طرح إعلان محمد جهاد اللحام رئيس مجلس الشعب السوري، الاثنين، فتح باب الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية وإجرائها في موعدها المقرر في 3 يونيو/حزيران المقبل، مجموعة من ردود الأفعال المتنوعة جاء أبرزها من الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدةالأمريكية. لا مصداقية ففي الوقت الذي سخرت فيه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكيةجنيفر بساكي، خلال مؤتمرها الصحفي اليومي في واشنطن، من الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام السوري إجراءها، وقالت: "لا مصداقية لهذه الانتخابات"، قال استيفان دوجريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس: "إجراء نظام بشار الأسد لانتخابات الرئاسة في سوريا، يتعارض مع نص وروح بيان جنيف1 وسيعرقل احتمالات التوصل إلي حل سياسي للأزمة". واتفاق "جنيف – 1" توصلت إليه "مجموعة العمل حول سوريا"، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي وتركيا ودول تمثل الجامعة العربية، يوم 30 يونيو/ حزيران 2012، ودعا إلى حل الأزمة السورية سياسيا عبر تشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات برلمانية وتعديلات دستورية، غير أنه لم يشر إلى مصير الأسد. انتخابات على وقع القصف وأثارت الظروف الراهنة في البلاد مجموعة من الأسئلة حول رهان النظام السوري على إجراء الانتخابات في ظل حرب مزقت سوريا خلال أكثر من 3 سنوات، خلفت ورائها أكثر من 150 ألف قتيل، ونزوح ولجوء نحو نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بحسب منظمات حقوقية. فمن جانبه، قال خالد خوجا ممثل الائتلاف الوطني السوري المعارض في تركيا: "إن "الإعلان عن إجراء الانتخابات أمس تزامن مع قصف الطائرات لمناطق في دمشق، وإسقاطها لبراميل متفجرة في مناطق حلب وإدلب، ما يعني أن النظام يعلن عن الانتخابات على وقع القصف، في محاولة من النظام لفرض أمر واقع جديد وشروط لعبة جديدة، يوهم المجتمع الدولي بها على أنه قادر على ضبط الأمور". وذهب خوجا، في تصريحات عبر الهاتف لوكالة "الأناضول"، أن النظام ربما يراهن على براغماتية المجتمع الدولي مع التعامل مع الأمر الواقع الجديد، خاصة بعد أن وجد براغماتية عالية من الولاياتالمتحدة عند إبرام صفقة الكيماوي، وسحب السفن التي كانت على وشك قصف مناطق في دمشق تابعة للنظام خلال ساعات، عندما وقعت الصفقة ليستعيد النظام عافيته". بداية تقسيم من ناحية أخرى، أكد خوجا أن النظام قرأ تصريحات الغرب وتنديداته، بأنها لا تترافق مع أفعال، موضحا أنه رغم ذلك فإن هذه الانتخابات لن تمكنه من إعادة السطيرة على الأرض، بل ربما يحاول قياس حجمه وثقله في المناطق التي يسيطر عليها. ولفت إلى أن "من أهداف هذه الانتخابات أيضا ربما بداية تقسيم البلاد، حيث إن النظام يسيطر على محافظتي دمشق وحمص ومنطقة الساحل فقط، فيعرف من خلال الانتخابات حجم أصواته ويتجه للتقسيم خاصة بعد أن فرضت حالة جديدة في البلاد تشبه الكانتونات، من سيطرة لأحزاب كردية وإسلامية على مناطق معينة". واعتبر خوجا أنه "لن تكون هناك انتخابات، خاصة وأن أكثر من نصف الشعب السوري خارج الدوائر التي تغطي مراكز الاقتراع داخل البلاد وخارجه". وبالإضافة إلى ذلك اتهم خوجا المجتمع الدولي بأنه "لا يرغب بالضغط وكل ما يصرح به أن النظام يسد الحل السياسي، وهو أمر معروف سابقا خلال مفاوضات جنيف2 وتصريحات الإبراهيمي حول ذلك بإعاقة النظام لسبل الحل"، مضيفا أنه "إذا رغب المجتمع الدولي بتغير الواقع فعليه تقديم دعم نوعي عسكري وفرض حظر للطيران وهذا ما سيغير الواقع". وخلص ممثل الائتلاف أن "الانتخابات مهزلة والقوانين فصلت على مقياس بشار الأسد، ولن يكون هناك مرشحون فعليون سوى بشار الأسد، ولن يكون هناك من ينتخب، لأن الأرياف ليست تحت سيطرة النظام، وسكان المدن هُجّروا فمن سينتخب، فهي مسرحية هزلية لن يكون لها أي معنى". فاقد للشرعية أما الباحث في العلاقات الدولية والشئون الإستراتيجية، علي حسين عرب أوغلو، فأبدى اعتقاده أن النظام "غير قادر على إقناع أي أحد بهذه الإجراءات التي يقوم بها، حتى الإيرانيين أنفسهم خلال الأيام القليلة الماضية صرّحوا أكثر من مرّة عبر قادة بارزين أنه لولاهم ولولا حزب الله لما بقي الأسد حتى الآن". وأضاف في تصريحات لوكالة "الأناضول" الإخبارية أن الأسد فقد شرعيته منذ بداية الثورة، وهو حاليا يؤكّد أنّه لا يلتزم حتى بالتشريعات التي وضعها هو، والتي تنهي ولايته كرئيس لسوريا، وتؤكد أنّه يريد التمسك بالسلطة، على جماجم وأشلاء السوريين، ولو أدى ذلك إلى تدمير سوريا كليا كما يفعل الآن - على حد تعبيره. وعلل إقدام النظام على هذه الخطوة بأن "الأسد وداعميه يعتقدون أنّه من الممكن أن يستعيد النظام شرعيته، لكنّها خطوة سخيفة في الوقت الذي يقتل فيه الأسد أكثر من 150 ألفا من مواطنيه، ويشرد أكثر من نصف الشعب السوري خارج وداخل البلاد، ويهدّم البنية التحتية، ويستخدم كل الأسلحة، بما فيها المحرمة دوليا". من جهة أخرى، اعتبر عرب أوغلو أن المشكلة تتمثل في أن هناك مساحة للنظام للتحرّك بشرط أن لا يضر بأمن إسرائيل أو الولايات المتّحدة، وكل ما عدا ذلك مسموح به كما أظهرت الوقائع منذ آذار 2011، حيث لا توجد معارضة دولية حقيقيّة متبوعة بإجراءات صارمة، وكل ما يجري هو مجرّد تصريحات واستنكارات إعلامية لا تعكس حقيقة وجود موقف رافض بشكل قوي". واستشهد الباحث "بموقف أمريكا والغرب على الرغم من ضعفه خلال الأزمة الاوكرانية، بموقفه من سوريا، حيث يتم فرض عقوبات صارمة بشكل تدريجي على روسيا لمنعها من مواصلة العبث بأوكرانيا، في الوقت الذي تتفاوض فيه أمريكا والغرب مع إيران الداعم الرئيسي للأسد، وكذلك تعقد تفاهمات مع روسيا حول الوضع السوري في ظل استسلام تام للمنظمات الإقليمية والدولية". واختتم الباحث كلامه مشددا على أن "الأسد يحاول أن يقول أنه مازال موجودا، وأنه رئيس لسوريا، وهو يعتقد أن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي إلى فرض الأمر الواقع على المعارضة والثورة السورية، حيث سيعمد إلى تعزيز موقعه السياسي كمفاوض، وفي نفس الوقت يقدم نفسه على أنه الوسيلة الأنجع لمحاربة ما يسمى الإرهاب الذي هو خلقه بنفسه، لكنّ ذلك لن يصب إلا في خانة دفع البلاد لمزيد من الفوضى". الانتخابات السورية وكان رئيس مجلس الشعب السوري قد دعا أمس أيضا الراغبين بخوض انتخابات الرئاسة القادمة إلى التقدم بطلبات ترشيحهم إلى المحكمة الدستورية اعتباراً من صباح اليوم الثلاثاء، وإلى نهاية الدوام الرسمي ليوم الأول من مايو/ آيار المقبل، كما دعا السوريين المقيمين داخل سوريا وخارجها إلى ممارسة حقهم الانتخابي. وحدد رئيس مجلس الشعب موعد الانتخابات في 3 يونيو/حزيران المقبل بالنسبة للسوريين المقيمين داخل سوريا، و28 مايو/آيار المقبل بالنسبة للمقيمين خارج البلاد. ومن المعلوم أن سوريا لم تشهد انتخابات رئاسية منذ عهد الرئيس شكري القوتلي عام 1958، وبعد سلسة من الانقلابات العسكرية التي وقعت في البلاد، نجح حافظ الأسد في آخر انقلاب بالسيطرة على الحكم، وفرض أسلوب الاستفتاء على اختيار الرئيس بعد طرح اسمه من قبل مجلس الشعب. واستمر الأمر على هذا الحال إلى أن وافق البرلمان السوري، مارس/آذار الماضي، على قانون الانتخابات العامة الجديد الذي تضمن أحكام انتخاب رئيس الجمهورية. ونص القانون على شروط يجب أن تتحقق في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية، بأن يكون "متمّاً الأربعين من عمره في بداية العام الميلادي الذي يجري فيه الانتخاب، ومتمتعاً بالجنسية السورية بالولادة من أبوين متمتعين بتلك الجنسية بالولادة، وأن يكون متمتعاً بحقوقه السياسية والمدنية وغير محكوم بجناية أو جنحة شائنة، أو مخلة بالثقة العامة، ولو رد إليه اعتباره". كما يشترط في المرشح "ألا يكون متزوجاً من غير سورية، وأن يكون مقيماً في سوريا مدة لا تقل عن 10 سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح، وألا يحمل أي جنسية أخرى غير الجنسية السورية، وألا يكون محروماً من ممارسة حق الانتخاب". واعتبرت مصادر في المعارضة السورية، تلك الشروط، بأنها تقصي غالبية أعضاء المعارضة من الترشح لرئاسة الجمهورية، وفُصلّت لتناسب رئيس النظام بشار الأسد. وكان الأسد الذي تسلم مقاليد الحكم عام 2000 صرح في حوارات سابقة له مع وسائل إعلامية أنه "لن يتردد للترشح في حال أراده الشعب السوري، أما إذا شعر بعكس ذلك فإنه لن يترشح، في حين أن مسؤولين في نظامه أكدوا عزمه الترشح لولاية ثالثة".