تخشى "سميرة حبوش" (42عاما)، وهي أم لسبعة أبناء من دخول المطبخ لإعداد مائدة الطعام لوجبة "السحور" خوفا من قصف إسرائيلي مباغت. وتضيف حبوش لوكالة الأناضول بصوتٍ مرتجف إنّها تتمنى أن "تشعر بأجواء رمضان بعيدا عن القلق اليومي، والأخبار العاجلة". وتتابع: " بدلا من أن نعد الطعام في أجواء أسرية جميلة، ننشغل في الحديث عن القصف، وإمكانية شن إسرائيل لحرب جديدة على غزة، لقد انقسمت حياتنا ما بين "الحصار" و"التصعيد". وأصيب 10 فلسطينيين، فجر اليوم الخميس، في سلسلة غارات شنتها طائرات حربية إسرائيلية على ثمانية أهداف متفرقة في قطاع غزة. وقال المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أشرف القدرة، في تصريح لوكالة الأناضول، إن "الغارات الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة، أسفرت عن إصابة 10 فلسطينيين بجروح ما بين المتوسطة والطفيفة". ومنذ بداية شهر رمضان، شنت الطائرات الإسرائيلية عشرات الغارات على مواقع متفرقة من قطاع غزة. وعلى عجل تضع "رندة إسماعيل" "36 عاما" طعام الإفطار والسحور خوفا من القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. وتقول إسماعيل إنّ الغارات الإسرائيلية وقت السحور تهز أرجاء منزلها الأمر الذي ينسيها "رمضان"، وطقوسه. وتتابع: " من الخوف ننسى أن نأكل، ولا يحلو للطائرات الحربية أن تقصف سوى وقت السحور، ليتبدّد كل شيء، الخشوع والاستعداد لصلاة الفجر". ويخشى أهالي غزة من ازدياد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الأيام القليلة المقبلة عقب العثور على جثث المستوطنين الثلاثة الذين فقدوا في الضفة الغربية، في 12 حزيران/يونيو الشهر الماضي. ومنذ أن أعلنت إسرائيل رسميا العثور على جثث المستوطنين، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحميل حماس مسؤولية مقتل الإسرائيليين الثلاثة وأنها "ستدفع" ثمن ذلك. وشن الجيش الإسرائيلي في الساعات الماضية سلسلة من الغارات في كافة أنحاء غزة، ووفق بيتر ليرنر، المتحدث باسم الجيش فقد قصفت طائرات سلاح الجو 34 هدفا في القطاع ، منذ مساء الأحد الماضي حتى أمس الثلاثاء. ولا تحتاج غزة كما غيرها من المدن الصائمة إلى "المسحراتي" كما يقول الفتى أيمن يونس 15 عاما إذ تتكفل الطائرات الإسرائيلية كما يقول بإبقاء سكان القطاع مستيقظين. ويستدرك بالقول: " نصوم ونفطر على الشموع، وعلى وقع الغارات الإسرائيلية، وكأنه مكتوب علينا ألا نعيش حياة كباقي "البشر". ولم تنجح الحلقة الدائريّة من الشموع التي تتمايل أضواؤها يُمنةً ويُسرةً، في أن يتعرف الفتى "أحمد قاسم"، على تفاصيل مائدة طعام الإفطار، وما تحتويه من أطباق وأصناف تفنّنت والدته في إعدادها وتجهزيها. فعلى ضوء الشمع النحيل تبدو كافة الأشياء معتمّة داخل المنزل الكائن وسط مدينة غزة، ويلفها الظلام الذي يحل ضيفا دائما كما يقول قاسم "16 عاما"، لوكالة الأناضول. وتتناول أسرة "قاسم" المكونة من 11 فردا، طعام الإفطار على "الشموع" الحاضر الأول على المائدة الرمضانية. وذات المشهد يتكرر على السحور فانقطاع التيار الكهربائي وغيابه لساعات طوال، يُجبر عائلة قاسم، كما غيرها من آلاف العائلات في قطاع غزة على تناول طعام السحور والفطور في ظلام، والاكتفاء بأنوار الشموع الخافتة. ويعيش سكان القطاع، منذ عام 2006 وعقب قصف الطائرات الإسرائيلية لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، وفق جدول توزيع يومي بواقع 8 ساعات وصل للتيار الكهربائي تعقبها 8 ساعات فصل، وفي حال نفاد الوقود تمتد ساعات القطع اليومي لأكثر من 12 ساعة. ولا يجد سكان قطاع غزة البالغ عددهم 8.1 مليون نسمة، حلا سوى البحث عن وسائل بديلة للإنارة، في مقدمتها "الشموع" لرخص ثمنها مقارنة بالوسائل الأخرى ك"الشاحنات والبطاريات". وليّت الأمر يقتصّر على حضور "الشمع" كما يؤكد الحاج الخمسيني "محمود عليان"، فانقطاع التيار الكهربائي الذي يتزامن مع الغارات الإسرائيلية اليومية على قطاع غزة، يحّول المنزل إلى مكان لا يصلح للحياة، وفق وصفه. وأضاف عليان لوكالة الأناضول: " القصف الإسرائيلي المخيف، يهز أرجاء المنزل الغارق في الظلام، فنتحول إلى عاجزين عن فعل "أي شيء" بسبب الخوف من الغارات وتداعياتها، و"العتمة" التي تلف المكان". ويشكو عليان من أن هذه الأجواء أفقدته الشعور ب"روحانية" شهر رمضان، واستقباله بطريقة تليق بمقام فضله. واستدرك بالقول: " انقطاع التيار الكهربائي، في هذا الجو الشديد الحرارة، يدفعنا للتأفف، كما أنّ القصف اليومي المتكرر يجعلنا أسرى للخوف والقلق من القادم". وتحاصر إسرائيل غزة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، ثم شددت الحصار إثر سيطرة الحركة على القطاع منتصف العام التالي، وما زال الحصار متواصلا رغم تخلي حماس عن حكم القطاع، عقب الإعلان عن حكومة التوافق الفلسطينية في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي. -