في وقت تتجه فيه السياسة الاقتصادية لتشجيع المنتج المحلى وفتح آفاق جديدة لسوق العمل المحلى في التواجد وتشغيل الأيدي العاملة نجد هناك معوقات عديدة تدمر هذه الوجهة. ففي مدينة المحلة قلعة الصناعة الوطنية في مصر نجد أن مستقبل 1200 مصنع و250 ألف عامل في مهب الريح بسبب الإغراق الكامل للبضائع الصينية ضعيفة الجودة رخيصة الثمن؛ ما يدمر جودة المنتج المحلي ويصيبه بالركود، فضلا عن غياب الغزل لانهيار صناعة وزراعة القطن بريف الدلتا، بسبب عزوف المزارعين عن زراعته لسوء السياسات الزراعية التي انتهجها النظام البائد لتدمير الذهب الأبيض.
يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار الكهرباء وزيادة الضرائب وغياب دعم الصناعة الوطنية ومشاكل أخرى عديدة.
التقينا مع القائمين على أمر هذه الصناعة الرائدة من أصحاب المصانع لنتعرف عن كثب على طبيعة المشكلة وأبعادها، ومستقبل العمالة الضخمة التي تعمل فيها، ومعاناة المدينة الصناعية الأولى في الشرق الأوسط إنتاجا وصيتا وجودة. جذور المشكلة وأبعادها
في البداية أكد أعضاء مجلس إدارة رابطة الصناعات النسيجية بالمحلة أن ما يحدث لمصانع النسيج بالمدينة وتجارتها كارثة خطيرة، فبسبب سياسات النظام البائد ارتفعت التقديرات الجزافية للضريبة المحصلة، فضلا عن التعنت المتعمد مع أصحاب المصانع في سداد الضريبة، وارتفاع قيمة فواتير الكهرباء بالنظام التصاعدي؛ حيث توقفت بعض المصانع لتعثر السداد، في حين تعمل باقي المصانع بثلث الإنتاج والطاقة الفعلية.
كان لعدم تعاون مأموريات الضرائب أو شركات كهرباء جنوب الدلتا مع أصحاب المصانع واستخدام التعسف من أجل الحصول على نسبة عائد، وبالتالي مخالفة القانون وعدم خصم نسبة 10% من أجور التشغيل والعمالة سببا في تدهور هذه الصناعة.
كما أن غياب الغزل المحلي الذي يرفع من جودة المنتج ودخول الغزل السوري والصيني الرديء بعد منحه التسهيلات كان له أثر واضح في إصابة شركة غزل المحلة بمصانعها الضخمة بالاختناق، خاصة مع عدم وجود مخزون قطن مصري كاف داخل مخازنها، بعد تدهور محصول القطن وانخفاض إنتاجية المزارعين الذين تخلوا عن زراعته لانخفاض عائده، وسط غياب واضح لدور الحكومة في دعم هذا المحصول الاستراتيجي.
البضائع المهربة
أحد التقارير الحديثة الصادرة عن النقابة العامة للعاملين بالغزل والنسيج يؤكد خطورة البضائع المهربة إلى الموانئ المصرية، حيث إنها تضيع على الدولة حصيلة الضرائب المستحقة عنها، وتلحق الضرر البالغ بالصناعة الوطنية وتجارة المنسوجات، ما يعرضها إما للغلق أو الكساد، وتشريد آلاف العمال في هذا المجال الصناعي الحيوي.
أسعار الغزل
يشير وجدي عقل صاحب مصنع نسيج بالمحلة إلى أن المصانع تحتاج لتخفيف العبء عنها، ووقف ارتفاع أسعار الغزل التي زادت بنسبة تجاوزت 60% مع زيادة تكاليف الخامات إلى ما يقرب من 30%، لافتا إلى تعاونه مع 15 نوعا من الضريبة ما بين عامة ومبيعات، وزيادة التعبئة والتغليف، والنقل، والكهرباء، ومستلزمات التشغيل، وهو ما أصاب تجارة النسيج في المقتل.
وأوضح عقل أن كثيرين أغلقوا المصانع لارتفاع التكلفة، وضعف السوق الذي يذهب للصيني ضعيف الجودة، نظرا لرخص الثمن مع أنه غالبا ما يكون مهربا ومجهول المصدر.
وأفاد عقل أنهم –أصحاب مصانع النسيج- تقدموا بشكوى لرئيس مصلحة الجمارك؛ بسبب العمليات المتكررة للتهريب؛ خاصة المنتجات الصينية والأسيوية، والتي تتم دون توقف، وتضر بالمنتج المحلي، خاصة في صناعة الملابس والبطاطين والأقمشة المقلدة رخيصة الثمن؛ باعتبارها مواد تأتي بلا ضريبة، وتدخل في غيبة من الرقابة والجمارك، إلا أن الجميع منحهم "ودن من طين وأخرى من عجين".
مقترحات وحلول
أشار عدد من خبراء شركة المحلة للغزل والنسيج ل"محيط" بضرورة وقف الزيادات المستمرة في أسعار الغزل، ومساهمة الدولة في فتح أسواق خارجية لتسويق المنتج المحلي؛ للقضاء على الركود والكساد وأزمة السيولة النقدية الموجودة، مع أهمية تخفيض الضريبة المتعددة، ومراعاة التيسير، وفتح فرص عمل للشباب، وتوفير مستلزمات الإنتاج والتشغيل المحلية بأسعار متناسبة مع الأحوال الاقتصادية الحالية للبلاد، وتشجيع صغار المستثمرين، وإعطاء أصحاب المصانع فرصا لتوفيق أوضاعها، ووقف مهزلة الصيني المهرب الذي يقتل الصناعة الوطنية في وقت تحتاج فيه لمزيد من الدعم والعمل والإنتاج.