استقرار سعر الجنيه المصري أمام عملات دول بريكس بعد قمة أكتوبر 2024    حقيقة زيادة المعاشات، مصدر يجيب    «العمل» تُحذّر من التعامل مع الشركات والصفحات الوهمية: أبلغوا عنهم فورا    السيسي يشارك اليوم في قمة بريكس ويستعرض رؤية مصر إزاء القضايا المهمة دوليًّا وإقليميًّا    الجيش الإسرائيلى يعترض طائرتين بدون طيار قبالة ساحل إيلات    اليوم.. السيسي يشارك في قمة بريكس ويستعرض رؤية مصر إزاء القضايا المهمة    الأهلي يختتم استعدادته اليوم لمواجهة الزمالك بنهائي السوبر المصري    «الأرصاد» تكشف عن انخفاض درجات الحرارة: ارتدوا ملابس ثقيلة    الحالة المرورية.. انتظام حركة السيارات بشوارع وميادين القاهرة الكبري    إخماد حريق داخل منزل فى أوسيم دون إصابات    وزارة الصحة: تعاون مصرى قبرصى لتعزيز الشراكات الصحية وتبادل الخبرات    وزير الصحة يلتقي نظيره القبرصي لتعزيز الشراكات الصحية وتبادل الخبرات    "الصحافة على جبهتي تحرير وتطهير سيناء" في ندوة بنقابة الصحفيين .. الخميس    ارتفاع أرباح بيكر هيوز للخدمات النفطية خلال الربع الثالث    قمة برشلونة ضد البايرن الأبرز.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    بورصة الدواجن اليوم بعد آخر ارتفاع.. أسعار الفراخ البيضاء والبيض الأربعاء 23 أكتوبر 2024    حديد عز يبلغ 41 ألف جنيه.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024    30 دقيقة تأخر على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 23 أكتوبر    رسميا.. موعد غرة شهر جمادى الأولى 1446 هجريا    بمناسبة الكريسماس.. هاني شاكر يحيي حفلاً غنائياً في دبي    عاوزين تخلوها صفر ليه، تعليق ناري من خالد النبوي على هدم قبة حليم باشا التاريخية    عمرك ما ترى حقد من «الحوت» أو خذلان من «الجوزاء».. تعرف على مستحيلات الأبراج    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 23-10-2024 في محافظة البحيرة    زعيم كوريا الشمالية يطالب بتعزيز الردع في مواجهة التهديدات النووية    قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية وتعتقل عددا من المواطنين    نشرة المرأة والمنوعات.. فواكه تخلصك من رائحة الفم الكريهة.. سعر فستان هنا الزاهد في إسبانيا    عبد الرحيم حسن: شخصيتي في «فارس بلا جواد» كان «بصمة» في حياتي    مع اقتراب الشتاء.. 3 عادات صباحية للتصدي للإنفلونزا والبرد    بالأسود.. لجين عمران تتألق في إطلالة جذابة وساحرة بمشاركتها بأسبوع الموضة بالرياض|شاهد    فصائل عراقية مسلحة تعلن استهداف إيلات بطائرات مسيّرة    سلامة: المجلس الوطني للتعليم يضم بعض الوزراء والخبراء ورجال الأعمال    أحمد عادل: لا يجوز مقارنة كولر مع جوزيه.. وطرق اللعب كانت تمنح اللاعبين حرية كبيرة    نجم الأهلي السابق: كولر كسب الرهان على «طاهر محمد طاهر»    وزير التعليم: لا يوجد نظام في العالم لا يعمل بدون تقييمات أسبوعية    إبراهيم عيسى: اختلاف الرأي ثقافة لا تسود في مجتمعنا.. نعيش قمة الفاشية    هاريس: جاهزون لمواجهة أي محاولة من ترامب لتخريب الانتخابات    ضبط المتهمين بسرقة مخزن شركة بالتجمع الأول    قبل أيام من الكلاسيكو.. رودريجو يوجه رسالة لجماهير ريال مدريد بعد إصابته    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    يسرا تدير الجلسة الحوارية لإسعاد يونس في مهرجان الجونة    أنتوني بلينكن: مقتل "السنوار" يوفر فرصة لإنهاء الحرب في غزة    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    أمن كفر الشيخ يكشف لغز العثور على جثة شاب ملقاه بترعة في بيلا    ماذا دار بين إمام عاشور وحكم مباراة سيراميكا كليوباترا ؟.. شوبير يكشف التفاصيل    «اللي حصل جريمة وكارثة».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على عقوبات الأهلي ضد كهربا    مصرع طفل أُغلق على جسده باب مصعد كهربائي بكفر الشيخ    أدباء وحقوقيون ينتقدون اعتقال الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق    أوكرانيا تبحث مع استونيا تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد    الفنانة عبير منير تكشف كواليس تعارفها بالكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة: "عشنا مع بعض 4 سنين"    البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    تشريح جثة طفل عثر عليها ملقاة بالشارع في حلوان    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    القاهرة الإخبارية: 4 غارات إسرائيلية على مناطق برج البراجنة وحارة حريك والليلكي في الضاحية جنوب لبنان    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    نشرة المرأة والمنوعات: الوقوف لساعات طويلة يصيبك بمرض خطير.. أبرز أسباب مرض داليا مصطفى.. سعر غير متوقع ل فستان ريهام حجاج    أمين الفتوى: تربية الأبناء تحتاج إلى صبر واهتمام.. وعليك بهذا الأمر    هل قول "صدق الله العظيم" بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفير يسري القويضي يكتب عن "فن التشابك مع المجتمع"
نشر في محيط يوم 01 - 11 - 2011

في عام 1998 أدخل الكاتب الناقد الفني الفرنسي نيكولاس بورريو Nicolas Bourriaud مصطلحا جديدا Relational aesthetics في أدبيات الفنون البصرية المعاصرة، عندما أصدر كتابا بهذا العنوان – وأرى أن أقرب ترجمة عربية للمصطلح هو ( جماليات التشابك مع المجتمع) .

في هذا الكتاب جمع الكاتب تحت هذا العنوان طائفة من الفنانين المعاصرين اللذين رأى فيهم اتجاها مستحدثا ظهر بين الاتجاهات الفنية البصرية المعاصرة، وقال أن الفنان التايلاندي الأرجنتيني المولد ريركريت تايرافانيا Rirkrit Tiravanija يأتي علي رأس تلك المجموعة، وهو الذي اشتهر بعمل قدمه عام 1992 بقاعة (جاليري 303) بحي سوهو كان عبارة عن مطبخ أقامه في الجاليري يحتوي علي ثلاجة كهربائية ومعدات وأدوات الطبخ ومناضد وكراسي، وقام الفنان بنفسه بتجهيز أطباق الكاري التايلاندي وقدمها لكل من يرغب في تذوقها بدون مقابل، ثم أعاد تقديم العمل ذاته مرة أخري عام 2007 في جاليري دافيد زويرنر David Zwirner gallery بحي شيلسي .

ومن الجدير بالذكر أن متحف الفن الحديث بنيويورك اقتنى مؤخرا مكونات هذا التجهيز الفني ليعرضه ضمن مقتنيات المتحف في الفترة من 17 نوفمبر الجاري (2011)، وحتى 8 فبراير 2012، باعتبار أن ذلك العمل يمثل اتجاها جديدا في الفن أصبح معروفا باسم ( فن التشابك مع المجتمع) Relational aesthetics.

وكي أبسط ما هو المقصود بفن التشابك مع المجتمع (وهو موضوع فلسفي عظيم التعقيد وما زال يدور حوله كثير من الجدل) أقول أنه يمكن التمييز بين ثلاث مراحل مرت بها حركة الفنون البصرية العالمية منذ عصر النهضة الأوروبية وحتى الآن:

المرحلة الأولي - وهي تلك التي عبر فيها الفنانون البصريون عن أفكارهم وأحاسيسهم مراعين الواقع من حولهم، ورغم تغير وتنوع طريقة تناولهم لهذا الواقع، على مدار مرحلة ممتدة، فقد كانوا حريصين علي الالتزام بالناموس الذي يفرضه الواقع، فمثلا إذا أخذنا لوحة لويس دافيد التي تحكي أسطورة اغتصاب نساء قبيلة السابين نجدها جاءت في صورة شديدة الواقعية، بينما جاءت لوحة بيكاسو حول نفس الأسطورة في صورة تكعيبية تحليلية بها كثير من التحريف في النسب و الأشكال، لكن اللوحتان رغم الاختلاف الواضح في الأسلوب، إلا أن الفنانين اتفقا علي احترام واقع فكري واحد تعاملا معه والتزما بالمنطق الذي ينبني عليه ولم يعارضاه.


المرحلة الثانية عارض الفنانون البصريون فيها الواقع الحقيقي من حولهم، واستحدثوا واقعا من صنع خيالهم، لا يمت للواقع المعاش بصلة، ومثال ذلك أعمال فناني الحركات الدادية، والسريالية، والتجريد الهندسي، والتجريد التعبيري، فجاءت كل أعمالهم وتعبيراتهم مخالفة للطبيعة المرئية ومتعارضة معها، لقد أوجدوا واقعا من صنعهم حتى وإن كانت بعض تلك الأعمال مستلهمة ومستوحاة من عناصر تتواجد في الواقع الحي إلا أن ما قدموه يجئ واقعا قائم بذاته، ومختلف تماما عما حولهم.

المرحلة الثالثة جاءت بعد محاكاة الفنانون البصريون للواقع والتزامهم به في المرحلة الأولي، ثم البعد عنه ومعارضتهم له في المرحلة الثانية ، تأتي المرحلة الثالثة التي اتجهت فيها أعمال عدد من الفنانين البصريين لتطبق منطق جديد، فأصبح العمل الفني لديهم هو معايشة للواقع و الانغماس فيه، بحيث تصبح حياة الإنسان نفسه ومعاملاته وأنشطته هي العمل الفني ذاته، وتصبح محاكاة الأنشطة اليومية ذاتها عملا فنيا.

قد يكون من الصعب علي المرء إدراك الأمر من الوهلة الأولي، ولكن ربما إذا مررنا بتجربة من تلك التجارب التي يستدعي فيها فنان حالة من الأنشطة العادية مثلما فعل الفنان ريركريت بإقامته لمطبخ داخل الجاليري ودعوته المشاهدين للولوج إليه والمشاركة في تذوق الطعام، قد نغير من موقفنا المندهش لغرابة الفكرة، وربما سنضحك ونستخف بها.

وبهذه المناسبة لا يفوتني أن أذَكّرُ القراء بالعمل الذي قدمته الفنانة المصرية آمال قناوي في بينالي القاهرة الأخير عام 2010 وحصلت به علي الجائزة ألكبري للبينالي، لقد كان العمل عبارة عن تجهيز في الفراغ تضمن عديد من الأشياء ومن بينها مطبخ متكامل بأدواته قامت الفنانة بنفسها بطهي الطعام فيه أمام الجمهور وقدمت ما أعدته لمن يريد منهم تذوقه، لقد كان العمل مستغربا لدي الجمهور المصري، وأعتقد أن الغالبية استخفت بالأمر ورأت أنه لا يخرج كونه دعابة قصدتها الفنانة، وما لم يدركه الكثيرون أن الفنانة وضعت المشاهدين في موقف يعتادونه في الحياة ولكنها في ذات الوقت جعلتهم يبصرونه من زاوية فنية فكرية لم تكن في حسبانهم، وهذا يتشابه بقدر كبير مع ما فعله الفنان التايلاندي ريركريت.

ومن متابعتي لما يجري في قاعات الفن في كثير من عواصم الفن العالمي، وجدت أن عدد من متاحف الفن وقاعاته تقدم نماذج من الأعمال التي تندرج تحت المسمي الجديد ( فن التشابك مع المجتمع) الذي اخذ طريقه للذيوع والانتشار، ومنها ما يقدمه حاليا الفنان كارستن هولرCarsten Holler بمتحف (النيو ميوسيم) The New Museum بمدينة نيويورك، ويستمر العرض حتى يناير 2012 ، وعمله عبارة عن أنبوب معدني حلزوني ملتوي يدخله زائر العرض من طرف الأنبوب بالدور الرابع فيسقط من خلاله ليصل الدور الأول، إنه عمل اقرب ما يكون لعبة من العاب مدينة ملاهي، ولكنه في هذه الحالة عمل فني يقدمه الفنان في متحف للفن، يجعل المشاهد جزءا من العمل ويضعه في موقف يدفعه للمرور بتجربة يتشابك فيها الفن مع الواقع الحقيقي.

ولا يزال شريحة من الجمهور ونقاد الفن غير مقتنعين بأن مثل تلك الأعمال تدخل في نطاق الفنون البصرية، ولكن حب المغامرة والتجريب والخيال الجامح والفكر المنطلق لآفاق قد تقترب أحيانا من الجنون والشطط هي سمة من سمات العلاقة بين الإنسان والطبيعة من حوله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.