتد لمحافظات أخرى. أخبرها بأنها تظاهرات خطيرة هذه المرة، فضحكت تلك الصحفية التي كانت تغطي أخبار الحزب الوطني المنحل وقتها، ووضعت الموبايل أمامها ونظرت لرفاقها، وهي تأخذ نفس شيشة عميق، ويخرج من فمها الدخان فيغطي وجهها البرونزي وشعرها الأشقر، ثم قالت: تصوروا "الولا.... بيقولي فيه ثورة هتحصل"، فقال ياسر رزق: "يبقوا يقابلوني لو عملوا حاجة، حبيب العادلي هيفرمهم".
وبجدية شديدة اشتهر بها، نظر أسامة هيكل إليها وابتسم وصمت، وكان أسامة وقتها مجرد محرر عسكري بصحيفة الوفد ومستشارا لكل من وزير البيئة، والذي كان قائداً عسكريا من قبل، ومسئولا عن صالون الأوبرا.
أما ياسر رزق فكان قد انتهي من كتابة سلسلة مقالات بمجلة الإذاعة والتليفزيون، أنهاها بدعوة الرئيس مبارك لترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة، وقال له: إنك قادر على العطاء فلتستمر يا سيادة الرئيس، بعد أن نشر عدة أعداد من المجلة، وعلى غلافها صورة السيدة سوزان مبارك وأخرى لجمال مبارك .
وقتها كان المشار إليهم، وهم أسامة هيكل وزير الإعلام السابق، وياسر رزق رئيس تحرير صحيفة الأخبار اليومية، وعدد من رفاقهم، يحتسون مشروبات علي إحدى المقاهي، والتي تعودوا على التجمع فيها قبيل الثورة مباشرة، ثورة 25 يناير المجيدة، حين كانوا يجلسون ليشربوا الشيشة وليلوكوا سيرة المجتمع الصحفي والسياسي، ويتدارسوا ما يحدث في وطننا من تداعيات وتفاعلات.
ومن بين ما ما كانوا يتحدثون عنه، تزوير الانتخابات البرلمانية، وسبل حماية الكراسي التي يجلسون عليها، ووقتها كان ياسر رزق قد تم تعيينه حديثاً رئيسا لجريدة الأخبار، وكان لا يزال يحتفظ بموقعه كرئيس لتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون.
وكان وزير الإعلام أنس الفقي، أصدر فور توليه مهام منصبه قراراً بتعيين ياسر رزق رئيسا لتحرير مجلة الإذاعة بعد أن انتدبه من الأخبار، وبعد أن رشحته له عناصر بمؤسسة الرئاسة التي يغطيها مندوباً للأخبار.
أما أنس الفقي فقصة صعوده جاءت كناشر قصص أطفال، من خلال كمين نصبه للسيدة سوزان مبارك، نجح من خلاله في الوصول إليها، بينما كانت تزور إحدى معارض الكتب، حيث انحنى أمامها انحناءة تحبها، وأبدى استعداده للخدمة، معربا عن ولائه الشديد لها وللنظام.
وبدأ الكمين برجاء من الناشر أنس الفقي لمحررة بمجلة الإذاعة كانت تغطي المجلس القومي للمرأة، بأن تبلغه بجدول تحركات سوزان مبارك حتى التقاها، وتم له ما أراد، وبعدها كان يلتقي المحررة بماسبيرو، ويتجاهلها تماما، وهو الذي طالما اتصل بها والتقاها.
وفور قيام ثورة 25 يناير، توقع كل الصحفيين، أن تتم الإطاحة بياسر رزق، وأن يتم إبعاد أسامة هيكل عن عمله مع وزيري البيئة والثقافة بصالون الأوبرا، وتطهير الإعلام بشكل عام، وتطهير الصحافة تحديدا.
ولكن بدلا من حدوث ذلك فوجئ الرأي العام بتصعيد أسامة هيكل إلى موقع وزير الإعلام، واستمرار ياسر رزق في مؤسسة الأخبار، واستمرار حمدي رزق رئيسا لتحرير المصور، وهو الذي طالما سب قوى الثورة، وانحاز لجمال مبارك، إلى جانب كثيرين على شاكلتهم.
وبلا شك كان هذا الاستمرار بمثابة صدمة، تعبر عن فقدان الثقة في المجلس العسكري والحكومة، لاسيما أن ما حدث في الصحافة حدث في قطاعات كثيرة بوطننا.
ومن هنا ترسخ في أذهان الكثيرين أن المجلس العسكري ما هو إلا امتداد لحكم مبارك، وأنه لا يدرك أن في مصر قامت ثورة، وأن ما تبقى من فلول مبارك على علاقة بالمجلس العسكري استمروا مثلما استمر هذا المجلس، ولكن الأكثر قبحاً وانتهازية، أن تلك الشخوص، امتطت صهوة الثورة، وباتت تتحدث باسمها، وتسب مبارك ونجليه وزوجته ليل نهار، ولاسيما ياسر رزق في الأخبار!
أما المحررة اياها، فاستبدلت صورة مبارك بصورة المشير، وأتمنى أن يدرك من لم يدرك بعد، لماذا يصر الثوار على التغيير والتطهير؟