لا يتخيل الموظف إبراهيم ناجي 47 عاما، أن ينتهي شهر أبريل الجاري، دون تلقيه لراتبٍ شهري يتكفل بسداد ديونه، وتلبية طلبات أسرته اليومية. ويضع ناجي، كما غيره من آلاف الموظفين في قطاع غزة، يده على قلبه خوفا من انقطاع رواتب السلطة الفلسطينية، عقب إعلان إسرائيل وقف تحويل أموال المقاصة الضرائب الشهرية، وفرضها عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين. وقال في حديث لوكالة الأناضول إن موظفي القطاع، لا يتحملون فكرة غياب الرواتب ولو لأسبوعٍ واحد، في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية الخانقة والتي وصلت إلى حد غير مسبوق من التدهور، حسبما قال. ولا تزال السلطة الفلسطينية تدفع مرتبات موظفيها في قطاع غزة والبالغ عددهم قرابة 55 ألف موظف، يمتنع أكثرهم عن الذهاب لأماكن عملهم بأوامر منها، عقب سيطرة حركة حماس على غزة وتوليها الحكم في القطاع في صيف يونيو 2007 بعد الاقتتال الداخلي مع حركة فتح. وأعقب ذلك الاقتتال، تشكيل حكومتين فلسطينيتين، الأولى تشرف عليها حماس في غزة، والثانية في الضفة الغربية وتشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، رئيس حركة فتح. وكانت إسرائيل قد أعلنت مساء أول أمس، عن حجب أموال "المقاصة" رسمياً، بعد أن أصبحت فلسطين عضوا في اتفاقيات جنيف الأربع والبرتوكول الإضافي الأول، وفق تأكيد الخارجية السويسرية. وفرضت إسرائيل عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين ردا على توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على "15" اتفاقية ومعاهدة للانضمام للمؤسسات الدولية. وتُحصل إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين الضرائب على السلع والبضائع والخدمات الفلسطينية الصادرة والواردة عبر الحدود وتسمى أموال المقاصة، تطبيقا لبروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 1994. ويبلغ متوسط قيمة أموال المقاصة الشهرية، نحو 140 مليون دولار، وبدون هذه الإيرادات، فإن السلطة الفلسطينية، ستكون عاجزة عن دفع رواتب نحو 160 ألف موظف في قطاع غزة والضفة الغربية بقيمة 140 مليون دولار وفق بيانات لوزارة المالية في حكومة رام الله. وما يتقاضاه الموظف "إسماعيل عاشور" "52" عاما من راتب ينقضي قبل نصف الشهر كما يؤكد في حديث لوكالة الأناضول. ويستدرك: "فكيف لو طبّقت إسرائيل قراراها الفعلي، وعاقبت السلطة اقتصاديا، سنكون في أزمة خانقة، فالراتب لا يكفي لتأمين متطلبات الحياة اليومية فكيف بانقطاعه كاملا". ويخشى الموظف "سامي النخالة" من تطبيق إسرائيل لعقوباتها الاقتصادية على الفلسطينيين، ويقول في حديث لوكالة الأناضول إنه ملتزم بسداد القروض الشهرية المستحقة لصالح البنوك. وتابع:" كما أن الوضع في قطاع غزة، لا يسمح بانقطاع أي جزء من الراتب، فالحياة باتت صعبة جدا، والأوضاع تزداد سوءا يوما بعد آخر". ويعيش 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة، في الوقت الراهن واقعا اقتصاديا وإنسانيا قاسيا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي والمتزامن مع إغلاق الأنفاق الحدودية من قبل السلطات المصرية. وترتفع معدلات البطالة والفقر، وفق وزارة الاقتصاد التابعة للحكومة المقالة في غزة إلى ما يزيد عن 39%. ويشعر الموظف أنور رضوان "48 عاماً"، وهو أب لتسعة أبناء، بالخوف من تداعيات القرار، مشيرا إلى أن الراتب لم يعد يكفي لتسديد فواتير الالتزامات اليومية، ومتطلبات الحياة التي تزداد وفق وصفه تعقيدا يوما بعد آخر. ويتمنى الموظف الحكومي "رأفت الزهارنة" أن تلتزم السلطة ولو بدفع سلفة من الراتب، في حال نفذت إسرائيل قرار عقوباتها الاقتصادية. ويستدرك:" على الأقل لنتساوى مع حياة الموظفين التابعين للحكومة في غزة، فلا يمكن في ظل هذه الظروف القاسية، والأحوال المعيشية الصعبة أن نعيش بدون راتب". وتمر الحكومة في غزة، والتي تديرها حركة حماس بأزمة مالية خانقة، تسببت للشهر السابع على التوالي بتأخر صرف رواتب موظفيها والبالغ عددهم 42 ألف موظف بفاتورة شهرية تبلغ حوالي 37 مليون دولار شهريا وفق بيانات لوزارة المالية المقالة. وتقول حركة حماس إنها تعاني من ضائقة مالية تجعلها عاجزة عن دفع رواتب الموظفين في موعدها، أو دفع الرواتب بشكل كامل بالآلية المعتادة. وفقدّت حماس موردا ماليا مهما عقب إغلاق وهدم الأنفاق المنتشرة على طول الحدود الفلسطينية المصرية. وألغت داخلية المقالة الأسبوع الماضي، لجنة حكومية كانت مهمتها فرض الضرائب على البضائع الواردة عبر الأنفاق.