تطبيق الحكم المحلي كمدخل للإصلاح السياسي في مصر د. رضا سميح أبوالسعود لقد عرفت مصر فكرة المجالس المحلية منذ ما يقرب علي قرن من الزمان، عندما صدر قانون مجالس المديريات بالأمر العالي رقم »22« في 18 سبتمبر سنة ،1909 الذي خول للمجالس حق جباية ضريبة أو رسوم خاصة تنفقها كلها أو بعضها في شئون التعليم، وفي بداية الستينيات من القرن الماضي، وأثناء اعتناق حكومة يوليو للعقيدة الاشتراكية، تم إصدار القانون رقم (124) لسنة ،1960 المعروف بقانون الحكم المحلي. وهذا القانون تمت صياغته بصورة غير جيدة تم تعديله عدة مرات حتي أصبح بالصورة المعيبة التي هو عليها الآن، حيث تم تجريد عضو المجلس المحلي المنتخب من أي صلاحيات رقابية يمكن أن تساعد في القضاء علي الفساد المستشري في الوحدات والإدارات والمصالح الحكومية، والتي أصبحت رائحته تزكم الأنوف لدرجة اعتراف الحكومة نفسها بوجود فساد في المحليات ولكنها لا تستطيع مواجهته؟!. لقد أصبح الشارع المصري في حالة انفلات كامل، بسبب غياب الرقابة وضعف السلطة، في مواجهة مافيا الأسواق والطابور الخامس الذي يستحل الاستيلاء علي أموال المصريين ومقدراتهم تحت سمع وبصر الحكومة، دون أن تحرك ساكناً، أو تضطلع بدورها في حماية المجتمع المصري والسوق المصرية من حمي الاحتكار التي انتشرت في كثير من السلع، مما أدي إلي ارتفاع الأسعار يومياً بصورة جنونية وغير مبررة منطقياً، وهي ما تجعل المواطن الشريف لا يستطيع العيش والحياة بصورة كريمة وتدبير احتياجاته واحتياجات أسرته الأساسية. كذلك فساد الذمم والرشوة التي وصلت إلي قيادات رفيعة في الأجهزة التنفيذية في المحليات والمصالح الحكومية، والتي أصبحت من الأشياء التي تكاد تتطلع عليها بصورة يومية في صفحة الحوادث بالصحف اليومية، حتي أصبح الموظف الشريف في هذا البلد عملة نادرة وأصبحت قيمة الشرف والأمانة مثاراً للتهكم والسخرية. ويمكن للمحليات إذا أحسن تطبيقها وتم تنفيذها بصورة صحيحة وجيدة مثل النظم المطبقة في الديمقراطيات الغربية أن تحقق الأهداف المرجوة منها، إذا منحت الصلاحيات اللازمة، من إحكام الرقابة علي الأسواق، ومراقبة وحدات الجهاز الإداري والمصالح الحكومية، لهذا لا أتصور أن يقوم موظف بالوحدة المحلية أو المصالح الحكومية بالترشيح لعضوية المجلس الشعبي المحلي بنفس الوحدة أو لعضوية المجلس الذي يعلوه وإلا يبقي حاميها حراميها، وعدم الجمع بين العمل في الجهاز التنفيذي وعضوية المجالس المحلية مطلباً أساسياً حتي نفصل بين الرقابة وتقديم الخدمة والتنفيذ. هناك مشكلة أخري تتعلق بالتمييز علي أساس المذهب السياسي والفكري ويترتب عليه تهميش الآخر إن لم يكن إقصاءه وهو ما يخل بمبدأ المواطنة عند التقدم للترشيح للمجالس المحلية، حيث يتم التضييق علي العناصر المعارضة، بل ومنعها في كثير من الأحيان من التقدم بأوراقها للترشيح للانتخابات في المجالس المحلية، حيث تتولي الحكومة العملية الانتخابية برمتها، ومن ثم تيسر لمرشحي حزبها ما تعثره بل وتمنعه علي مرشحي الأحزاب والجماعات الأخري. وفي هذا مخالفة للدستور والقانون الذي ينص علي المساواة بين المواطنين المصريين في الحقوق السياسية والواجبات، ومن ثم نري ضرورة إنشاء لجنة محايدة من جمعيات حقوق الإنسان تتولي الإشراف علي الانتخابات بشتي أنواعها المحلية والبرلمانية من الألف إلي الياء ضماناً للحيدة والنزاهة طالما أن النظام الحاكم برفض الإشراف القضائي علي الانتخابات، وقنن ذلك بصورة تشريعية في التعديلات الدستورية الأخيرة. كذلك إعادة هيكلة المجالس المحلية الشعبية، بحيث تصبح كل وحدة محلية قروية داذرة قائمة بذاتها فيصبح في مصر (1506) دوائر انتخابية مستقلة فقط، ويتم تخفيض عدد مقاعد المجلس الشعبي للوحدة المحلية إلي (11 مقعداً) فقط بدلاً من 24 مقعداً، وتمثل الوحدة المحلية بمجلس محلي المركز بمقعدين فقط، بدلاً من عشرة مقاعد لكل وحدة و»14« مقعداً عضو لكل بندر وحي في مجلس المركز، كما تمثل كل وحدة محلية بمقعد واحد فقط في مجلس محلي المحافظة، بدلاً من تمثيل كل مجلس محلي مركز وقسم بعشرة مقاعد. ومن ثم يصبح إجمالي القاعدة المتنافس عليها في كل وحدة محلية قروية 14 مقعداً فقط بدلاً من 44 مقعداً يختارها الناخب من عدد المرشحين في المجالس الشعبية لدائرة وحدة القرية أو 48 لوحدة البندر والحي، ومن ثم يصبح العدد الكلي لأعضاء مجالس الوحدات علي مستوي الجمهورية (16566) عضواً موزعين علي (1506) مجالس محلية قروية، ويبلغ إجمالي عدد أعضاء مجالس المراكز (3012) عضواً موزعين علي مجالس المراكز والبالغ عددها (184) مجلساً، حسب عدد الوحدات المحلية بكل مركز. ويعاني أكثر من (75%) منه من الأمية السياسية، ويشهد عزوفاً عن المشاركة السياسية والمجتمعية، إضافة إلي تقليص الوقت المستنفد في البحث في اختيار هذه الأعداد الكبيرة، وتقليل الأخطاء والأصوات الباطلة نتيجة زيادة عدد الأسماء المختارة ونسبة العمال والفلاحين، إضافة إلي إعادة الاعتبار والاحترام لأعضاء المجالس المحلية الشعبية. كذلك نظام تعيين رؤساء الوحدات المحلية والمدن والأحياء والمحافظين أيضاً يحتاج إلي مراجعة، فيجب أن يتم شغل هذه المواقع الوظيفية من خلال الانتخاب الحر المباشر بين الناخبين من أبناء الدوائر المختلفة حسب مستوي الوظيفة، وأن تتحول وزارة التنمية المحلية إلي أمانة عامة تتولي الشئون الإدارية فقط، ويتم وضع قانون جديد للحكم المحلي يتناسب مع ولوج مصر في الألفية الثالثة، بحيث تلغي نسبة العمال والفلاحين الجائرة في المجالس المحلية والنيابية والتي كبلت المجتمع المصري لسنوات طويلة، وأفرغت الحياة النيابية من عناصر وكفاءات جيدة كان يمكن الاستفادة منها في الإسهام في نهوض المجتمع المصري وتقدمه، بسبب هذا القيد الظالم والعنصري والذي يتنافي مع شعار المواطنة الذي يرفعه الحزب الحاكم، وتصدر به التعديل الدستوري الجديد. عن صحيفة الوفد المصرية 29/3/2008