- ثورة يوليو أسست للديكتاتورية العسكرية..وشوهت أسرة محمد على - إهمال الثقافة العلمية " كارثة " .. و تزوير الأبحاث أصبح " علنى " - " الصحافة " هى من قتلت القصة .. و التاريخ ليس أكذوبة بكامله عندما يصبح القبح هو السائد و المعتاد ، و تختفى قيم الجمال ، و تصبح هى الغريبة فى هذا الزمان ، علينا أن نأخذ وقفة لنعى ما يحدث ، فلم يعد السجن قضبانا حديدية و زنزانة ، فالجهل سجن ، و الفقر سجن ، و الفساد والقبح سجن ، لنجد أنفسنا داخل سجونا عديدة ، جعلت من الوطن سجنا أكبر . و فى لقاء شبكة " محيط " مع الكاتب محمد العون ، حول أحدث رواياته " سجن الطاووس " الحائزة على جائزة اتحاد الكتاب ،التى حملت بين صفحاتها إدانة للأوضاع ، و ما آلت إليه نتاج التغييرات العاصفة فى الحياة المصرية ، كان لنا هذا الحوار : لماذا اخترت " سجن الطاووس " عنوانا لروايتك ؟ " الطاووس" كما هو رمزا للغرور ، فهو رمزا للجمال ، و التيمة الأساسية التى تصاحبنا طوال الرواية هى الصراع بين الجمال و القبح ، لتصبح قيم الجمال فى حالة حصار من الفساد السياسى و الثقافى و الجهل والفقر و مظاهر القبح على اختلافها ، لتضعنا فى النهاية داخل " سجن الطاووس" . هل القصر المتنازع عليه فى الرواية رمز للوطن ؟ لا أحب استخدام الرموز للتعبير عن الوطن ، فالقصر لا يمثل الوطن ، بل حالة الفساد المتفشية و التى تعد معنى من معانى القبح ، و الذى يتجسد فى الرواية من خلال " القصر " الذى نالته إيدى الإهمال رغم تبعيته للدولة ، لتجسد لنا النزاع البيروقراطى الموروث بين عدة وزارات جعلته نهبا للفوضى و الفساد . الرواية واقعية و تدق ناقوس الخطر ، و هذا ما يقوم به الأدب ، يطلق رسائل تحذيرية لينبه المجتمع ، فجوهر الرواية يركز على تصاعد الفساد فى المجتمع ، و انتصار الفساد ، فى حين ينهزم الشرفاء فى النهاية و يجتاحهم القبح . حملت الرواية منحى فنتازيا أيضا ، حدثنا عنه ؟ " سجن الطاووس " تبحر بين الفنتازيا و الواقعية ، فتثير الخيال الشعبى بأساطير القصور المسكونة ، و تصطدم بالواقع فتكشف التحولات العاصفة التى طرأت على المجتمع المصرى ، و انحدار قيم الجمال ، و تفشى ظاهرة القبح ، من فساد و فقر و جهل . و فى عرضى لتاريخ و حكايا القصور و أصحابها ، و كيف أصبحت تلك القصص أساطير بين الأهالى ، أردت أن ألقى الضوء على تركيبة الرؤية فى التاريخ للشئ الواحد ، فبعد مرور 50 عاما أو أكثر ، و انتقال الحكاية من شخص لآخر ، قد تتكون حكايات لا أصل لها بالحقيقة . هل تصدق مقولة نابليون بونابرت " التاريخ مجموعة أكاذيب متفق عليها " ؟ التاريخ ليس أكذوبة بكامله ، هناك حقائق مؤكدة مثل الانتصارات و الهزائم ، أما الاختلافات فتتعلق بالأشخاص ، و هذا يدعونا للتأمل فى الكتب التاريخية ، التى تختلف نفسها فى قراءتها للحدث الواحد . ماذا عن شخصيات الرواية ؟ الرواية تعرى خبايا النفس البشرية ، فالأميرة و الرسام و حكايا قصورهم مثلت التاريخ و الأسطورة فى عقول الناس ، و السائق رزق كان الرابط بين عوالم الرواية المختلفة ، و ممدوح الدكتور بمركز البحوث ، و شخصية مهندس حدائق القصر هما المفاتيح التى نستكشف من خلالهما الفساد فى القصر و مركز البحوث ، و سلومة البلطجى مثل ثقافة و ظاهرة سلبية بالمجتمع المصرى . المكان كان بطلا أساسيا فى العمل ، حدثنا عنه ؟ قصر الأميرة ، و فيلا الرسام أبطال الرواية كالأشخاص ، و من خلالهم أردت أن ألقى الضوء على ما يحدث للقصور التاريخية و إهمالها و هدمها و سيطرة الخارجين على القانون عليها ، مثل ما تعرضت له فيلا أم كلثوم من إهمال ، و سيطر عليها البلطجية حتى تم هدمها و إنشاء فندق محلها . ففيلا الرسام كانت تحفة معمارية و عمل فنى و ليس مكان للسكن فقط ، و هى تجسيد للعمارة الجميلة التى تميزت بها مصر ، و تصور الزحف التدريجى للعشوائيات ، لتصبح الفيلا كيان شاذ وسط محيط من القبح . أنت مهندس زراعي ويبدو أثر مهنتك بالرواية. قصر الأميرة فى الرواية حوله مزرعة نموذجية تبلغ مساحتها مائة فدان ، و كونى مهندسا زراعيا ، أفادنى فى السرد عن الزراعة و أساليبها و أضرار المبيدات التى تصل لحد السمية ، و الزراعة الحيوية التى تنتج منتجات طبيعية تماما بلا كيماويات ، لألقى الضوء على فساد المسئولين ، فىتلك الحديقة كان يذهب محصولها لكبار رجال الدولة و الوزراء ، و يتم تصدير باقى المحصول للخارج ، و لم تكن ثمارها متاحة للناس ، و هو الأمر الذى شاهدناه فى عهد مبارك ووزير الزراعة يوسف والى . هناك تحذيرات عالمية ضد استخدام المبيدات ، و تقنيات الزراعة الحيوية رغم ان انتاجها قليل و لكن المنتج النهائى صحى تماما ، و لكن للأسف هم يختارون المحصول الوفير على حساب الصحة . و الفلاح لا ذنب له فهو يقع تحت ضغط مهول من زيادة الأسعار البشعة ، و هو غير مدرك لمدى خطورة المبيدات فهو نفسه و عائلته يأكلون من المحصول ، فهو يستخدم المبيدات نتاج جهل و نقص وعى ، و تلك خطوط هامة تعرضت لها فى روايتى ، و إهمال الثقافة العلمية " كارثة " لأنها تؤثر على حياتنا بشكل كبير . تعرضت فى روايتك لمشاكل البحث العلمى فى مصر ، فكيف تراها ؟ من خلال الأطباء الثلاثة فى الرواية ندخل لعالم البحث العلمى ، و تعرضت فى روايتى لظاهرة واقعية ،و هى سرقة و بيع الأبحاث العلمية و بحوث الترقية ، الأمر الذى يحدث بشكل " علنى " فج ، ليفقد الرسائل المصرية مصداقيتها ، و فى الخارج لا يعترفون بها . لماذا تركت عملك ؟ تركت وظيفتى فى وزارة الزراعة بمركز الأبحاث ، و لكن مازلت مهندس زراعى ، و لدى مزرعتى الخاص ، و كنت أحضر رسالة الماجستير ، و لكنى فضلت ترك البحث العلمى لاتجاهى للأدب ،و ليس للتزوير السائد . حدثنا عن بداياتك الأدبية ؟ كنت أحب القراءة منذ صغرى ، و هى هوايتى الأثيرة و من أساسيات الحياة ، و نجيب محفوظ و يوسف إدريس و ديستوفيسكى و همنجواى أكثر من أثروا بى . و لكنى بدأت الكتابة مؤخرا ، و كثرة القراءات ولدت لدى الرغبة فى الكتابة ، و كان حظى مع الرواية أفضل من القصة . ماذا شعرت عند تكريمك بجائزة الدولة التشجيعية فى الآداب عن روايتك " مولانا" ؟ الجوائز أمر محفز و جيد للكاتب . هناك العديد من الأعمال تناولت الملك فاروق ، فما المميز فى " مولانا " ؟ إذا لم يكن لدى جديد لم أكن لأكتب ، رواية " مولانا " تحكى عن الملك فاروق و أسرة محمد على ، ووقع اختيارى على فاروق ، لأنه يعد نقطة تحول فى تاريخ مصر ، و شخصه و عهده يحمل أكثر من رؤية ، وبسبب التشويش الذى حدث بعد ثورة يوليو ، و محاولات تشويه تاريخ مصر قبل الثورة ، و أسرة محمد على و تصويرهم على أنهم ظلمة و مفسدين ، و لكن لمن يطلع يجد أن كل ما هو جميل فى مصر حدث فى هذا الزمن و منها منطقة وسط البلد و التى شيدها الخديوى إسماعيل ، و الفن فى فترة الثلاثينات و الأربعينات لا يمكن أن يخرج بهذا الشكل فى ظل القمع . كونت من خلال ذلك وجهة نظر فى الرواية يمكن للقراء الإطلاع عليها من خلال العمل ، متناولا حياة فاروق حتى رحيله عن مصر و كيف أن شخص واحد أثر على بلد بكاملها بسلوكه و استهتاره ، و تلك مأساة " الحكم الفردى " ، و لكن ذلك لا يعفى ثورة يوليو التى أرادات هدم كل ما قبلها ، و أسست للسيطرة العسكرية على الحكم و الاستبداد . هل تلتزم بخط معين فى مشروعك الروائى ؟ مشروعى الأدبى يعتمد عل إلحاح الفكرة ، و نضجها مع الوقت ففى رواية " مراكب الليل " تحدثت عن المهاجرين ، و قد أعددت ملف كامل من الجرائد عن الحدث ،و أنا احضر لها ألحت عليا فكرة " مولانا " فكتبتها أولا ثم أكملت مراكب الليل . و " سجن الطاووس " أتتنى فكرتها عندما قرأت بعض الأخبار عن قصور الريف ،و قمت بعمل مأموريات مشابهة للموجودة فى الرواية ، و هكذا تولدت فكرة الرواية بذهنى ، و قد استغرق منى كتابتها عام و نصف تقريبا ، و " مولانا " قرأت كل ما كتب عن الملك فاروق و هذا ما استغرقنى أعواما طويلة قبل الشروع فى كتابتها ، أما زمن كتابتها فكان عام واحد فقط . قلت أنك لم توفق فى القصة القصيرة ، فهل تشعر أنها مظلومة على الساحة الأدبية ؟ القصة القصيرة أصبحت كتابتها مهينة للكاتب ، عندما يعرضها على الصحف و المجلات لنشرها ، رغم أنه يقوم بذلك مجانا ، و لكنه يقابل بالترحيب حينا و بالإهمال أحيانا أخرى ، و الناشر لا يرضى بنشر المجموعات القصصية إلا إذا نشرت على نفقة صاحبها لأنها لا تباع ، و فى رأى أن " الصحافة " هى من قتلت القصة ، و القارئ لا ذنب له فهى الاتجاهات التى يفرضها عليه السوق .