العلاقة بين المبدع وزوجته وأسئلة الحب تثير الفضول في الشرق كما هو الحال في الغرب، ويتجلى في كتب وكتابات هنا وهناك. منذ أن قضت مؤخرا السيدة نهلة القدسي زوجة الفنان والمبدع الموسيقي المصري الكبير محمد عبد الوهاب تستعيد صحف ووسائل إعلام مصرية وعربية طرفا من العلاقة بين الزوجين، وبعض الأحاديث التي أدلت بها الراحلة قبل وفاتها في العاصمة الأردنية عمان وخيوط الذكريات الحميمة مع زوجها الراحل العظيم. فالسيدة نهلة القدسي "كانت تعيش على هذه الذكريات مع رمز من رموز الإبداع المصري والعربي" بعد رحيل "موسيقار الأجيال" في الرابع من شهر مايو عام 1991 والذي كان يصفها على حد قولها "بشيء حلو في حياته وهدية من السماء"، فيما كان يفضل ابتعادها عن أضواء الإعلام وهي التي اعتبرت نفسها بالنسبة له "الأم والأخت والحبيبة والزوجة". وفي حديث أجراه معها الصحفي الكبير مفيد فوزي كشفت السيدة نهلة القدسي أن زوجها محمد عبد الوهاب كان حريصا على أن تسمع "تسجيلات البروفات وكلمات الأغاني قبل تلحينها ويعتز بوجهة نظرها"، موضحة أن "سر وسوسته الفنية الرغبة في الإتقان". وأضافت أن موسيقار الأجيال كان يتحدث طويلا مع المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود عن قضايا الحياة والموت والعبادة الصحيحة، فيما كان يميل للحديث في قضايا السياسة مع الكاتب الصحفي الراحل موسى صبري. وإذ أكدت نهلة القدسي في هذا الحديث أن محمد عبد الوهاب "المنظم كالساعة" كان يسجل بصوته في سنواته الأخيرة مذكراته وأرائه التي اطلع الكاتب والشاعر فاروق جويدة على بعضها، فإنها نوهت بأنه "كان يثق في حس الشاعر الراحل كامل الشناوي" كما سعى للتعرف على المفكر الدكتور لويس عوض واقترب منه. ويقول الكاتب والشاعر فاروق جويدة :"لم تكن السيدة نهلة القدسي مجرد زوجة في حياة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.. كانت رفيقة مشوار ورحلة عمر ومديرة أعمال ومستشارة في كل شئون الحياة.. وقبل هذا كله كانت من أهم الشخصيات في حياة موسيقار الأجيال"، لافتا إلى أنها عاشت بعده تجمع تراثه وأغانيه مع أبنائه ورفاق رحلته الفنية. ووصف جويدة نهلة القدسي بعد رحيلها بأنها كانت "نصف عبد الوهاب الآخر وتحب الفن الجميل وتعشق مصر الكنانة"، موضحا أنه تسلم منها مجموعة من الأوراق الخاصة للموسيقار الراحل التي قدمها بعد ذلك في كتاب "عبد الوهاب وأوراقه الخاصة". وواقع الحال أن العلاقة بين المبدع وزوجته وحال الحب مع المبدع موضوع له أطياف عديدة مثلما يوضح دافيد بارك مؤلف كتاب: "زوجات الشعراء"، وهو كتاب يبحر في البرزخ الفاصل والرابط ما بين الواقع والخيال ويطرح أسئلة كبيرة وهامة. وها هي الكاتبة الصحفية ماجدة الجندي تهز أوتار القلوب بكلمات كتبتها مؤخرا في جريدة الأهرام تناجي بها زوجها المبدع الروائي جمال الغيطاني في محنة مرضه وتقول :"انهض يا مليكي ازح قحط الدنيا وجلافة الحضور انهض ولا تدع ماتبقى من أعمارنا يهرب". وكتاب "زوجات الشاعر" للكاتب والروائي والناقد الأيرلندي الشمالي دافيد بارك يتناول 3 نساء عبر العصور ويمنح القاريء الكثير من المتعة والمشاعر الحميمية والطرافة أيضا، حيث وصف الشاعر الرومانسي ويليام بليك في قصيدة له الزواج بأنه "مركبة تحمل أكفان الموتى"!. ولعل أفضل أجزاء هذا الكتاب الجديد هو الجزء الأول الذي اعتمد على ما كتبته كاثرين زوجة الشاعر ويليام بليك التي سعت لتخليد زوجها بقناع وأن كانت قد أخفقت في أن تحقق حلمه في الأبوة. ومتحف "تيت" اللندني الشهير مازال يعرض بكل الاعتزاز "القناع" الذي أبدعته كاثرين لزوجها الشاعر ويليام بليك فيما اطلق المؤلف دافيد بارك العنان لخياله حول اللحظة التي قررت فيها زوجة الشاعر أن تبدع هذا القناع وتمنحه قبلة الحياة، وبالطبع كيف أقنعت زوجها بوضع الجص على وجهه ثم تغسل الوجه الشاعر بالماء الساخن لإزالة آثار الجص !. والشاعر الإنجليزي ويليام بليك ولد يوم 28 نوفمبر 1757 وتوفي في 12 أغسطس عام 1827 وهو إلى ذلك رسام ونحات فيما اعتبرت أعماله علامة فارقة في الشعر والفنون البصرية للعصر الرومانتيكي. ومن أهم أعماله الشعرية :"أغاني البراءة" و"زواج الجنة والجحيم" و"القدس" و"إلى الخريف"، وقد عانى كثيرا من شظف العيش فيما تميز شهره بحساسية عالية وخلق تفاعل بين الإنسان والطبيعة، ويقول النقاد إن أعماله شكلت حجر الأساس للرومانسية في الشعر فيما كان للشاعر المصري الخالد أمل دنقل أن يصف الخيال الرومانسي بأنه "خيال فيه نوع من التورم السرطاني في اتجاه الانعزال وإقامة عالم ليس له علاقة على الإطلاق بالواقع. ففي الحقبة الستالينية تعرض أوسيب ماندلشتام للنفي وعقوبة الأشغال الشاقة في معسكرات العمل القسري لقصائده المناهضة للديكتاتورية حتى مات في أحدها قرب مدينة فلاديفستوك عام 1938 وكانت زوجته هي التي تمكنت من الحفاظ على شعره المحفور في ذاكرتها ومن بينها دوواينه :"تريستيا" و"الكتاب الثاني" و"آشعار". لاجدال أن رؤية الشاعر أوسيب ماندلشتام تنتمي لما يمكن وصفه بالرؤية الثورية وهي رؤية لا تنفصل فيها الرؤية الجمالية عن القضية الاجتماعية بقدر ابتعادها عن النزعة الرومانسية المثالية التي لم تكن تروق للشاعر المصري أمل دنقل، الذي تساءل ذات يوم ساخرا عن تلك الرؤية الشعرية التي تحتم أن تكون المحبوبة على قسط وافر من الجمال "شعرها ذهبي وعيناها خضراوان وأن يكون لقاؤهما إما في مخدع موشى بالحرير أو في روضة غناء وبساتين". يبحر الشاعر كما شاء في بحار الجمال والهوى برؤية تنبع من ذاته بعيدا عن التصنيفات الجامدة والتقسيمات المدرسية، وحتى على مستوى النثر كما فعل الشاعر والكاتب فاروق جويدة وهو يتحدث عن "العيون" وخوفه من أي امرأة تزوره وهي تخفي عينيها وراء نظارة سوداء..فمهما كانت جميلة ومهما كانت عيونها ساحرة يفضل هذا الشاعر المصري الكبير دائما العيون بلا سواتر وبلا ظلال. وبكلمات دالة ومعرفة بتاريخ القلب يقول فاروق جويدة :"إن النظارة السوداء تجعل بيني وبين العيون حواجز كثيرة..إنها تخفي أشياء وربما كانت تكذب أحيانا وأخطر أنواع الذكاء امرأة اعتادت أن تعلم عيونها الكذب"، معتبرا أنه "حينما ترتدي المرأة النظارة وهي تجلس مع رجل تحبه أو يحبها فهي تحاول أن تخفي شيئا". وقال جويدة: إن "العيون هي المنطقة الوحيدة في الإنسان التي قليلا ما تعرف الكذب، ولكنها إذا عرفته أدمنته فتجد الدموع التي تتدفق بلا مشاعر وترى البريق الذي يحملك بعيدا وتكتشف في النهاية أن المرأة التي أحببتها تخدعك بنظرة بريئة وتكذب عليك في لحظة صمت بقناع كاذب يختلف كل الاختلاف عن ذلك الذي صنعته زوجة محبة لتخليد زوجها . ولا ريب أن الفضول يتزايد كلما ازدادت شهرة المبدع كما يظهر مثلا في فضول الصحافة الغربية حيال حياة الممثل الأمريكي الشهير جورج كلوني في قصر تاريخي يطل على نهر التايمز بالريف الانجليزي مع زوجته المنحدرة من أصل لبناني أمل علم الدين، فيما تنتسب الزوجة بدورها للإبداع باعتبارها كاتبة إلى جانب كونها ناشطة حقوقية ومحامية شهيرة. والمبدع لايحب لحبيبته لحظة حزن أو دموع، الم يقل امل دنقل للحبيبة :"قبليني لأنقل سري إلى شفتيك.. لأنقل شوقي الوحيد لك، للسنبلة للزهور التي تتبرعم في السنة المقبلة قبليني ولا تدمعي" ؟!.