مؤتمر بمشاركة قادة العالم لتشجيع حوار الأديان والثقافات اجتمع أمس في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك حشد عالمي بحضور عدد من قادة الدول ورؤساء الحكومات تحت ما أطلق عليه مؤتمر الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات ، والذي دعت إليه المملكة العربية السعودية . والقيت في افتتاح الاجتماع، كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس اللبناني ميشال سليمان الثاني والامين العام للامم المتحدة بان كي مون ورئيس الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة ميغيل بروكمان وعاهل الاردن الملك عبدالله وامير الكويت جابر الاحمد الصباح ورئيس وزراء قطر حمد بن جاسم ال ثاني والرئيسة الفلبينية غلوريا اورويو والرئيس الافغاني حامد قرضاي والرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس. ويشارك في مؤتمر نيويورك أيضا وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ونظيرتها الإسرائيلية تسيبي ليفني. وقال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إن الأديان «ينبغي ان لا تُحول الى أسباب شقاء البشر» وان «الانسان نظير الانسان في الخلق وشريكه على هذا الكوكب، فإما يعيشا معاً في سلام وصفاء، وإما ان ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية». وأكد أن الإنشغال عبر التاريخ بنقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات قاد للتعصب ، وبسبب ذلك ، قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر أو فكر سليم ، وقد آن الأوان لأن نتعلم من دروس الماضي القاسية . قائلا أن ما نختلف عليه سيفصل فيه الرب سبحانه وتعالى يوم الحساب . وأكد الملك عبدالله على أن الإرهاب عدو لكل دين وحضارة ، وما كان ليظهر لولا غياب مبدأ التسامح ، وكذا الجريمة . ودعا لتشكيل لجنة تتولى مسؤولية الحوار في الأيام والأعوام القادمة. وختاماً ذكر الحضور بما جاء في القرآن الكريم: (يَا أيُّهَا النّاسُ إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ). وكان الملك عبدالله المتحدث الأول في الاجتماع الخاص الرفيع مباشرة بعد كلمة رئيس الجمعية العامة للدورة الحالية القس النيكاراغوي ميغيل ديسوتو بروكمان وكلمة الأمين العام بان كي مون. في القاهرة أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أن مؤتمر الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات الذي يعقد اليوم في نيويورك هو السبيل السوي للرد على خصوم الإستقرار والتعايش والسلام الذين ينادون بصدام الحضارات ويبذرون بذور التوتر بين الغرب والإسلام. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون توجه للقادة المشاركين في الاجتماع شاكراً حضورهم، وقال إن «وجودكم هنا شهادة على أهمية إقامة حوار في عالم اليوم. والمملكة العربية السعودية اتخذت مبادرة ملهمة حقاً من أجل الانسجام العالمي والتفاهم المتبادل، واني أتوجه بالشكر الى خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على دوره الديناميكي في جعل هذا الحشد ممكناً». وقال رئيس الجمعية العامة ميغويل دي ايسكوتو بروكمان لدى افتتاحه الاجتماع «انه لشرف لي ان أترأس هذا الاجتماع الذي يهدف الى استخدام قيمنا المبنية على الايمان وايماننا الاخلاقي بالسعي وراء حلول للقضايا الملتهبة في عصرنا والتي تعكسها أجندة الجمعية العامة». معبرا عن ان الاجتماع لمدة يومين في الجمعية العامة ليس تجمعاً للتحدث عن الدين وانما هو منبر «للتعهد بأن نضع أنفسنا وقدراتنا الاخلاقية في خدمة أهداف منظمة الأممالمتحدة». أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، في كلمته قال «إن عالمنا اليوم، يمر بظروف عصيبة تعاظمت فيها المشاكل وتنوعت، تعقدت فيها الحلول وتعسرت، اختلط فيها العجز عن حل القضايا السياسية في مناطق عديدة من العالم، فظهرت صراعات وحروب أهلية جديدة، تشابكت فيها الأزمات الاقتصادية الملحة، مع الكوارث الطبيعية المهلكة، برزت ظواهر جديدة وتعاظمت، كظاهرة الإرهاب، والمخدرات، والتمييز، تفشت روح العصبية والكراهية وتأججت مشاعر البغض والعزل بين معتنقي الأديان والثقافات والاتجاهات السياسية، ووجهت أعنف الاتهامات والتجريح لرموزها ومبادئها وقيمتها». وشدد على «اننا مطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بتحويل ثقافة العالم من ثقافة كره وتعصب وحرب الى ثقافة حوار وتعايش وجوداً وفكراً. إن سبيلنا لذلك هو الايجابية في التعامل والتفاعل بعضاً مع بعض، دون عقد أو خوف، منطلقين من حقيقة اننا جميعاً مؤتمنون على مقدرات البشرية وتنميتها لصالح الانسان». معتبرا أن أبلغ نتيجة لهذا التجمع هو الخروج بتعهد عالمي باحترام الأديان وعدم المساس والتعرض أو التهكم على رموز تلك الأديان ، وردع مرتكبي تلك الأفعال والداعين لها . من جهته، اشاد الملك الاردني عبدالله الثاني بخادم الحرمين الذي قال انه «بدأ مسيرته بكسر الحواجز بين اتباع الديانات بلقائه قداسة البابا، ثم دعوته ورعايته لمؤتمر مكةالمكرمة ومؤتمر مدريد، وها هو اليوم يدعو لهذا الاجتماع الدولي استمرارا لمسيرته المباركة في التقريب والتفاهم والتسامح بين اتباع الديانات والحضارات المختلفة». واضاف «من المستحيل الحديث عن الانسجام والتناغم بين الاديان، وخصوصا بين الشرق والغرب، من دون التوصل الى حل للصراع في الشرق الاوسط. فالصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو اساس الصراع في منطقتنا، وهو صراع سياسي يتطلب حلا تفاوضيا عادلا يحقق الحرية للفلسطينيين ويؤدي الى قيام دولتهم المستقلة، ويضمن المزيد من الامن والقبول الاقليمي لاسرائيل». وخاطب الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز الاجتماع الرفيع، ولم يخرج من القاعة سوى الرئيس اللبناني ميشال سليمان لدى صعود بيريز الى المنصة. بيريز أثنى على كلمة الملك عبدالله، واعلن ان إعادة رسم مستقبل المنطقة «ممكن أكثر اليوم في ضوء الاقتراح السعودي الذي تطور الى مبادرة السلام العربية». وقال: «إن تصور هذه المبادرة لمستقبل منطقتنا يوفر الأمل للشعوب ويلهم بالثقة بالدول. ونعم - ان تغيير العالم يتطلب تغيير أنفسنا، وكما تنص مبادرة السلام العربية: ان الحل العسكري للنزاع لن يحقق سلاماً ولن يوفر أمناً للأطراف. واسرائيل توافق على هذا الافتراض». وتابع يقول إن المبادرة العربية تنص على أن «تحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط هو الخيار الاستراتيجي للدول العربية. وهذه هي أيضاً استراتيجية اسرائيل». وأضاف: «ان السلام الاقليمي الشامل يتطلب استكمال المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين وتحمل الكلفة المؤلمة. ونحن على استعداد لذلك كما ثبت وبرهنا عدة مرات في السابق». واشار الى «اننا نحرز التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين ونحن نستطلع امكانات السلام الحقيقي مع السوريين - آخر قائمة النزاعات التاريخية». وكرر بيريز موقفه من المبادرة العربية خلال مؤتمر صحافي عقده لاحقاً. الملك عبدالله وبان كي مون الرئيس ميشال سليمان ألقى كلمة لبنان، فاقترح ان يكون بلده «مركزا دوليا لادارة حوار الحضارات والثقافات وان يصبح بالتالي مختبرا عالميا لهذا الحوار الكياني، علما ان المادة التاسعة من الدستور اللبناني تنص على ان حرية الاعتقاد في لبنان مطلقة وبأن الدولة تحترم جميع الاديان والمذاهب وتكفل حرية اقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها». وحمل سليمان على الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية والعربية، مؤكدا ان «القدس، مدينة السلام ولقاء المؤمنين بأديان التوحيد السماوية، لا تحقق دعوتها التاريخية ما لم يرفع الظلم عن ابنائها وعن شعب فلسطين، وما لم يرفع الاحتلال». وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ان «الحوار اضحى ركنا اساسيا من اركان السياسات على المستوى الوطني والاقليمي والدولي الرامية الى تحقيق السلام والتنمية المستدامة»، مؤكدا ان سياسة بلاده «التي تحترم الشريعة الاسلامية السمحاء تستهدي بقيم التسامح واحترام الاديان والثقافات المتعددة». وطرحت المتحدثة الثانية من قادة الدول رئيسة الفيليبين غلوريا أرويو مشروع قرار مشترك للفيليبين وباكستان دعمت تقديمه رسمياً 60 دولة، قالت انه «لاقى اجماع الدول»، بهدف اعتماده مع انتهاء مداولات الجمعية العامة اليوم. واوضحت ان هدف القرار تأكيد ان «التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان يشكل جزءاً مهماً من التحالف بين الحضارات وثقافة السلام». ويطلب مشروع القرار اعلان عقد للأمم المتحدة بين الديانات والحضارات وللتفاهم والتعاون من أجل السلام. الملك عبدالله يلقي كلمته في المؤتمر الرئيس الافغاني حميد قرضاي أكد في كلمته ان الارهاب سياسي اكثر مما هو ديني والمسلمين هم من اكبر ضحاياه، مضيفا ان الارهاب ليس ظاهرة دينية بل هي ظاهرة اقليمية تمتد جذوره الى اصول تاريخية. ومن المقرر أن تعقد على هامش المؤتمر قمة سعودية أميركية بين الرئيس جورج بوش الذي يصل اليوم الى نيويورك وخادم الحرمين. ويختتم الاجتماع اليوم بتبني واصدار «اعلان نيويورك» الذي الذي يتوقع صدوره في ختام أعمال المؤتمر، مقررات «مؤتمر مدريد» الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين في العاصمة الاسبانية في تموز (يوليو) الماضي. ويهدف الاجتماع الذي يعقد تحت عنوان «ثقافة السلام والحوار بين الأديان والثقافات» الى إستعراض عملية الحوار أمام الجميعة العمومية والتى إنطلقت خلال المؤتمر العالمي حول الحوار المنعقد في مدريد ودعوة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة للانخراط في عملية الحوار.