تسمع فاطمة والدها ورجال قريتها الصغيرة في جنوب اليمن "الطالع" ترتفع أصواتهم ب"الشعبانة"، من تهليل وتكبير وترحيب، بحلول الشهر الكريم فتبدأ تشدوا بتلعثم "التماسي": "أدي لأبي بضعة درهم.. يا رمضان يا أبو الحمائم"، وتقف والدتها "مريم" ترتسم على شفاتها ابتسامة كبيرة، الكل من حولهم سعيد بقدوم الشهر الكريم، وفاطمة وزملاها، أدلفوا لشوارع القرية حاملين "التريك والترشليك"، وهي "المصابيح والفانوس" في مصر، يهلولون ويكبرون الجميع في سعادة بالغة لثبوت الهلال، هكذا كانت عادتهم قبل عام 2010، حيث ارتحلوا للقاهرة بحثا عن العمل. أحمد جباري وأسرته الصغيرة بريف اليمن تبدأ في تبييض منزلهم بمادتي الجص والنورة، كإحدى العادات اليمنية التي تشير إلى ثبوت هلال شهر رمضان، وسط استعدادات خاصة بتحضير مائدة السحور، ويكون الطبق الرئيسي فيها "الفتة"، ويقوم إعدادها وفق رواية "مريم عبد الكريم" والدة فاطمة، بقليل من الدقيق، واللبن، وهي تختلف عن الفتة المصرية، فالمصرية قائمة على اللحوم، ولكن اليمنية قائمة على اللبن، المخلوط بالخبز، وهي الوجبة الرئيسية على مائدة السحور اليمنية. يخلد للراحة والنوم "الجباري" ساعات قليلة قبل السحور، يصحو وفي انتظاره "الفتة" بالحليب، ويصلي الفجر، وبعده الكل يغط في النوم حتى الصباح، حيث تتخذ الحكومة قرارت بتقليص عدد ساعات العمل، فالجباري الذي كان يعمل محاسب بإحدى المصالح الحكومية، وحتى دمج اليمن، واستبعاد كل الجنوبيين من الأماكن المهمة، انتقل للعمل كمدرس، وحتى انتهى به الحال إلى القاهرة. "جباري" وأسرته، والذين غادروا للقاهرة منذ عام 2010 واستقروا بها، مع حلم العودة للبلادهم من جديد، محتفظين بعادات وتقاليد المجتمع اليمني، ويؤكد ل"الوطن"، اختيار القاهرة كوطن جديد، لما توفره الحكومة المصرية عدم وجود معوقات أو عراقيل للرعايا اليمنين، وإتاحة حق التملك للمواطن العربي، وحق الإقامة دون رسوم، ووجد "جباري" أن النسبة الأكبر للزيارات اليمنية لمصر من أجل العلاج، فعمل كمرشد علاجي للمرضى اليمنيين بالقاهرة. يقترب "جباري" من صورة قديمة عمرها يزيد عن خمس سنوات، ويتذكر سنوات مرت قبل المجيء لمصر، وجلسات مدغ عشب "القات" بعد صلاة الترويح، حيث يجتمع أهل القرية المسماة ب"الطالع"، والمعروفة بإنتاج "القات" في جلسات للحديث في السياسية والثقافة، وعقد جلسات الصلح، ويقول: "القات سواء كان مضرا أو مفيدا صحيا، فهو له بعد اجتماعي، فيجتمع الناس في حلقات مضغ القات، يوميا، في رمضان بعد صلاة التروايح، ومنظمة الصحة العالمية تعتبره منبها وليس مخدرا". المرأة في اليمين تجد من شهر رمضان متنفسا من خلال تبادل الزيارات مع الجيران، حضور جلسات تناول القات، علاوة على حفلات الأناشيد والموالد المرتبطة برمضان، هكذا تصف "مريم" حال النساء في اليمن، والذين لا يسمح لهم بالتجوال والخروج بشكل كبير في باقي أيام السنة، وفق لتقاليد وعادات أهل اليمن هناك. "الشفوت" الطبق الرئيسي على المائدة اليمنية، وتبدأ "مريم" زوجة الجباري، في رمضان، عند الثانية عشرة ظهرا، في تحضير المائدة الرمضانية، وتقول: "يعد الشفوت من كمية من الدقيق الناعم، ويخمر نصف ساعة، ويقطع لأقراص، ويوضع بالزيت، ثم يخلط بالكزبرة خضراء وبقدونس أخضر وقليل من النعناع، ويضرب بالخلاط ويوضع عليه قليل من اللبن"، ويشارك الشفوت إلى جوار المائدة السنبوسة بأنوعها، ولا تخلو المائدة اليمنية من الحلوى وأهمها "العطرية" وهي قريبة التكوين من الكنافة، حسب رواية مريم. لا يميل الجبري ورجال اليمين عادة في رمضان إلى الإفطار في المنزل، ودائما ما يكون الإفطار الجماعي، في الجامع، حيث تفترش مائدة الإفطار في المساجد الكبرى يوميا بمشاركة عائلات الحي الواحد، وعقب الإفطار يتجمع أهل البيت للنزوح لجلسات القات أو حضور التواشيح وأهل المورد، والموالد، والتي تنتشر في المناطق الشمالية من اليمن، وبخاصة في مدينة حضر موت، ويمتد المورد من أول النهار لأخرة، وأول الليل لآخره، وينشد فيه الأغاني والأناشيد في مدح الرسول.