خيبة الأمل في قمة مجموعة الثماني د. طه عبدالعليم خيبة أو فشل كبير, كما يقول المصريون, جسدها حصاد قمة الدول الثماني الأخيرة في اليابان. وتتجلي خيبة الأمل ليس فقط في قرارات القمة بشأن أزمات الغذاء والنفط وتدهور المناخ وأسواق المال وبصدد مكافحة الإرهاب والانتشار النووي, بل تمتد إلي المسكوت عنه في القمة وخاصة قضية السلام في الشرق الأوسط والمسئولية الأمريكية عن الأزمة الاقتصادية العالمية. وتمتد خيبة الأمل لتشمل ليس فقط البلدان الإفريقية المهمشة, التي بدا ممثلوها كالأيتام علي مائدة اللئام, والبلدان الصناعية الصاعدة وفي مقدمتها الآسيوية, التي واصل' الكبار' جهودهم لإبعادها عن الانضمام الي مجموعة بلدان الاقتصادات العالمية الكبري رغم حقها الظاهر بفضل انجازها ووزنها, بل والبلدان الصناعية الرئيسية السبعة, التي بدت عاجزة عن الإنفراد بقيادة العالم مع تراجع قوتها الاقتصادية النسبية وتداخل دوافع وحدتها مع نوازع فرقتها تجاه تحديات عالم ماغير. وقد يجدر أن اوضح أولا, أن مجموعة الثماني قد ولدت من رحم أزمة النفط والركود الاقتصادي العالمي, حين شاركت مجموعة الستة, وهي فرنساوألمانيا وبريطانيا وإيطاليا واليابانوالولاياتالمتحدة, في قمة باريس الأولي عام1975, ثم اتسعت الي مجموعة' الدول الصناعية السبع الرئيسية' بانضمام كندا في العام التالي, ثم الي مجموعة الثمانية بانضمام روسيا في عام.1998 وقد استهدفت القمة في بدايتها مناقشة القضايا الاقتصادية العالمية, لكنه سرعان ما شغلت القضايا السياسية والأمنية مكانا بارزا في جداول أعمالها, فبدت' مجلس إدارة العالم', بما تمثله من قوي اقتصادية وعسكرية وسياسية, لا منافس ينازع هيمنتها العالمية, فتمتعت بتأثير قوي في شتي المنظمات الدولية, رغم تعبيرها عن مصالح أطرافها وضربها عرض الحائط بمصالح باقي دول العالم. ورغم أن الاختلال الهائل في توزيع القدرات الاقتصادية والشاملة في صالحها مازال يفسر استمرار دورها النافذ في ادارة شئون العالم, الاقتصادية وغير الاقتصادية, فقد تراجعت قوتها الاقتصادية النسبية, كما تبرز مؤشرات حصة دولها في الناتج المحلي الاجمالي للعالم ومن الصادرات العالمية للسلع والخدمات. وهكذا, في عام2000, فإن البلدان الصناعية السبع الرئيسية ضمت من سكان العالم وقدمت45.4% من الدخل العالمي واستحوذت علي47.7% من الصادرات العالمية. بيد أن ذات الدول, في عام2007, ضمت نسبة أقل من سكان العالم لم تتعد11.3%, وانخفض نصيبها من الدخل العالمي الاجمالي بدرجة طفيفة الي43.5%, لكن حصتها من الصادرات العالمية هبطت وبشدة الي38.4%. ولم تعد المجموعة تضم دولا ذات اقتصاديات ضخمة متنامية مثل الصين والهند. كما أن دولة متقدمة وصناعية كبري مثل اسبانيا, التي تحتل مركزا أكثر تقدما من روسياوكندا, ليست عضوا في المجموعة. وقادت الولاياتالمتحدةالأمريكيةواليابان معارضة لاقتراح الرئيس الفرنسي ساركوزي بتوسيع مجموعة الثماني. ولم يغير من الأمر شيئا اجتماع مجموعة الدول الست عشرة التي تتمتع بأكبر اقتصادات في العالم, التي ضمت علي هامش قمة اليابان- فضلا عن الدول الصناعية الثماني الكبري- كلا من الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والمكسيك واستراليا واندونيسيا وكوريا الجنوبية. ولعل التفسير الأهم لهذه الآلية التي انطلقت في سبتمبر2007 أن مجموعة الست عشرة دولة تعد المسئولة عن أكثر من80 في المائة من الانبعاثات الغازية علي مستوي العالم, وهي إحدي القضايا الأهم للقمة.وعلي هامش ذات القمة اجتمع زعماء دول مجموعة' البريك', التي تملك أكبر الموارد في العالم, وتضم روسيا والبرازيل والهند والصين, التي تتطلع الي دور أكبر في النظام الإقتصادي العالمي. وأرصد ثانيا, بين المسائل التي تناولها قادة مجموعة الثماني في البيان الختامي أزمة الغذاء. وفي قراراتهم بصدد هذه القضية- كما في غيرها من القضايا- تتجلي أسباب ما وصفته بخيبة الأمل. وهكذا, فقد طالب قادة مجموعة الثماني بأن تكون سياسات إنتاج واستخدام الوقود الحيوي متماشية مع الأمن الغذائي! ودعوا الي تطوير وتسويق جيل ثان من الوقود الحيوي من مواد لا تصلح للأكل! وأعلنوا أن الأمن الغذائي يتطلب المزيد من فتح أسواق وتحرير تجارة السلع الغذائية, والزراعة! ودعوا الدول التي لديها مخزون كاف من الأغذية بأن تجعل جزءا منه متاحا للدول المحتاجة مع تكوين مخزون احتياطي من الحبوب للغايات الإنسانية! والواقع أن هذه وغيرها من قرارات القمة لا تعالج العوامل الرئيسية التي تفسر ارتفاع أسعار المواد الغذائية, ولا تسمح بمجابهة عواقبها الكارثية. وأكتفي هنا بذكر أن مسئولي الاممالمتحدة قد شبهوا ارتفاع اسعار الغذاء بالتسونامي الصامت الذي يهدد حياة100 مليون من سكان العالم الاشد فقرا! وأن كبير مستشاري الاممالمتحدة للاغذية قد طالب بسرعة تجميد الاستثمار في انتاج الوقود الحيوي, قائلا ان الاندفاع الاعمي فيه عمل' غير مسئولي', وان الاندفاع نحو الوقود الحيوي هو' فضيحة لا يستفيد منها سوي جماعة ضغط صغيرة', وطالب بعقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة لبحث ازمة الغذاء! ودعا الي فرض قيود علي المستثمرين الذين تؤدي مضارباتهم الي ارتفاع أسعار الأغذية. وكان سلفه في وظيفته السويسري جين تسيجلر قد أدان انتاج الوقود الحيوي واعتبره' جريمة ضد الإنسانية' وطالب بحظر فوري علي استخدامه! ورغم اعتراف خبير امريكي بارز بأن' التنافس بين المحاصيل الغذائية والمحاصيل الزراعية من أجل الوقود سيؤثر علي الإمدادات الغذائية وعلي الأسعار لسنوات قادمة'! فقد شجعت الإعانات الحكومية الأمريكية لإنتاج الإيثانول الذي يستخدم الحبوب كمادة خام, العديد من المزارعين الأمريكيين علي تحويل منتجاتهم من استخدامها للمواد الغذائية إلي الاستخدام في الوقود الإحيائي. وتذكر وزارة الزراعة الأمريكية أن23 في المئة من محاصيل الذرة دخلت في إنتاج الإيثانول بين عامي2006 و2007 وتتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلي50 في المئة بين عامي2007 و2008! ورغم أثر الأحوال الجوية السيئة في خفض الإمدادات والمخزونات العالمية من الحبوب إلي أدني مستوياتها, يشير الخبير الأمريكي الي أنه من غير الواضح ما إذا كان تزايد حالات الظروف غير الطبيعية مجرد ظاهرة طارئة أم جزءا من التدهور طويل الأجل في المناخ! وأما ازمة أسواق المال, التي تتحمل مسئوليتها بالدرجة الأولي إخفاقات' السوق الحرة' الأمريكية, وإخفاقات الإدارة الجمهورية بالذات, فقد تجاهلتها' القمة'. وباختصار, فقد تزايد اهتمام المستثمرين بالمضاربة علي السلع وبينها الغذائية, بعقد صفقات عقود آجلة يحتفظ بها مستثمرون لا نية لهم بتسلمها! وكان هذا- ضمن أسباب أخري بينها الوقود الحيوي والتغيرات المناخية- هو ما دفع تقرير للبنك الدولي الي تأكيد أنه:' يتوقع ان تبقي أسعار المحاصيل الغذائية مرتفعة في عام2008 وفي عام2009, وأن تظل حتي عام2015 أعلي بكثير من مثيلاتها في عام2004, بالنسبة لغالبية المحاصيل الغذائية'. وفي المقابل, فان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل, التي تعد بلدها أكبر منتج للوقود الحيوي في أوروبا وتقود تيارا يدفع في ألمانيا نحو' سوق حرة' علي حساب' اقتصاد السوق الاجتماعي' وفي العالم نحو عولمة ظالمة تفتقد الي' النزعة الإنسانية الواجبة', تعلن: إن' الناس يأكلون مرتين في اليوم! واذا كان ثلث الشعب الهندي البالغ تعداده مليار نسمة يفعل ذلك; فهؤلاء عددهم300 مليون نسمة.' وحول القيود التي يفرضها الاتحاد الاوروبي علي منتجات الالبان قالت المستشارة الألمانية:' إذا استهلكوا فجأة طعاما يعادل مثلي ما كانوا يستهلكونه واذا بدأ100 مليون صيني في شرب الحليب أيضا فإن حصص الحليب لدينا ستقل.' ورغم أن انتاج الوقود العضوي يؤثر حتما علي مساحات الاراضي الزراعية المخصصة للانتاج الغذائي, زعمت ميركل:' يجب ان نتأكد من ان انتاج الوقود العضوي لن يؤثر سلبا في انتاج الغذاء!' عن صحيفة الاهرام المصرية 13/7/2008