هى الحاضرة فمثلها لا يغيب أبداً .. كانت تتطلع علينا بعينيها الضاحكتين و بسمتها المعهودة و فنجان القهوة بين يديها ، لم تكن مجرد صورة ، بل كانت تشع حضورا أكثر من الموجودين ، هى رضوى عاشور " مريمة الأدب " .. الذى احتفى الشاعران الكبيران زوجها ورفيق العمر مريد البرغوثى، و الابن تميم البرغوثى بذكرى ميلادها فى ساقية الصاوى مساء أمس . فى أمسية شعرية مشتركة ، فاضت بالحب و الأمل و هدير الثورة ، امتلأت القاعة عن آخرها ، و دمعت الأعين و هى تستمع لمريد و هو يتحدث عن سيدة قلبه فى قصيدته المطولة والتى حملت اسمها " رضوى " قائلا : "كذلك حبك يدخلنى ويشرق وجه القصيدة " .. " أنا شاعر .. وأنا والشعر لعينيك " ، و الابن و هو يقولها فخراً " أنا ابن رضوى عاشور " . " رضوى أبعد ما تكون عن الحزن و اليأس " هكذا وصفها مريد قائلا أنها أحبت الوطن و شبابه ، و كانت تردد أنا أعرف هذا الجيل و درست له ، كانت ترى فيهم الأمل ، و مع ثورة 25 يناير رأت أن رهان العمر قد توج ، و قبل أن ترحل رأت الانكسارات ، و لكنها أبدا لم تيأس و ظلت على تفاؤلها بمستقبل هذا البلد . وقال مريد البرغوثى " هذا ليس يوماً للبكاء ، هذا اليوم لنشعر بأننا قادرون مهما ظهر أننا ضعفاء " ، و " نحاول بحضوركم أن نقدم مساءً للحب وليس اليأس". "خير طريقة لتذكر من رحلوا هو القيام بعملهم " كانت تلك كلمات الإعلامية دينا عبد الرحمن مقدمة الحفل ، و التى أكدت أنه جد متعب أن نسير على خطى السيدة و لكن أقلها إلا نيأس كما تعودنا منها ، واستعادت موقف جمعها برضوى عندما ذهبا لبنها خصيصا لمساندة فتاة مجلس الوزراء التى سحلت و ضربت ، و كانت سببا فى خروجها من محبسها و عودتها للحياة . و استعادت الإعلامية كلمات رضوى عاشور فى " أثقل من رضوى " : " نمقت الهزيمة لا نقبل بها فإن قضت علينا نموت كالشجر واقفين " ، و " هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا ". ووقع الشاعران آخر أعمال رضوى عاشور التى تم كشف النقاب عنها فى ذكرى ميلادها " الصرخة " الكتاب الذى بدأته عام 2013 و لم يمهلها القدر لتكمله ، كى يكون الجزء الثانى من مذكراتها "أثقل من رضوى" . و قال مريد البرغوثى : لم تتمكن من إكماله، تركناه كما هو، وهي التي اختارت عنوانه واختارت أيضاً لوحة الغلاف المسماة الصرخة للفنان النرويجي إدفارد مونتش . و أكد الشاعران أن الكتاب نشر كما تركَتْهُ بدون تعديل أو تدخل ، كما أعادت الشروق نشر طبعات جديدة من رواياتها الأولى " حجر دافئ " ،و " الرحلة " و " رأيت النخل " ،و " خديجة و سوسن " . فى حضرة رضوى فى حضرة رضوى ، ألقى مريد لأول مرة قصيدة " رضوى " كاملة ، تلك القصيدة المطولة التى نشرت على ثلاثة أجزاء فى مجلة " الكاتب " عام 1973 ، و قال مريد : " لم ألقيها يوما كاملة ..و الآن جاء وقتها " . و نقرأ مقتطفات من قصيدة " رضوى " : إنى أقرأ فى عينيك الزمن القادم ولهذا أتحمل عبء حياتى نشوان وظهرى يرزخ تحت الأحمال أبتسم وإن ساءت كل الأخبار وأسير وفى ظهر الخنجر فأنا أومن أنى قادر .... أنا يا رضوتى الراعى الذى مزماره القصبى لا يتعب أغنيك عتابًا، ميجانًا، شعرًا أسميك وحقلاً لليمامات الصغيرة تطلعين الزاد للأغنام الرعيان هل لى أن أساويك سوى بالبيت والوطن الذى تعطيه كى يزهو فيعطيك .... عيناك. تطول حكاية عينيك فرس أطلقها البرق من الشرق لمحتنى، حملتنى عبر التاريخ إليك فسكننى شعر الورد وشعر النذر .. يا زوجتى الغائبة بعيدًا أتوهم فى ليلى أن النوم عميق لكنى أستيقظ كل صباح عند الفجر فتطل مع الفجر قصيدة تسألنى عنك لا أبكى .... يا رضوى الغائبة بعيدًا بعد البحر ها نحن حملنا باقات الورد الأحمر وتوزعنا فى كل مداخل بلدتنا ننتظر خطاك صوت صهيل حصانك وجهك يبزغ شمسًا فوق الزرع الطالع يا رضوى الزرع الأخضر طفل القمر الأحمر طفل والعالم طفل فتعالى ها نحن توزعنا فى كل مداخل بلدتنا ها نحن حملنا باقات الورد الأحمر. بينما قال تميم يرثيها : رضوى عاشور يا فلسطينية مصرية .. خطوط جبينها وخطوط كفيها حُرية ، و يناجيها " خذينى جنبك أبوس إيدك يا تاج الراس " فى قصيدة " لم قفل الكون فجأة " : رضوى عاشور اقتراح بوجود بشر أحسن بسمتها بتقول يا ناس جربتها وأمكن لو يخذلوها أشوف وش الصباح يحزن وأبوس أيديها أشوف أيد الصباح تنباس و تعالت صيحات التصفيق و هو يقول : يا أمي يحيا الحزام الناسف العادل يا أمي بيسوي بين القتلى والقاتل يا أمي ويريح الاتنين من الباطل ويشرّب اللي سقونا المُر نفس الكاس السلطة تشبه شعارها نسر واخد قلم كما قرأ مريد قصيدة بعنوان "طال الشتات" : "أنتِ جميلة كوطن محرر وأنا متعب كوطن محتل أنتِ حزينة كمخذول يقاوم وأنا مستنهض كحرب وشيكة أنتِ مشتهاة كتوقف الغارة وأنا مخلوع القلب كالباحث بين الأنقاض أنتِ جسورة كطيار يتدرب وأنا فخور كجدته أنتِ ملهوفة كوالد المريض وأنا هادىء كممرضة أنتِ حنونة كالرذاذ وأنا أحتاجك لأنمو كلانا جامح كالانتقام كلانا وديع كالعفو أنت قوية كأعمدة المحكمة وأنا دهش كمغبون وكلما التقينا تحدثنا بلا توقف، كمحامييْن عن العالم". ثم قرأ بعدها تميم قصيدته " اتوضأ من قبل الكتابة و اسمى " : اتوضا من قبل الكتابة واسمي واكتب قصيدة عن ابويا وامي ... رضوى ومريد حرم القصايد ليها هيبة دخلتو مريم وفي ايديها الوليد الشامي ثم المصري والشعر في مشهد ميلادي نخلتو خايفة وحوش الانس ابويا ونظرتو مستأنسة بنظرة عيون أمي الوحوش غزلان على نبع الهوى ورادة وعليها قانون الزمن ما يسري يا نسمة مرت في محل حدادة يا مدح ابويا وامي مر في صدري تشفي الحديد من نار لكن ما تبردوش لأجل الحديد الحر يفضل محمي اتوضا من قبل الكتابة واسمي وابويا قال للشعر يجري ورايا ف جري وعملي كمين في كل مراية فيهم اشوف رضوى ومريد راسميني اجمل من اللازم ومن الممكن كما قرأ مريد أيضا قصيدة ل "رضوى " من ديوانه " طال الشتات " ، قائلا : على نَوْلِها في مساءِ البلادْ تحاول رضوى نسيجاً وفي بالها كلُّ لونٍ بهيجٍ وفي بالها أُمّةٌ طال فيها الحِدادْ ومع " قالولى بتحب مصر " قالها تميم مفتخرا " أنا ابن رضوى عاشور " ، و نقرأ من القصيدة : قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف لكني عارف بإني ابن رضوى عاشور أمي اللي حَمْلَها ما ينحسب بشهور الحب في قلبها والحرب خيط مضفور تصبر على الشمس تبرد والنجوم تدفى ولو تسابق زمنها تسبقه ويحفى تكتب في كار الأمومة م الكتب ألفين .............. "أمي وأبويا التقوا والحر للحرة شاعر من الضفة برغوثي وإسمه مريد قالولها ده أجنبي، ما يجوزش بالمرة قالت لهم يا العبيد اللي ملوكها عبيد من إمتى كانت رام الله من بلاد برة يا ناس يا أهل البلد شارياه وشاريني من يعترض ع المحبة لما ربّي يريد". و قرأ علينا مريد قصيدة مفرحة تحبها رضوى ، بعنوان "غمزة من عينها في العرس" : غمزة من عينها في العرس و"انجن الولد" وكأن الأهل والليل وأكتاف الشباب المستعيذين من الأحزان بالدبكة والعمات والخالات والمختار صاروا لا أحد وحده اللويح في منديله يرتج كل الليل". ثم قرأ تميم قصيدته "يا هُبَلْ إسمَكْ يِضَحَّكْ " : يا هُبَلْ والكاْرْثَة كُهَّانَكْ بِيِشْتَغَلُوكْ أكيد هُمَّ اللى سَمُّوكْ، بِاسْمَكِ التُّحفَة مَاْ بِينِ الآلِهَة لازم مُؤامرة أو مُغَامْرَة مِن وَلَدْ كَاهِنْ صُغَيَّرْ شَكْلُه كَانْ فَاقْسَكْ وِكَان حَابِبْ يِهَزَّرْ يا هُبَلْ وده إسم ده ينفع فِى صُحبة آلهة وِمْلُوكْ؟! أَكِيدْ بَدَلُوكْ وِغَشُّوكْ فِى البَدَلْ بعدين ياْ عَمِّى بْيِسْتَغِلُّوك مِنْ وَرَاكْ اللحْمَة يَاْكْلُوها وْكَمَانِ الكِسْوَة يَاْخْدُوها وْفُلُوسْ مَلايينْ، مِن القَرَابِينْ بنوا بيها قصور عَالْيَة وَسَاْبُوكْ قَاعِدْ إله مِنْ طينْ وَلَكِنْ سَاعِة الأزمةْ على هُودَجْ حَدِيدْ يِشِيلُوكْ وتِتِشَحْطَطْ وِتِتْبَهْدِلْ بِلا لازمةْ يروحوا يِقْتِلُوا بْإِسْمَكْ أُمَمْ وِيْحُطُّوا صُورْتَكْ عَ العَلَمْ وِاْنْتَ تِجِى لَكْ بِالبَكَمْ مَا هَا اْقُوْلْ لَكِ إيه! وَاحِدْ صَنَمْ! وِمَعَارِكْ الكُهَّان لِصَالْحَكْ حتى لو كُهَّانْ قُلَلْ شوف أكل عيشك يا هُبَلْ وِاْعْرَفْ مَصَالْحَكْ و قرأ مريد من قصيدة " منتصف الليل " : أيها الأعداءُ "شَيءٌ ما" يُثيرُ الشكَّ فيكُمْ كُلُّ ما في جَبَلِ الأوليمبِ من آلِهَةٍ مَعَكُمْ تتلقّى الأمرَ مِن شَهْواتِكُمْ تَرْمي إذا تَرْمونَ والأرضُ كما شِئْتُمْ تدورْ و ختم تميم مع قصيدة " بيان عسكرى " ، قائلا : أيها الموت نيتنا معلنة إننا نغلبُكْ وإن قتلونا هنا أجمعينْ أيها الموت خف أنت، نحن هنا، لم نعد خائفين.