يرتجف "يوسف أحمد" إبن الأربعة أعوام في حضن والده، ولا تفلح كل محاولات التهدئة في إسكات ارتجافات جسده الصغير، ودموعه التي تسيل على خديّه خوفا من أصوات الغارات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة. وكخشبة صلبة، بات يوسف بين يدي والده، كما يصف لوكالة الأناضول، أو كعصفور باغته هطول المطر. ويُضيف:" درجة حرارته مرتفعة، منذ الليلة الماضية، ويبدو خائفا لأقصى درجة، وأقف عاجزا أنا ووالدته عن بث الطمأنينة في أوصاله، ولا أدري ماذا سنفعل مع استمرار الغارات الجوية". ولو استمرت الصواريخ لأيام معدودة، ستموت الطفلة سنابل عمر رعبا وخوفا، كما تقول والدتها لوكالة الأناضول. وتتابع:" قصف واحد أمام منزلنا، وإذا بطفلتي سنابل (5) أعوام، تتحول إلى لون أصفر، وتصرخ بهستيريا، وبشكل جنوني وشعرت أنني سأفقدها". وتريد الأم لهذا الجنون كما تصفه أن يتوقف، وتستدرك بأسى:" ما ذنب أطفالنا، نوشك على فقدهم من شدة خوفهم". وشنت إسرائيل منذ فجر الاثنين حتى صباح الثلاثاء، غارات مكثفة وعنيفة على 50 هدفا وموقعا في أنحاء قطاع غزة، تسببت بإصابة نحو 30 فلسطينينا بجروح مختلفة وفق مصادر طبية فلسطينية. وأعلن الجيش الإسرائيلي أمس عن بدء عمليته العسكرية على قطاع غزة، تحت اسم "الجرف الصامد" ضد حركة "حماس" في قطاع غزة لوقف إطلاق الصواريخ من القطاع على جنوبي إسرائيل. ومن بين شفتين ترتجفان يُخاطب "عبيدة عبد الرحمن" البالغ من العمر، 5 أعوام والده: "ما بدي (لا أريد)، لعبة، بدي (أريد) الطيرات تروح (الطائرات تغادر)". ويقول والده لوكالة الأناضول:" كنت قد وعدته قبل أيام باصطحابه لشراء "ألعاب"، ومع اشتداد القصف الإسرائيلي، طالبته بالهدوء وعدم الخوف لكي أشتري له ألعابا، غير أن أشار بيده إلى السماء وقال:" بدي يروحوا (أريد أن يغادروا) في إشارة للطائرات الحربية، وما تطلقه من صواريخ وقذائف". وصباح اليوم الثلاثاء وبعد ليلة عنيفة من القصف الإسرائيلي المتواصل، بدت شوارع قطاع غزة، خالية من المارة والمركبات. وأغلقت أغلب المحال التجارية أبوابها، وبدا لو أنها مدينة أشباح كما يقول "فارس ياسين" 47 عاماً". وأضاف في حديث لوكالة الأناضول:" غزة حزينة، الجميع يخشى الحرب، وما تحمله الأيام القادمة، الكل انطوى على نفسه في البيت". وغاب مشهد الأطفال الذين يركلون كرة القدم في شوارع مدينة غزة، إذ التزموا منازلهم خوفا من استهداف الطائرات الإسرائيلية للأراضي الخالية والزراعية. وإلقاء نظرة على البيوت التي تحولت إلى أكوام من الدمار، كافية لبث الحزن في قلوب أهالي قطاع غزة كما تقول "ربى عبيد" (39 عاما). وتضيف لوكالة الأناضول:" وكأنه قدرنا أن نحيا بخوف، وحصار، حتى أخبارنا لا نعرفها، بسبب انقطاع التيار الكهربائي". ويعيش سكان القطاع، منذ عام 2006 وعقب قصف الطائرات الإسرائيلية لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، وفق جدول توزيع يومي بواقع 8 ساعات وصل للتيار الكهربائي تعقبها 8 ساعات فصل، وفي حال نفاد الوقود تمتد ساعات القطع اليومي لأكثر من 12 ساعة. ولا تملك غزة سوى رفع أكف الدعاء لتجنبيها الدمار والموت كما يقول الستيني "رأفت حجازي"، فالقطاع يبدو كما يصف لوكالة الأناضول كقنبلة توشك أن تنفجر. ويُتابع:" الشوارع حزينة، والموت كأنه يمشي بيننا، ندعو الله أن يسلّم صغارنا، وأولادنا من هذا التصعيد المخيف". وكأنه ينقص غزة حربا لكي تموت أكثر، كما يقول الشاب أحمد زقوت (22 عاما)، لوكالة الأناضول. ويتابع:" لا حياة في غزة، تبدو كمدينة (أموات)، ولا خيار سوى أن تموت بالحرب، أو بالحصار، وممنوع أن تحيا". وتحاصر إسرائيل غزة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، ثم شددت الحصار إثر سيطرة الحركة على القطاع منتصف العام التالي، وما زال الحصار متواصلا رغم تخلي حماس عن حكم القطاع، عقب الإعلان عن حكومة التوافق الفلسطينية في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي. وعلى وقع مخاوف من حرب إسرائيلية جديدة ثالثة، يعيش سكان قطاع غزة هذه الساعات التي تبدو طويلة، وقاسية في ظل التحليق المكثف للطائرات الحربية بمختلف أنواعها. وسبق أن شنت إسرائيل حربين على غزة، الأولى بدأت في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 وأطلقت عليها عملية "الرصاص المصبوب"، أسفرت عن مقتل وجرح آلاف الفلسطينيين، وتدمير هائل للمنازل وللبنية التحتية. وشنت إسرائيل حربا ثانيا في نوفمبر/تشرين ثاني 2012، استمرت لمدة 8 أيام أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من الفلسطينيين.