ساركوزي.. و الناتو أندريه فيداشين أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن أن فرنسا مستعدة للعودة إلى الوكالات والأجهزة المتكاملة المندمجة في " الناتو " من جانبها واقترح إنشاء قوات مسلحة للاتحاد الأوروبي. وفي اجتماعه مع الجنرالات الفرنسيين والضباط الآخرين في السابع عشر من يونيو الجاري، عرض حزمة كاملة من الاقتراحات حول الدفاع والأمن الوطني والأوروبي. كما اقترح أيضا إعادة هيكلة وتخفيض وإعادة إعداد وتجهيز القوات المسلحة الوطنية. ولدى الجيش الفرنسي رد فعل متضارب إزاء هذه الاقتراحات. فبعض أفكار الرئيس الفرنسي غير مناسبة ، بينما بدت أفكار أخرى مناسبة لأنها كانت مستحقة من وقت طويل. وبالمثل، أحب الحلفاء الفرنسيون بعضا من اقتراحاته، في حين احتاروا في أخرى. وكل هذه الأفكار يمكن أن يعثر عليها في " الكتاب الأبيض للدفاع والأمن الوطني" والذي راجع أسس السياسة العسكرية الفرنسية لأول مرة في الأربعة عشر عاما الماضية. انطلق ساركوزي دائما وسينطلق نحو خطط كبرى، وكانت اقتراحاته مرتبطة بإثارة رد فعل جلي لا لبس فيه في فرنسا وما عداها. وعلاوة على ذلك، بدت الاقتراحات كما لو أن الأمر هو موافقة باريس على اندماج " الناتو " مع فرنسا. كان مدى ونطاق الاستجابة واسعا جدا. فقد أدلى العميد وعضو البرلمان البريطاني جيفوفري أوردين بتصريح ساخر قال فيه:" أنا لا أرى أي شي في هذا سيفيد المملكة المتحدة. هذا سينتهي بالدموع". وهلل " مركز الإصلاح الأوروبي، وهو المنظمة البحثية الفكرية في الاتحاد الأوروبي، قائلا :" إن الأمر فيه طموح كثير. إن الفرنسيين يريدون كل شئ!". وباختصار، يقترح ساركوزي تخفيض القوات المسلحة الوطنية من أكثر من 320.000 إلى 225.000 على مدى الست أو السبع سنوات القادمة. ولدى فرنسا أكبر قوات مسلحة في أوروبا، ولا يمكنها تحمل نفقات عسكرية ضخمة. ومواطنو ساركوزي لم يحبوا على الإطلاق نيته إغلاق حوالي 50 قاعدة عسكرية والتي هي مصدر للدخل بالنسبة لكل البلدات والقرى المجاورة. وتفادى الرئيس كل هذا النقد بالقول إن الجيش مسئول عن الأمن، وليس الاقتصاد. وهذا مقبول، ولكن هذا الإجراء فضلا عن تخفيض القوات المسلحة سيقلل من شعبية ساركوزي. ولكن الخطط الكبرى تصاحبها دائما خسائر. ففرنسا ستُزيد نفقاتها العسكرية وتنفق نصيب الأسد من ميزانيتها الدفاعية على إعادة تجهيز وإعداد جيشها وقواتها الجوية والبحرية بأحدث الأسلحة. وسيُخصص مبلغ إجمالي قدره 337 مليار يورو، بما في ذلك 200 مليار يورو للأغراض العسكرية في الفترة من عام 2008 إلى عام 2020. وسيكون من المفيد بالنسبة لجيشنا أن يعوِد نفسه على هذا الجزء الفعال بدرجة معقولة في خطط ساركوزي. والقسم العسكري-الجيوسياسي أكثر طموحا. فقد وعد ساركوزي بإعادة فرنسا إلى القيادة العسكرية المتكاملة في حلف شمال الأطلنطي ( كان شارل دي جول قد انسحب من الناتو في عام 1966 وطرد مقراته من باريس) واقترح إرساء نظام دفاع أوروبي مع وجود مقره في بروكسل. وفكرة عودة فرنسا إلى الناتو هي دائما أكبر شئ يضايق روسيا، ويبدو ساركوزي أكثر مؤيد عنيد ومشاكس وغير حصيف للناتو منذ أوقات شارل دي جول والخائن رقم واحد للقضية " الجولية " ( نسبة إلى دي جول ). ولكن هذا لا يمت بصلة للحقيقة. فقد بدأ جورج بومبيدو إعادة فرنسا إلى الوجهة الأطلنطية. ووافق فرانسوا ميتران على أن يكون أكثر موالاةً ومناصرةً للناتو من بومبيدو وفلاري جيسكار ديستان. وعاد سلف ساركوزي جاك شيراك تقريبا إلى البنية المتكاملة للناتو، ولكن خطته تعثرت وتجمدت عندما رفض الرئيس الأميركي بيل كلينتون بفظاظة جعل قيادة الناتو الجنوبية الرئيسة العامة الفرنسية في نابولي. وحتى عام 1966، كان هذا الموقع يشغله فرنسي. وعسكريا، لن يغير تقارب فرنسا مع الناتو أي شئ بالنسبة لروسيا، ولكنه سيغير الكثير بالنسبة لفرنسا. فقد أدرك كل من ميتران وشيراك أن فرنسا كانت في موقف يسمح لها بنيل قدر كبير من التوجه الموالي للأطلنطي والشراكة المتوازنة مع الولاياتالمتحدة. وبهذا المعنى، يستمر ساركوزي ببساطة في هذا المسار. لقد كان الفرنسيون يعملون على العودة للناتو لسنوات كثيرة قبل انتقال ساركوزي إلى قصر الإليزيه. وهم أعتقدوا أن توسيع الناتو شرقا مع نصف عضوية فرنسية يمكن أن يعزز فقط مواقف واشنطن وبرلين في أرض " حلف وارسو " السابق، وكذلك في جنوب أوروبا والذي اعتبرته فرنسا دائما ملكها وحقلها. قليل من الناس يعرفون أن فرنسا- وليست عضو في الناتو - هي التي أصرت على قبول رومانيا في مرحلة مبكرة. وأثمرت جهودها نتائج. وهذا هو أوضح مثال على كيف أعدت باريس الأرضية لتوزان عودتها إلى جناح الناتو الجنوبي. وبدون " فرنسا الكبرى " - وهذا هو ما يراه ساركوزي - يكون توسع الناتو المستمر ( والذي هو حتمي لا مفر منه ) أمر غير قابل للتفكير فيه ببساطة. وسببت مبادرة ساركوزي للدفاع الأوروبي أكثر ردة فعل تعارضا وتناقضا. فجيران فرنسا قلقلون ولديهم سبب وجيه من أنه يحاول استغلالها في مصالحه الخاصة. ويريد الفرنسيون إعادة كتابة الاستراتيجية الأمنية الأوروبية وإقامة سوق أسلحة أوربية مشتركة في أقرب وقت ممكن، وقوة نقل عسكرية موحدة، وميزانية دفاع أوروبية مشتركة، ووكالة دفاع أوروبية. وباختصار، يريد الفرنسيون " كل شئ " ولكنهم ليسوا من المحتمل أن يحصلوا عليه. فالعديد من مبادرات ساركوزي سقطت بالفعل على الطريق. صحيفة " الوطن " العمانية 23/6/2008