اثارت التغطية الإعلامية الأوروبية والأميركية للحرب الوحشية التي تشنها اسرائيل على غزة وما خلفته من ويلات وكوارث انسانية ، ضحاياها المدنيون الأبرياء من النساء والاطفال الكثير من اللغط والجدل لدى المتابعين والمتخصصين بقضايا الإعلام . ثمة من رأي ان هناك تزييفا وخداعا يقوم به الإعلام الأميركي والأوروبي ذو الامتداد الطاغي على الرأي العام العالمي جراء انحيازه الى وجهة النظر الإسرائيلية ،وهناك فئة من المتخصصين والعاملين في الحقل الإعلامي رأت وجود منابر إعلامية أجنبية رغم محدوديتها لم ترضخ لسطوة اللوبي الصهيوني وتعاطت مع الحرب بمهنية وحيادية دون أن تتبنى بالضرورة وجهة النظر العربية. وقال الباحث الإعلامي نواف الزرو لوكالة الإنباء الأردنية إن الإعلام يشكل السلطة الرابعة في سائر المجتمعات وتاتي اهميته خلال الحروب نظرا لأهمية الدور الإعلامي في حسم نتائج الأمور وخصوصا في المعارك . وتابع الزرو انه من هذا المنطلق ركزت إسرائيل على الدور الإعلامي في حربها التي تشنها اليوم على الشعب الفلسطيني بذريعة محاربة الإرهاب وهي التي أطلقت إمكاناتها الإعلامية منذ شهور قبل الحرب ضمن خطة إعلامية تتوازى مع الاستعداد العسكري تمهيدا لاجتياح غزة وذلك تهيئة للمناخات الإسرائيلية في تحييد وسائل الإعلام الإسرائيلية تسويغا لحربها وتبريرا لما تقترفه من جرائم وحشية خلافا لأحكام وقواعد إعلامية راسخة . ولفت إلى قطاعات عريضة من الإعلام الأوروبي والأميركي الذي يهيمن على الأخير اللوبي الصهيوني ، سارت في ركب الإعلام الإسرائيلي والتي أخذت تفسح المجال للرواية الإسرائيلية في الحرب على نقيض الرواية الفلسطينية التي يجري اختزالها وتهميشها ومن دون أي تناول للضحايا من الأطفال والنساء والأبرياء. لكن الزرو لا يعمم هذه النظرة على مجمل وسائل الإعلام الأجنبية نظرا لوجود مؤسسات وشركات إعلامية أوروبية محايدة ادانت العدوان وطالبت إسرائيل بوقف الجريمة التي ترتكب يوميا وواكبت الأحداث لحظة بلحظة على خلاف المواقف الرسمية لبلدانها وكان لأدائها المهني دور في اشتداد الحملة التي قامت بها المنظمات الإنسانية والهيئات والأحزاب في تحريك الشارع الأوروبي ضد الجرائم الإسرائيلية وتأليب الرأي العام العالمي على قادة وزعماء إسرائيل والمناداة بجلبهم إلى محكمة الجزاء الدولية . وقال الإعلامي سعد حتر انه منذ البداية حاول الإعلام الأميركي تحديدا التغاضي عن الصورة الكاملة التي جسدت المأساة الفلسطينية في قطاع غزة في تعاطفه مع حالات من المعاناة الفردية في الجانب الإسرائيلي دون النظر إلى مجاميع الضحايا من الأطفال والنساء الفلسطينيين جراء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة . وزاد حتر إن الإعلام العربي عمل على إيصال الصورة لما يجري في غزة من خلال أكثر من أسلوب يقترب من منهجية تسلكها بعض وسائل وشبكات الأخبار الاوروبية عبر توظيف مفردات متنوعة وفي حياد إعلامي يقتضي اخذ وجهتي نظر طرفي الصراع لأنه من الواجب مقارعة الحجة بالحجة والبناء عليها . وأشار استاذ الصحافة والإعلام في جامعه البترا الدكتور تيسير ابوعرجة إلى تأثر الإعلام الغربي عموما بمقولات الإرهاب العربي والإسلامي حيث يجري فيها بناء مواقف تختزل وتعمل على تشويه القضايا العادلة سواء عبر التعمد في تزييف الحقيقة أو التركيز على جزئية باعتبارها الصورة الكاملة للواقع كما يجري حاليا في العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وهم يغضون بصيرتهم عن وقائع الحرب التي تستهدف المدنيين قبل العسكريين. وأضاف انه من الخطأ التعميم على جميع وسائل الإعلام الاجنبية لوجود أصوات بدأت تتفهم همجية العدوان وتتبين حجم المجزرة التي تقترفها قوات الاحتلال الاسرائيلية ،وارجع ذلك لرغبة وسائل الإعلام في مواكبة حراك الشارع ومظاهر التنديد بوحشية العدوان الاسرائيلي من خلال المسيرات والاعتصامات التي تغمر العالم كله . ورأى ابوعرجة إن من حق تلك الوسائل الاعلامية في الغرب أن تعبر بأسلوبية الحياد المهني في الحدث الذي تشهده غزة من عدوان ظالم وذلك بأن تفسح لوجهة النظر العربية التعبير عن هول القوة المفرطة والوحشية التي تلجأ إليها آلة الحرب الاسرائيلية المدمرة . وأوضح ان مجريات القتال بإمكانها التأثير أيضا على صدقية الإعلام الغربي لدى تناوله ملامح من صور صمود أهالي غزة في مواجهة العدوان في تبيان لمقولات الحق والعدل والنزاهة خاصة وان الغرب عموما يتبنى نظرية منطق القوة وليس منطق الشفقة أو النظرة الانسانية الأمر الذي سيؤثر حتما على تغيير نظرة الإعلام الغربي . ** منشور بصحيفة "الرأي" الأردنية بتاريخ 13 يناير 2009