تمر اليوم الذكرى الثالثة على رحيل الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية، التي ولدت في 22 يوليو عام 1939، وتوفيت إثر سكتة قلبية في 17 مايو عام 2012، عن عمر يناهز 73 عاماً. اسمها الحقيقي "وردة فتوكي"، ولدت في فرنسا لأب جزائري ينحدر من ولاية "سوق اهراس" ببلدية "سدراته" بالجزائر، وأم لبنانية من عائلة بيروتية تدعى "يموت". البداية بدأت وردة الغناء في فرنسا بتقديم الأغاني للفنانين المعروفين في ذلك الوقت مثل: أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، أسمهان، عبد الحليم حافظ، كما كانت تغني لكبار الفنانين الفرنسيين آنذاك من بينهم: اديت فياف، وشارل ازنافور، وكان لها القدرة الكبيرة على التقليد والحفظ وهي في سن صغير. أشرف على تعليمها المغني الراحل التونسي "الصادق ثريا" في نادي والدها في فرنسا، ثم بعد فترة أصبح لها فقرة خاصة في نادي والدها، ثم قدمت أغاني خاصة بها من ألحان "الصادق ثريّا"، وعادت مع والدتها إلى "لبنان"، وكانت وردة تكتب الأغاني العربية بالأحرف اللاتينية ذات الوقت، ثم تتدرب على قراءتها ودندنتها بعد سماعها عدة مرات. في سنة 1959 غنت وردة للسوريين في نادي ضباط سوريا، وبعدها شاركت في حفل "أضواء دمشق" حيث غنت "أنا من الجزائر.. أنا عربية"، وكان يغني في نفس الحفل الذي يذاع مباشراً على إذاعة عربية، وديع الصافي، وشادية، وعبد المطلب؛ فنالت أغنية وردة إعجاب الجمهور العربي. دعاها بعد ذلك المنتج والمخرج "حلمي رفلة" عام 1960م لتمثل وتغني في أولى بطولاتها السينمائية "ألمظ وعبده الحامولي" الذي غَنَّتْ فيه "روحي وروحك حبايب"، و"اسأل دموع عينيه"، ثم طلب رئيس مصر الأسبق"جمال عبد الناصر" أن يضافَ لها مقطع في أوبريت "وطني الأكبر". فترة اعتزالها اعتزلت وردة الغناء لعشرة سنوات بعد أن تزوجت من "جمال قصيري" وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري؛ وذلك كي تتفرغ لبيتها حيث أنجبت ابنها رياض وبنتها وداد. ثم طلبها الرئيس الجزائري"هواري بومدين" كي تغنيَ في عيد الاستقلال العاشر لبلدها عام 1972م، بعدها عادت للغناء فانفصل عنها زوجها، وعادت إلى القاهرة، وانطلقت مسيرتها من جديد، ثم تزوجت الموسيقار المصري الراحل"بليغ حمدي" لتبدأ معه رحلة غنائية استمرت رغم طلاقها منه سنة 1979م . في عام 1975 غنت أغنية "أوقاتي بتحلو" في حفل فني مباشر، من ألحان "سيد مكاوي"، وكانت أم كلثوم تنوي تقديم هذه الأغنية لكنها ماتت، وكانت هذه الأغنية بمثابة بداية نجومية وردة. غنت على ألحانهم تعاونت وردة الجزائرية مع كبار الملحنين، من بينهم محمد عبد الوهاب، الذي غنت من ألحانه "بعمري كله حبيتك"، كما تعاونت مع رياض السنباطي، محمد القصبجي، فريد الأطرش، محمد الموجي، كمال الطويل، وحلمي بكر. والملحن "صلاح الشرنوبي" الذي قدمت معه ألبوميها الأخيرين "بتونس بيك" و"حرمت أحبك". أما الملحن الكبير بليغ حمدي فقد كون مع وردة ثنائي فني صعب أن يتكرر في هذا العصر، فقد غنت على ألحانه عدد كبير من أغانيها الرائعة التي مازال يتغنى بها الجمهور، بل والمطربين أيضا اللذين أرادوا استعادة التراث في توزيع جديد، كما أن زواجها من الملحن الراحل الكبير لفترة استمرت سبع سنوات وقصة الحب الشهيرة التي جمعت بينهما جعلها تفوز بأجمل الأغاني في فترة عمالقة الغناء، حتى بعد أن تطلقا ظلت تغني على ألحانه. ومن بين ما غنت لبليغ حمدي: "يا أهل الهوى"، "اسمعوني"، "ايه ولا ايه"، "أولاد الحلال"، "معندكش فكرة". الأفلام وشاركت وردة في العديد من الأفلام منها: "ألمظ وعبده الحامولي" وكان يشاركها البطولة كل من عادل مأمون ورشدي أباظة. "آه ياليل يازمن" الذي غنت فيه "ليالينا"،"حنين"، " ليل يا ليالي". وفيلم "أميرة العرب". "حكايتي مع الزمان". "صوت الحب" الذي غنَّتْ فيه "العيون السود"، "مالى"، "مستحيل"، "اشترونى"، و"فرحانة". ومن المسلسلات التي شاركت فيها: "أوراق الورد" وشاركها البطولة الفنان عمر الحريري. "آن الأوان" من تأليف يوسف معاطي وإخراج أحمد صقر. أغاني ومن الأغاني الخالدة التي قدمتها وردة: "مالي"، "أوقاتي بتحلو", "أحبابنا يا عيني", "مقادير", "مادريتوش"، "بودعك"، "ماتعودناش"، "أوراق الورد"، "اسمعوني". الأزمات في مطلع الستينات وأيام الوحدة بين مصر وسوريا تعرضت وردة لأزمة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؛ حيث يقال أن المشير عبد الحكيم عامر الحربية وقتها كان عائدا لدمشق بعد رحلة إلى مصيف بلودان، وفي الطريق، كانت وردة الجزائرية في طريقها إلى دمشق ولكن سيارتها تعطلت فأمر المشير بتوصيل السيدة إلى المكان الذي تريده، وكانت وردة حينئذ غير معروفة في مصر ولكنها عرفت بنفسها أثناء الحديث وألحت أن ينقل للمشير رغبتها في مقابلته لتقدم الشكر له. وحضرت وردة الجزائرية بالفعل إلى استراحة المشير عبد الحكيم عامر في منطقة أبو رمانة بدمشق، وكان اللقاء في وضح النهار ولم يكن المشير وحده وإنما كان معه في الاستراحة أنور السادات واللواء أحمد علوي وعبد الحميد سراج؛ فوصل تقرير سري لهذه المقابلة إلى مكتب الرئيس عبد الناصر، وانتشرت الإشاعات وقتها بوجود علاقة بين وردة وبين المشير. وزادت حدة الشائعات لأن وردة ذاتها انتهزت فرصة لقائها بالمشير عامر وحاولت استغلالها لصالحها بعد مجيئها للقاهرة وبدأت توهم المحيطين بها بأنها على علاقة بالمشير وأنها تتصل به هاتفيا. وكانت وردة في بداية مشوارها الفني بالقاهرة وراحت تستخدم أسلوب الترغيب والترهيب حتى يتقرب منها أهل الفن فربما يتعرفون على المشير وينالون رضاه من خلالها وأن تخيف كل من يعترض طريقها بعلاقتها المزعومة بالمشير. أدى هذا إلى قيام أجهزة المخابرات بالتحقيق حول هذه الشائعة ومصدرها حتى اتضح أن وردة ورائها. مما أدى إلى صدور قرار بإبعادها خارج البلاد ومنعها من دخول مصر. ولم ترجع إلى مصر إلا في مطلع السبعينيات خلال حكم الرئيس السادات. قالت وقالت وردة عن الزمن الجميل: "أيام جميلة جدا وحكايات تمر أمامي وكأنها بالأمس, لكن للأسف أحاول أن أبحث عن بليغ وعبد الوهاب ورشدي أباظة وأصدقائي، لكني لا أجدهم، أحزن وأتأثر كثيرا وأعود لأغني حتى أفرغ ما في قلبي من أحزان على فراقهم". فترة المرض خضعت وردة لجراحةٍ لزرع كبد جديد في المستشفى الأمريكي بباريس وذلك في بدايات مشوارها الفني، ولكنها مثلت للشفاء وكانت تنافس نجوم طرب الوطن العربي في تلك الفترة. الجنازة وفي يوم 17 مايو توفيت وردة إثر سكتة قلبية في بيتها بضاحية "المنيل" في القاهرة، وشيعت جنازتها من مسجد صلاح الدين بحضور عدد كبير جدا من النجوم، منهم محمود ياسين، هاني شاكر، ومدحت صالح، وقد غطى جثمانها بعلم مصر والجزائر، ثم تم دفنها بالجزائر حيث أرسل لها الرئيس الجزائري طائرة خاصة لنقلها إلى الجزائر، كما دفنت وردة في جنازة رسمية، حيث اصطفت فرقة من أعوان الحماية المدنية في مدخل المقبرة لتأدية التحية الرسمية للراحلة.