لا يحتاج "محمد عاشور" إلى "ساعة" كي تُخبره "أرقامها"، أنّ الليل انتصف، وأنّ ميعاد نوم "صغاره" قد طال كثيرا، فالزمن يتعطّل في قطاع غزة، ويبدو الوقت طويلا وقاسيا أمام سلسلة الغارات الجوية العنيفة التي يشنهّا الطيران الحربي الإسرائيلي. ويقول "عاشور" (52 عاما)، الأب لتسعة أبناء من بينهم أربعة أطفال إنّه يشعر بأنّ ليل غزة تحت القصف الإسرائيلي كما لو كانت دقيقته بألف عام. ويُضيف لوكالة الأناضول:" كأن الليل لا نهاية له، الزمن يتوقف، الأطفال لا ينامون، ولا تنجح كل محاولات طمأنتهم وإدخالهم إلى فراشهم، الكل يبقى مستيقظا، مترقبا لما هو آت، ومن غلبّه النعاس تتكفل أصوات القصف العنيفة بإيقاظه وهو يرتعد خوفا". ومنذ مساء الثلاثاء الماضي تشن إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية العنيفة على مختلف أنحاء قطاع غزة، تسببت بمقتل وإصابة العشرات، في عملية عسكرية أطلقت عليها اسم" "الجرف الصامد". وعلى مقربة من الأب، جلس ابنه معاذ "22 عاما"، وهو يحاول أن يهرب من صوت القصف والغارات المتكررة إلى شاشة التلفاز لمتابعة مباريات الدور نصف النهائي لمونديال البرازيل. غير أن صوت الغارات العنيفة كان أعلى من صافرة المونديال، كما يؤكد معاذ لوكالة الأناضول. ويتابع:" للأسف لم يكن بإمكاني متابعة المباراة المثيرة بين ألمانياوالبرازيل، ومع كل لقطة أشاهدها يباغتنا قصف يهز المكان، وينسينا أي شيء آخر". ويقول شقيقه "أنور" (18 عاما) أن إسرائيل بقصفها المتكرر أفقدت كل معالم الحياة في قطاع غزة. ويستدرك:" كان من المفروض أن نسهر جميعا، ونشاهد المباريات المتبقيّة من المونديال، ولكن كل شي تبدّل، بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل الذي عطّل كل مشاريعنا اليومية، وبتنا نسهر على أصوات الغارات العنيفة". وأغلقت المقاهي في قطاع غزة، التي تبارت بداية المونديال في خطب ود عشاق كرة القدم وجذب جماهيرها، أبوابها في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل. وانطلق مونديال البرازيل "2014" مساء الخميس ( 12 يونيو/حزيران الجاري) ، في نسخته ال20، ويستمر حتى ال 13 من يوليو/تموز المقبل، بمشاركة 32 منتخباً. وداخل المنزل الذي يتحول بفعل الاهتزازات العنيفة إلى علبة كرتونية، يحتضن الأب عاشور أطفاله الأربعة، المذعورين من صوت القصف المتواصل، وسماء القطاع المظلمة إلا من القنابل الضوئية التي تطلقها الطائرات الحربية قبل شن أي غارة. وقد تسبب القصف العنيف بجوار منزل عاشور الكائن وسط قطاع غزة، إلى تهشم عدد من النوافذ. ويتابع:" الليل في غزة، لوحة من الرعب، الزوارق الزوارق الحربية المنتشرة على شاطئ القطاع تسبب لنا الذعر،دوي قذائفها يصم الآذان". ويبدو القصف الإسرائيلي في الليل أكثر رعبا من أي وقت آخر، إذ تكثف الطائرات الحربية من غاراتها في ساعات متأخرة من الليل. ويحاول عاشور إقناع طفلته "سارة" (4 أعوام) بأن ما تسمعه من أصوات القذائف ناجم عن انفجار بالون أحد أطفال الجيران، إلا أنها ترفض تصديق الخدعة، متمتمة ببراءة: "بابا.. هادا (كبير) كتير (جدا) مش (لا ) بالون". وأمام خوفها من القصف المتواصل رفعت "أمل" زوجة "عاشور"، شعار "اللبن والتمر" كطعام للسحور. وتقول لوكالة الأناضول إنّه ومجرد أن يطرق الليل بابه فيعني أنها أمام زمن دقيقته الواحدة بألف عام. وتتابع:"مع الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي في غزة، فإن المأساة، تزداد وجعا؛ لأن "الظلام مخيف، أنا أكره قدوم الليل، وأتمنى لو كل الأيام تتحول إلى نهار، فلمعان القذائف، وصوتها يجعلني عاجزة عن دخول المطبخ لإعداد السحور". وتفقد العائلات في قطاع غزة، في الوقت الحالي أي شعور بأجواء شهر رمضان، وتغيب مع القصف الإسرائيلي المتواصل روحانيات الشهر. ويأتي القصف الإسرائيلي بالتزامن مع أزمات القطاع الإنسانية والاقتصادية بفعل الحصار الخانق. وتحاصر إسرائيل قطاع غزة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، ثم شددت الحصار إثر سيطرة الحركة على القطاع منتصف العام التالي، وما زال الحصار متواصلا رغم تخلي حماس عن حكم القطاع، عقب الإعلان عن حكومة التوافق الفلسطينية في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي.