خلال ثلاثة حروب شنتها إسرائيل على قطاع غزة، في الأعوام الستة الماضية، سقط الآلاف من القتلى والجرحى الفلسطينيين داخل منازلهم، وشققهم السكنية، مما قد يُبادر للأذهان سؤالا، هاما حول عدم وجود ملاجيء آمنة للسكان في القطاع؟. وحسبما يرى خبراء فلسطينيون، فإن "منع إسرائيل إدخال مواد البناء لغزة منذ 7 سنوات، والوضع الاقتصادي المتردي، والمساحة الضيقة، والاكتظاظ السكاني"، وغيرها من العوائق، تقف حائلا أمام بناء ملاجيء يحتمي بها 1.8 مليون نسمة يقطنون قطاع غزة، من صواريخ وقنابل إسرائيل. ويتخذ سكان القطاع، بيوتهم، والمستشفيات، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، كملاجيء، اعتقادًا منهم بأن آلة الحرب الإسرائيلية لن تطالها، لعودة ملكيتها لجهة دولية، إلا أنها كانت في مرمى النيران أيضًا، كما المستشفيات. وبدعوى العمل على وقف إطلاق الصواريخ من غزة على بلدات ومدن إسرائيلية، يشن الجيش الإسرائيلي حربًا على القطاع منذ 7 يوليو/ تموز الجاري، سقطها خلالها أكثر من 1450 قتيل فلسطيني، وأكثر من 8500 جريح. ويرى نبيل أبو معليق، نقيب المقاولين الفلسطينيين في قطاع غزة، أن عدم وجود لاجئ، يعود لغياب الفلسفة الفلسطينية والخطط الإستراتيجية لبنائها من قبل الجهات المسؤولة. وقال في حديث لمراسلة الأناضول:" حتى إن اعتمدت وزارة الإسكان والأشغال العامة في قادم الأيام، خطط لبناء ملاجيء في محافظات القطاع فإنها ستصطدم بعقبة كبيرة، وهي الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال مواد البناء للقطاع". وتحاصر إسرائيل غزة، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون نسمة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، ثم شددت الحصار إثر سيطرة الحركة على القطاع منتصف العام التالي. وما زال الحصار متواصلا رغم تخلي "حماس" عن حكم القطاع، مع الإعلان عن حكومة الوفاق الفلسطينية في الثاني من يونيو/حزيران الماضي. ومنعت إسرائيل مواد البناء لغزة، عبر معبر كرم أبو سالم منذ عام 2007، وسمحت، ولأول مرة، بإدخال كميات محدودة بداية سبتمبر/أيلول 2013، ثم عادت ومنعت إدخالها في الشهر التالي؛ بدعوى استخدامها من قبل حركة "حماس′′، في بناء تحصينات عسكرية، وأنفاق أرضية، وهو الأمر الذي تسبب بارتفاع معدلات البطالة بغزة، وانضمام الآلاف إلى صفوف العاطلين عن العمل. وأرجع نعيم بارود، أستاذ الجغرافيا، في الجامعة الإسلامية بغزة، افتقار القطاع لوجود الملاجئ، إلى مساحته الضيقة مقابل العدد الكبير من السكان الذين يقطنون عليها. وقال بارود في حديث للأناضول إن "ضيق مساحة القطاع لا يؤهل لبناء ملاجئ عامة لهذا العدد الكبير من السكان". وأضاف:" في حال قامت الجهات المعنية ببناء الملاجئ العامة لتحصين السكان، فإنها تحتاج إلى مساحات كبيرة لإقامتها، وهذا غير متوفر على شريط ساحلي لا يتجاوز 360 كيلو متر مربع". وتبلغ مساحة قطاع غزة 360 كيلو مترا مربعا، يقطن فوق هذا الشريط الساحلي الضيق، نحو 1.8 مليون نسمة، مما يجعلها أكثر المناطق في العالم اكتظاظًا بالسكان. ويرى بارود أن التوسع أفقيًا في البناء، أفضل من الرأسي، في حال إعادة إعمار القطاع؛ لتقليل حجم الأضرار التي قد تحدث في حال حدوث عدوان إسرائيلي، إلا أن هذا الأمر يقف عاجزًا عن التنفيذ أمام محدودية المساحة. ولفت إلى أنه يمكن تنفيذ التوسع الأفقي في حدود القطاع فقط لوجود مساحات فارغة، على عكس وسط القطاع المكتظ بالسكان، إلا أن هذا الأمر يعدّ مخاطرة كبيرة، لاستهداف تلك المناطق بشكل مباشر، الطائرات والمدفعيات والزوارق الحربية الإسرائيلية. وتابع بارود:" أعتقد حتى لو تمكنّا من بناء ملاجئ ذات جاهزية جيدة، أخشى أن تضربها إسرائيل، فهي لا تحترم روح الإنسان وكل ما تبحث عنه القتل والدمار، إلا إذا تم هذا الأمر بإشراف دولي يضمن عدم ارتكابها مجازر بحق المدنيين في الملاجئ". بدوره يتفق كامل أبو ضاهر، رئيس قسم الجغرافيا في الجامعة الإسلامية، أن البناء العشوائي للمباني والاكتظاظ في مناطق معينة من محافظات القطاع، قد يعيق إقامة ملاجئ عامة للسكان، وخاصة في بيوتهم. وقال في حديث مع مراسلة الأناضول:" غزة تحتاج إلى إعادة تخطيط وبناء، ووضع منظومة هندسية، تساعد على حماية المواطنين، أثناء الحروب". وربما لا تجدي الملاجئ نفعًا إن تم إنشاءها، أمام القوة العسكرية الإسرائيلية، واستخدام قنابل قادرة على تدمير التحصينات، وفق أبو ضاهر. وأكد على ضرورة إتباع وزارة الإسكان والأشغال العامة عند إعادة اعمار القطاع، خطة استراتيجية تراعي الظروف التي يعيشها القطاع. وإن توفرت تلك المساحة فإنها ستصطدم بعقبة العامل المادي، حسبما يرى معين رجب، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الأزهر بغزة، مقدرًا تكلفة البناء وإعادة الإعمار بما لا يقل عن "10 مليار دولار". ويشكل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، أزمة كبيرة، فغياب مواد البناء ومنع دخولها عبر المعابر، والوضع الاقتصادي المتردي الذي خلّفته ثماني سنوات من الحصار المطبق، لن يسمح بإقامة ملاجئ، وفق رجب. وأشار رجب إلى أن "بناء المواطنين لملاجئ في بيوتهم، ليس بالأمر الهين، بل هو مكلف جدًا بالنسبة لهم، وربما مستحيل للمعظم، أمام أرقام بطالة متزايدة يوم بعد الآخر، وفقر مدقع يعاني منه معظم السكان". ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع معدل البطالة في قطاع غزة إلى 40% في الربع الأول من عام 2014. وشنت إسرائيل ثلاث حروب على قطاع غزة ، كان الأولى في 27 ديسمبر/كانون أول 2008، أطلقت عليها اسم "الرصاص المصبوب"، واستمرت 23 يوميًا، أودت بحياة (1436) فلسطينيًا، وإصابة نحو (5400) آخرين. فيما كانت الحرب الثانية في ال 14نوفمبر/تشرين ثاني 2012، استمرت لمدة 8 أيام، وأسفرت عن مقتل 162 فلسطيني، وإصابة 1200 آخرين.