البحيري يعيد تساؤلات قديمة .. وينتهك إبداع الفكر الإسلامي بلا دراية مؤسسة الأزهر بحاجة ماسة لأحجار تلقى في "الماء الراكد" استدراج الأمة لقضايا خلافية ثانوية يؤجج التطرف والثنائيات هل المناظرة التي جرت بين إسلام البحيري وكل من دكتور أسامة الأزهري والحبيب الجفري , يمكن أن تجعلنا نشعر بأي نوع من التفاؤل بخصوص قضية تجديد الخطاب الديني ؟ الإجابة مع الأسف : لا . هكذا يؤكد الشاعر ياسر أنور بتصريح ل"محيط" أنه لا البحيري استطاع أن يقدم فكرا جديدا وعصريا قائما على أدوات منهجية علمية , ولا كلا الشيخين الجليلين استطاعا أن يحسما المناظرة لصالحهما , وهذا ليس عجزا ولا قصورا منهما , ولكن لأن طبيعة القضايا المطروحة , وهي قضايا قديمة جديدة , لم تحسم على مر العصور , ولن تحسم , لأنها لا تنتمي إلى ذلك النوع من القواعد الكلية التي يمكن أن يبنى عليها أحكام عامة , بل هي مجموعة متناثرة من الصور الجزئية التي تحتل فيها الرؤية الشخصية ووجهات النظر مكانا بارزا . ولهذا يرى "أنور" أنه ربما كان ذلك هو السبب وراء الانقسام والاستقطاب الواضح في الرأي العام في تقييم النتيجة بين فريقين , أحدهما ينحاز للبحيري , والآخر ينحاز للشيخين , ( دون أن يكون هناك رأي وسط ) . ويصف الشاعر الأمر بانه إعادة إنتاج لتلك الثنائية الحادة والمتطرفة , إما معي أو ضدي , وبطريقة أخرى فإن ذلك الانقسام لم يكن قائما على الناحية الموضوعية والحيادية ,فقط بل إن التحيز الفكري والأيدلوجي والسياسي المسبق , كان هو الدافع الأساسي لذلك الاستقطاب الذي حدث في تقييم تلك المناظرة , أي أن النتيجة كانت معروفة قبل بدء المناظرة , فالتيار المحافظ سوف ينحاز إلى الفكرة المؤسسية القائمة على منظومة (الثوابت ) , والتيار العلماني سوف ينحاز إلى المتغيرات , على الرغم من أن القضايا المطروحة لا تنتمي إلى الثوابت والمتغيرات بأي وجه من الوجوه . آراء البحيري دون استثناء قد طرحت ونوقشت في عصور مختلفة , ونستطيع أن نضيف إليها قضايا أخرى كثيرة من هذا النوع الجزئي مثل قضية الناسخ والمنسوخ , وعذاب القبر , و هل القرآن مخلوق أم لا , والأسماء والصفات , وغير ذلك من القضايا الثانوية الخلافية التي تؤدي في النهاية إلى إحداث تطور حقيقي في منظومة العقل العربي لكي يتجاوز مأزقه الحضاري الحالي . من ناحية أخرى – يواصل الشاعر تصريحاته - فإن كلا الشيخين لم يكن لديهما جديد في الردود , وتم استدراجهما من خلال البحيري , ومقدم البرنامج إلى تلك القضايا الجزئية المكررة , كما لم يشيرا إلى أن كل ما طرحه البحيري , سبقه إليه كثير من العلماء على مر العصور , دون أن يعني ذلك انتهاك المنظومة العلمية الفقهية والحديثية بشكل عام . وينتقد ياسر أنور تشبيه الأزهري للبحيري , بأنه سيد قطب جديد , وهو أمر فيه تجاوز كبير , إجحاف لسيد قطب , فعلى الرغم من أن الخلاف الشديد حول أفكار سيد قطب , فإنه كان مفكرا مجددا , ويكفيه ما أبدعه في نظريته حول التصوير الفني في القرآن .أما البحيري فإنه ينطلق من منظور مختلف وهو انتهاك الحقل المعرفي التشريعي الذي أبدعه الفكر الإسلامي على مدار قرون . وفي النهاية يلفت أنور نظر المؤسسة الدينية الرسمية لضرورة أن تدرك جيدا أن المنظومات المغلقة على نفسها , لا يمكنها أن تنتج جديدا , لأنها قائمة على الحفظ والتلقين , وأنه لابد من فتح الباب لمن هم خارج تلك المنظومة المغلقة لكي يلقوا حجرا في الماء الراكد . إن المنظومات المغلقة لا تستطيع أن تدرك أخطاءها , وهو ما أكده عالم الرياضيات النمساوي "جودل"