" ثلاثون يورو" هو الثمن الذى دفعته أسقفية قرطبة لتحويل ملكية " مسجد قرطبة " المعروف بالمسجد الكاتدرائية لملكية الكنيسة الأسبانية ، مستغلة وجود قانون يسمح بتسجيل ملكية المعابد بأثمان رمزية ، وقامت في صمت بتسجيل الجامع الشهير في ملكيتها عام 2006 ، و من المقرر أن تتحول ملكيته قانونيا فى عام 2016 إن لم يتم وقف ذلك . أثار ذلك الأمر الكثير من الجدل فى أسبانيا ، و كالعادة جاءت المبادرة من المجتمع المدنى مثل جماعة "أنقذوا مسجد قرطبة" ،و "منتدى مسجد كاتدرائية قرطبة" ، و " من أجل أوروبا علمانية " الذين اتجهوا لجمع التوقيعات التى وصلت حتى الآن ل 180 ألف توقيع ، و إرسالها إلى كل من منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، والحكومة الإسبانية والبرلمانين الإسباني والأوروبي لمنع تسجيل الآثر ضمن ملكية الكنيسة ، مؤكدين أنه أثر ملك للإنسانية جمعاء و لا يقتصر على ديانة . و فى حديث د. مختار الكسبانى عالم الآثار الإسلامية لشبكة " محيط " قال أن مسجد قرطبة تحول بالفعل إلى كنيسة منذ عام 1490 ، أى فى آواخر القرن ال 15 بعد اتحاد مملكتى " ايزابيلا و فرديناند " و إصدار قرار تحويل جميع المساجد فى الأندلس إلى كنائس ، لذا فما يحدث الآن أمر طبيعى . فتحول مسجد قرطبة إلى كنيسة و عرف بالمسجد الكاتدرائية ، و مسجد طليطلة الجامع صار كاتدرائية طليطلة العظمى ، و مسجد قصر الحمراء تحول لكنيسة سانتا ماريا صاحبة الحمراء ، و هذا ما صارت إليه جميع مساجد الأندلس . و استدرك الكسبانى قائلا أنه برغم تحول المسجد إلى كنيسة بالفعل و لكنه ظل تحت إشراف الدولة ، و لم ينتقل لملكية الكنيسة و انتقاله لها الآن يثير المخاوف و التحفظات من محاولة قيام الكنيسة بتغيير أو هدم معالمه الأثرية التى تعبر عن الحضارة الإسلامية . و طالب الأثرى اليونسكو بأنه حتى لو تحولت ملكية المسجد للكنيسة الأسبانية بأن تلتزم كمنظمة تعمل على حفظ التراث ، بأن يحتفظ المسجد بطابعه الأثرى ، و أن تفرض على الكنيسة حماية المكان الذى يمثل حقبة فى تاريخ الأندلس لا يمكن طمسها . كما أشار الكسبانى أن هذا حدث بالفعل فى العديد من دول العالم ، فالمسجد الأموى بدمشق كان كنيسة فى السابق ، و حافظ المسلمون على التراث الأثرى القديم للكنيسة بجانب ما تم إضافته للمكان فى العصر الإسلامى ، ليصبح المسجد الأموى بذلك رمزا لاحترام الحضارات، و كذلك جامع الأزهر الذى يقوم على دعامات رومانية عليها رسم الصليب ، و تم الحفاظ عليها كمعلم أثرى و جزء أصيل من المكان . أما على الجانب الآخر فتحول مسجد باليرمو بإيطاليا إلى كنيسة دون أن تمس أى من آثاره و معالمه ، و حتى الآن مازالت الكنيسة تحوى أدعية بالخط الكوفى . و كان مسجد قرطبة فى بداية بنائه مثالا على التعايش بين المسلمين والمسيحين و احترام التراث ، حيث تأسس المسجد الذى عرف قديما بجامع الخضرة أو الخليفة، سنة 92 للهجرة حينما اتخذ الأمويون من قرطبة عاصمة لهم بالأندلس، و شاطر فى ذلك الوقت المسلمون المسيحيين قرطبة كنيستهم العظمى، فبنوا في شطرهم مسجدًا وبقي الشطر الآخر للروم ،وحينما ازدحمت المدينة بالمسلمين وجيوشهم اشترى عبد الرحمن الداخل، حاكم الأندلس في ذلك الوقت شطر الكنيسة المملوك للروم سنة 170ه، و ظلت محتفظة بمعالمها دون أى هدم . و امتدح الكسبانى مبادرات المجتمع المدنى الأسبانى ، قائلا أغلبهم أسبان مسيحيين ، و لكنهم تصدوا لما فعلته الكنيسة ليؤكدوا أن هذا تراثا إنسانيا و لا يقتصر على ديانة أو عرق ، مما يعكس عمق السلوك الإنسانى الراقى . كما طالب المنظمات المصرية بإلا تتخذ موقف المشاهد و أن تنضم لمنظمات إسبانيا فى مخاطبة اليونسكو و العالم ، دون أن تأخذهم الحدة و نعرة و" إسلاماه " ، فهذا لا يصح فى التعامل الثقافى ، حيث التراث ملكا للإنسانية جمعاء .