تختلف مظاهر استقبال شهر رمضان المبارك من بلد إسلامي إلى آخر؛ فلكل عاداته وتقاليده، ففي اليمن ينتظر اليمنيون وقت الإعلان عن رؤية هلال رمضان بلهفة تدفع البعض منهم إلى البقاء في المسجد عقب صلاة المغرب حتى يعود لأسرته بخبر دخول شهر رمضان المبارك ولا يكتفي بالتبشير بقدومه عبر مآذن المساجد وعبر الإذاعة والتلفزيون أيضاً. استقبال رمضان فما أن يهل هلال الشهر حتى ترى البسمة ترتسم على شفاه الأطفال والآباء الذين استعدوا لاستقباله من خلال توفير المال اللازم لشراء احتياجات الأسرة خلال أيام شهر رمضان؛ أما النساء فيتبارين في إظهار براعتهن في إعداد الأكلات الخاصة التي تعودت عليها الأسرة اليمنية في رمضان. ومن العادات الاجتماعية التي كانت موجودة إلى عهد قريب، أنه إذا أُعلن عن غد أنه رمضان، يقوم الأطفال بأخذ أكوام من الرماد ويجعلونه على أسطح المنازل على هيئة أوعية دائرية، ثم يصبون فيها مادة مشعلة ويشعلونها، وقد اندثرت هذه العادة في المدن ولازال البعض يمارسها في القرى. وعند التأكد التام من دخول شهر رمضان؛ يهنّئ الناس بعضهم البعض على قدوم هذا الشهر، وفي الغالب يتبادل الناس هذه التحايات في أول نهار من رمضان. في الصباح الرمضاني، لا تكاد تجد أحدا مستيقظاً، تكون الشوارع خالية والمحلات مقفلة، سوى محلات قليلة جدا يلجأ الناس إليها عند الحاجة الملحّة، ويتأخّر الدوام الحكومي إلى الساعة التاسعة أو العاشرة صباحا. مائدة يمنية في رمضان تزخر المائدة الرمضانية اليمنية بصنوف من الأطعمة والمشروبات التي اعتاد عليها اليمنيون في شهر رمضان؛ حيث يجسدون أعلى درجات الطيب والكرم في المساجد من خلال تقديم الإفطار طيلة أيام رمضان فعند دخول وقت الإفطار يفطر اليمني بالتمر والماء أو القهوة، ثم يتوجه إلى المسجد لأداء صلاة المغرب ثم يعود إلى المنزل. تحتل مائدة الإفطار اليمنية مكاناً راقياً بين الموائد العربية لتعدد أصنافها غير أن هناك وجبتان تكاد لا تخلو منهما أي مائدة في عموم اليمن هما (الشفوت، والشربة) فالأولى مصنوعة من رقائق خبر خاص واللبن والثانية مصنوعة من القمح المجروش بعد خلطه بالحليب والسكر أو بمرق اللحم حسب الأذواق، وهناك أيضاً الكبسة والسلتة والعصيد و السوسي وهي أفضل الوجبات لدى اليمنيين. أما حلويات اليمن الرمضانية‘ فهي خليط من الحلوى اليمنية والهندية (بنت الصحن، والرواني، والكنافة، والعوامة، والقطائف، والشعوبية، والبسبوسة) التي انتقل الكثير منها من الهند إلى اليمن من خلال التبادل التجاري الذي شهدته البلدين. أغلب الأسر اليمنية تتناول الأطعمة في رمضان على الأرض إذ تبسط السفرة وتضع عليها الأطعمة والأشربة وخاصة في البيوت التقليدية. السحور اليمني على الرغم من تعدد السهرات الرمضانية والتقاء الأقارب بالسحور مع وجود القنوات الفضائية المتنوعة، إلا أن سماع المسحراتي بكل الأساليب اليمنية مثل ( ياصائم قوم اتسحر واعبد الدائم) أو صوت الأذان ومدفع رمضان المنبهان لقدوم وقت السحور ولكن في بعض المناطق اليمنية يفضل أن يجتمع فيها الأقارب والجيران لتناول السحور في رمضان ومن ثم الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الفجر. ويتناول اليمنيين في سحورهم المشروبات والأطعمة التقليدية الخاصة بهم دون غيرهم من العرب والمسلمين ، ومن تلك الأطعمة (الفول، الكعك، بنت الصحن) والعصائر وغيرها. العمل خلال رمضان توفر أوقات العمل للموظف اليمني ساعات لعبادة الله تعالى وساعات أخرى لتلبية حاجاته وأموره الخاصة؛ حيث يبدأ الدوام الرسمي في الساعة العاشرة صباحاً وينتهي تمام الساعة الثالثة عصراً، أما الجهات التي وزعت مراحل العمل فيها لفترتين فتبدأ الفترة الثانية من الساعة التاسعة مساءً وحتى الساعة الواحدة صباحاً ونرى أوقات العمل في الليل تكون أكثر نشاطاً من النهار الذي يتحول إلى حالة جمود غير عادية. الكثير من الأسر اليمنية تفضل قضاء شهر رمضان في القرى والأرياف التي ينتمي إليها الموظفون حيث يقدمون إجازات في شهر رمضان للسفر إليها مع أسرهم لقضاء شهر رمضان مع بقية أفراد العائلة هناك. ليالي رمضان عقب أداء صلاة التراويح ينتشر اليمنيون في الأسواق التي تتواجد فيها شجرة القات بكثرة ليأخذ كل منهم حاجته من أغصان القات، ومن ثم الاجتماع في مجلس أحد الأشخاص (المفرج أو الديوان) الذي خصص لتجمعهم فيجلسون فيه يمضغون القات ويدخلون في نقاشات اجتماعية، ودينية، وسياسية، وثقافية. رمضان والمناسبات الاجتماعية تنعدم المناسبات الاجتماعية في اليمن خلال رمضان كالأعراس والحفلات فهو شهر توبة ومغفرة لا يسمح أن يصاحبه ترف ولهو وغناء، ومعظم اليمنيين يفضلون قضاء وقتهم في رمضان بتلاوة القرآن ومراجعة كتب الحديث والفقه وغيرها. أبناء اليمن في رمضان ينحون قضاياهم وخلافاتهم جانباً احتراماً وتقديراً لشهر التسامح والإخاء والمحاكم في اليمن تدرك ذلك وتجعل شهر رمضان أجازة قضائية وتلك عادة حميدة ينتهجها القضاء اليمني من خلال احترامه لروحانية شهر رمضان الكريم. تلاوة وذكر القرآن تزداد المساجد بهجة وبريقاً وجلالاً خلال أيام رمضان وتمتلئ بمرتاديها من الشباب والشيوخ والأطفال؛ حيث تزود بالمصاحف الجديدة التي يأتي بها الكثير من فاعلي الخير والمحسنين. ويعتكف طوال أيام رمضان في ساحات المساجد لتلاوة القرآن وذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار لكن الغالبية منهم يعتكفون في العشر الأواخر لأنها أيام عتق من النار فالكل يتسابق لطاعة الله عز وجل والتوسل إليه بقلب خاشع. ليلة القدر وليلة السابع والعشرين من رمضان هي الأكثر إحياءً بين ليالي الوتر من العشر الأواخر ففيها يقبل العابدون على الله بصلاة التهجد والتهليل والتسبيح وقراءة القرآن. ولطول هذه الجلسة يلجأ بعضهم إلى اصطحاب ما يُسمّى "الحبوة" وهي حزام عريض يقوم الشخص بوضعه على محيط جسده بحيث يضمّ إليه قدميه، ومثل هذا يساعده على الجلوس في وضعية الاحتباء لساعات طويلة دون أن يشعر بالتعب، وتُستخدم "الحبوة" بكثرة في جنوب اليمن. أما بالنسبة لأهل الشمال فيأتون بالمخدّات التي يضعونها خلف ظهورهم أو المتّكأ وينطقونها هناك "المتْكى"، ويظل الجميع في هذا الجوّ الإيماني حتى يصلّي الناس صلاة العصر. حزن الوداع وفرحة العيد ما إن يشرف رمضان على الانتهاء حتى يرتسم الحزن على الوجوه لرحيل شهر الرحمة والمغفرة ومنهم من تنساب دموعه فراقاً لشهر رمضان وفي بعض المناطق اليمنية يرددون في الأيام الأخيرة من رمضان بأبيات شعرية تعودوا عليها من القدم. لكن هذا الحزن تمحوه فرحة استقبال عيد الفطر المبارك،حيث تكرس الأسر اليمنية جهودها في توفير الملابس الجديدة لأبنائها وإعداد حلوى العيد للزائرين من الأقارب والأصدقاء لها لان الزيارات العائلية فيه تكون كثيرة جداً وتزداد في العيد أيضاً تبادل الهدايا وزيارة الأقارب وغيرها. وقبل الظهر يخرج "المزيّن" وهو شخص يحمل طبلا أو طاسة يضرب عليها ليقوم الناس برقصات جماعية "البرْعة" أي: الرقص بالخنجر، وهذه الرقصات تختلف كيفيّتها من قبيلة إلى أخرى، فهناك الرقصة الخولانية والحيمية والهوشلية وغيرها. ثم يبدأ "النَّصْع" وهو الذهاب إلى المناطق الخالية من الجبال ليتبارى أهل القبائل على الرماية وإظهار الكفاءة في التصويب. وخلال أيام العيد كلّها، تُقام المجالس الكبيرة لتناول القات، ويقصدها الناس من كل مكان، وفي الجملة فإن عادات أهل اليمن كثيرة، تظهر بينها فروقات بسيطة من منطقة إلى أخرى.