بالرغم من عزوف القسم الأكبر من الشباب التونسي عن الادلاء باصواتهم خلال الانتخابات التشريعية الماضية لعدة عوامل لا تزال قائمة لليوم، لإلا ان باحثين وخبراء في علم الاجتماع وناشطين سياسيين يتوقعون رغم ذلك أن تشهد الانتخابات الرئاسية في ال23 من الشهر الجاري مشاركة مرتفعة نسبيا لفئة الشباب (من 18 إلى 40) مقارنة بالاستحقاق البرلماني. ويوم ال26 من الشهر الماضي، الذي شهد انتخاب أول برلمان لتونس منذ ثورة 2011، كان واضحا للمتابعين غياب الشباب منذ صبيحة يوم الانتخاب، إذ كانت طوابير مراكز الاقتراع تعُج بمن تجاوزت أعمارهم ال40 سنة وكان الجميع يظن أن أعداد الشباب ستتوافد وتتدفق على تلك المراكز شيئا فشيئا بعد الظهيرة، لكن العزوف تواصل إلى حين إغلاق آخر مكتب اقتراع، فلم يقم بعملية التصويت سوى النذر القليل منهم، علما وأن نسبة الشباب (من 18 إلى 40 سنة)من مجموع الناخبين تمثل 63 بالمائة وفق إحصاءات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وتوقع خبراء وناشطون في تصريحات للأناضول أن تشهد الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها تونس في غرة نوفمبر/تشرين الثاني مشاركة مرتفعة نسبيا فيما يتعلق بفئة الشباب (من 18 إلى 40) مقارنة بالانتخابات البرلمانية الماضية. كما أكدوا أن ظاهرة العزوف في صفوف الشباب على الاقتراع منتشرة في عديد الدول وهو أمر يعود بالأساس إلى اعتبارها ممارسة تخص الكهول أكثر من الشباب الذي له مشاغل أخرى تتماشى مع سنه ولا يهتم كثيرا بأمور السياسة." وعقب هذه الانتخابات، ثارت تساؤلات على الساحة السياسية التونسية حول مدى بقاء الشباب التونسي متفرجا على العملية السياسية المصيرية في تونس أم أن نتائج الانتخابات التشريعية سوف تدفعه إلى المشاركة بقوة في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وفي تصريح للاناضول، رأى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، المولدي الأحمر، أن "حضور الشباب في الانتخابات الرئاسية لن يكون إجمالا بعيدا عن ما عرفته الانتخابات البرلمانية من عزوف حتى وإن زاد بدرجة طفيفة". وأرجع الأحمر عدم إقبال الشباب على العملية الانتخابية إلى "مسألة الإرث التاريخي لمشاركة الشباب في السياسة التونسية وفي الثقافة السياسية العربية عموما التي تترك مجال السياسة للكبار، بالإضافة إلى عامل آخر متمثل في أن الأحزاب السياسية وعلى تعددها وكثرتها فهي لا تفسح المجال للشباب للمشاركة الفعلية في القرار، فضلا عن السلوك الإعلامي الذي يقصي الشباب من النقاشات السياسية والحزبية ما يجعل الحضور دائما من الفئة العمرية نفسها، فكل هذه عوامل لعبت دورا في أن الشباب أصبح غير معني بالانتخابات بالرغم أن مشاركتهم في ثورة 2011 (التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي) كانت بارزة." وتابع الأحمر أنها "تعتبر ظاهرة عالمية ففي جميع أنحاء العالم لا تكون للشباب مشاركة مستديمة في الانتخابات وإنما ضعيفة مقابل أن يكون لهم حضور أكثر في الأحداث الكبرى وهو أمر متعلق بسنهم واهتماماتهم". ويرجح الأحمر أن "يتجه الشباب في حال أقبلوا على الانتخابات الرئاسية نحو انتخاب المترشح الذي سيكون الأقرب إلى ميولاتهم الإيديولوجية إن وجدت، إو إلى الذي يرون أنه سيحقق لهم مستقبلا مفتوحا على الحرية والديمقراطية والحريات عامة والشخصية وضمان المشاركة السياسية وجعل تونس تدخل في مرحلة جديدة من هذا العصر الحديث." من جانبه، يعتبر رئيس المرصد التونسي للشباب (حكومي) محمد الجويلي "عملية الانتخاب ممارسة كهولية بمعنى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة هم اقل التزاما بالانتخاب ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و30 سنة، لأنه يعدها بعيدة عن ميولاته وأنها تتطلب نضجا واختيارا فكلما اقترب من عمر الكهولة كلما ما كان الشاب معنيا وكان أكثر التزاما". غير أنه، في تصريحات للأناضول، يتوقع رغم ذلك، مشاركة أكبر للشباب في الاستحقاق الرئاسي موضحا أنه "وفق سبر للآراء قام به المرصد قبيل الانتخابات التشريعية، استوجب خلالها عينة متكونة من 1500 شابا تتراوح أعمارهم بين 18 و33 سنة، توصل الى أن 58 بالمائة منهم لديهم اهتمام اكبر بالانتخابات الرّئاسية وهم يرجعون ذلك إلى وضوح الرؤية وأهمية مؤسسة الرئاسة لهم خلافا عن الانتخابات البرلمانية التي تتميز بتعقيدات قائماتها وبرامجها." من جهته، وعلى خلفية سياسية، رأى رئيس الاتحاد العام التونسي للطلبة (مستقل) راشد الكحلاني، أنه " ستكون هناك هبة شعبية وردة فعل في الانتخابات الرئاسية سيقوم بها قسم من الشباب والكثير ممن لم يشاركوا في الإدلاء بأصواتهم في التشريعيات نتيجة إحباطهم من نتائج الانتخابات التشريعية وصعود رموز النظام القديم"، في إشارة منه إلى فوز حزب حركة نداء تونس بالانتخابات الماضية، حيث يعتبر خصوم هذا الحزب انه ممثل لهذا النظام وهو ما تنفيه قياداته بشكل قاطع. ومن منظور أعم، أرجع الكحلاني عزوف الشباب عن العملية الانتخابية إلى أنه " كان هناك عدم إيمان كامل بإمكانية وصول تونس إلى مرحلة الانتخابات بالإضافة إلى أن الشباب لم يستفد من الثورة مقابل استحواذ من ينتمون لفئات عمرية متقدمة على المشهد السياسي". ويبلغ عدد سكان تونس وفقا لآخر احصائيات 2014 حوالي 11 مليون بما فيهم الأجانب المقيمين في تونس بينهم 5.2 مليون ناخب يحق لهم التصويت كونهم مسجلين بالدوائر الانتخابية. وتمثل نسبة الشباب (18 الى 40 سنة) 63 بالمائة من الناخبين المسجلين أما نسبة النساء فتناهر ال50 بالمائة بعد أن كانت في حدود 45 بالمائة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام2011 ، وفقا لإحصائات رسمية ودراسات متخصصة تونسية. وانطلقت الحملات الانتخابية الرئاسية غرة نوفمبر/تشرين الثاني الحالي وتتواصل حتى يوم 22 من الشهر نفسه. وستجرى الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني وسيعلن عن النتائج الأولية بعد 3 أيام ليكون يوم 21 ديسمبر/كانون الأول يوم الإعلان عن النتائج النهائية بعد البت في الطعون. أما الدورة الثانية فلن تتجاوز إقصاءها يوم 28 ديسمبر/كانون الأول والنتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية ستكون على أقصى تقدير يوم 25 يناير/كانون الثاني 2015.