يُدّرب "معاذ محمد" نفسه على التحلي بأقصى درجات الصبر، وهو يواجه تذمر الركاب، وشكواهم من طول مسافة الطريق، واتهامهم له بالتقصير. فالشاب الغزّي صاحب ال"18" عاما يحتاج إلى كل دقيقة تسير فيها "سيارة الأجرة" التي يعمل عليها، وأن تمضي رحلته اليومية بسلام. ويضطر معاذ لتحمل ما هو أكثر كما يقول لوكالة "الأناضول"، في سبيل تأمين لقمة العيش، لوالده المريض، وأسرته المكونة من تسعة أفراد. ولفت إلى أنّه لم يجد سوى هذه المهنة لكسب الرزق، بالرغم من عدم تقبل كثيرين، لرؤية شاب صغير يعمل كسائق. ويستدرك بالقول: "الظروف القاسية، وانعدام كافة فرص العمل في قطاع غزة، أجبرتّنا للعمل كسائقي للأجرة." ومعاذ، هو واحد من آلاف الشباب في قطاع غزة، الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية، والإنسانية الصعبة إلى العمل كسائقين. وبعد أن توقف العمل في الأنفاق الممتدة، على طول الحدود الفلسطينية المصرية، توجه "سامي الحاج" "19 عاما" إلى العمل كسائق أجرة. وقال في حديث لوكالة "الأناضول" إن الركود والشلل أصاب كافة المهن في القطاع، وفي مقدمتها "أعمال البناء والتي كانت تستقطب آلاف العمال من الشباب. ويستدرك بأسف :" لا خيار أمامنا سوى هذه المهنّة، الركاب يتذمرون لأننا ننافس سائقي الأجرة، لقد تعودوا على أن يكون السائق، كبيرا في العمر، ولديه من الخبرة الكثير، لكن ماذا نفعل وقد سدت في وجهنا كل الأبواب". وحتى نهاية عام 2013 تعطّل وفق اتحاد العمال بغزة 120 ألف مواطن غزّي يعيلون 615 ألف نسمة من بينهم ثلاثة آلاف كانوا يعملون داخل الأنفاق الحدودية. وتم تجميد العمل في نشاط تهريب البضائع من مصر إلى غزة، عقب حملة الهدم المستمرة للأنفاق من قبل الجيش المصري، وذلك منذ إطاحة قادة الجيش، بمشاركة قوى شعبية وسياسية ودينية، بالرئيس المصري محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013. ومن أبرز القطاعات التي تضررت جراء تعطيل عمل الأنفاق، هو قطاع الصناعات الإنشائية والذي يشغل آلاف العمال في مختلف محافظات القطاع. كما وأدّى توقف البناء إلى حرمان أصحاب المهن الأخرى المرتبطة بالبناء الأمر الذي زاد من معدلات الفقر والبطالة في القطاع المحاصر إسرائيليا للعام الثامن على التوالي. ويقول رامي الزايغ، 17 عاماً إنّه حصل على "رخصة قيادة"، لكي يعمل على إحدّى سيارات الأجرة، لإعانة أسرّته المكونة من 13 فردا. وأضاف :" الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم، والدي لم يعد يعمل بعد أن توقفت أعمال البناء، ويبدو أن كل شباب غزة سيتوجهون للعمل كسائقي أجرة." وسمحت إسرائيل بإدخال مواد البناء للقطاع في أعقاب إغلاق الأنفاق لفترة وجيزة، لكنها عادت ومنعت إدخالها في أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، بدعوى استخدامها من قبل حركة حماس التي تدير القطاع في بناء تحصينات عسكرية. ويعمل "أحمد الشريف" 23 عاما على سيارة أجرة ، لتأمين لقمة العيش لعائلته بعد وفاة والده، ويقول في حديث ل"الأناضول" إنه لن ينتظر بعد تخرجه وظيفة سيطول انتظارها كما هو الحال مع آلاف الخريجين . وأضاف أن معظم الشباب الخريجين يتوجهون للعمل كسائقي أجرة، بحثا عن حياة كريمة، ولو بشكل مؤقت بعيدا عن ذل السؤال والحاجة، وتداعيات تراكم الظروف الاقتصادية الصعبة. وتخرج مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية سنويا حوالي 30 ألف طالب وطالبة وتبلغ نسبة العاملين منهم 25%، والعاطلين عن العمل 75%، وفق إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني. ويؤكد "سعيد عمار"، مدير عام الإدارة العامة للطرق في وزارة النقل والمواصلات في الحكومة المقالة بغزة، أن ظاهرة عمل الفتيان والشباب كسائقي أجرة في القطاع انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ وواضح. وأكد عمار في حديثٍ لوكالة "الأناضول" أن الحصار، والوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع معدلات البطالة ساهمت بشكل كبير في أن يتجه الشباب نحو العمل كسائقي للمركبات لتوفير مصدر رزق، وإعانة أسرهم على تخطي الظروف الاقتصادية الصعبّة. ويخضع قطاع غزة لحصار فرضته إسرائيل منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية عام 2006 وشددته عقب سيطرة الحركة على قطاع غزة في صيف العام 2007. ويعيش قرابة مليوني مواطن واقعا اقتصاديا وإنسانيا صعبا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي والمتزامن مع إغلاق الأنفاق الحدودية من قبل السلطات المصرية. وترتفع معدلات البطالة والفقر في قطاع غزة، وفق وزارة الاقتصاد التابعة للحكومة المقالة في غزة إلى ما يزيد عن 39%. غير أن لهذه الظاهرة آثارها السلبية وفي مقدمتها كما يؤكد عمار تفاقم أزمة القطاع المروري، والتسبب ب"فوضى مرورية". وتابع:" الشباب، وغيرهم من العاطلين عن العمل، وفي ظل غياب وتعطل المهن الأخرى يتجهون نحو هذه المهنة، الأمر الذي يتسبب بفوضى مرورية، إلى جانب نقص الخبرة لدّى فئة الشباب مقارنة بسائقي الأجرة الذين يعملون منذ سنوات طويلة." ويرى" معين رجب" أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الأزهر بغزة، أن غياب المشاريع الاستثمارية، وتردي الوضع الاقتصادي يدفع الشباب نحو العمل كسائقي أجرة. وأضاف رجب، في حديث ل"الأناضول" أنه في ظل عجز المؤسسات الاقتصادية، عن استيعاب الخريجين، والشباب لسوق العمل، فإنه لا مجال سوى التوجه إلى أكثر مهنة متداولة في قطاع غزة، وهي الآن تتمثل في "قيادة المركبات والعمل كسائق أجرة". وأكد أن توقف أعمال البناء، وكافة المهن الأخرى، وغياب أي فرص للاستثمار وازدياد تردي الوضع الاقتصادي يوما بعد آخر، يدفع الشباب لمهن اضطرارية قد لا تناسب أهواءهم، وطموحهم لكن لقمة العيش تدفعهم نحو هكذا ظروف.